مرَّة أخرى، يعود الملك محمد السَّادس إلى إفريقيا جنُوب الصحراء حيثُ يفردُ زياراتٍ رسميَّة لأربعة بلدانٍ إفريقيَّة، سبقَ أنْ زارهَا خلال العامين الأخيرين، في نطاقٍ توجهٍ قارِي، يستعيضُ بالشراكات الثنائيَّة، عما قدْ تخسرهُ المملكة جراء غيابها المتواصل منذُ عقود عن الاتحاد الإفريقي، بسبب عضويَّة "البُوليساريُو". الجولة التي تبدأ اليوم الأربعاء، وتشملُ كلًّا من السينغال وكوت ديفوار والغابون، وغينيَا بيساو، تحملُ أجندةً سياسيَّة الطابع، إضافةً إلى ملفاتِ تعاون اقتصادِي واجتماعِي، دون إغفال الجانب الرُّوحِي الذِي يمنحُ المغرب إحدى الأوراق المؤثرة بمنطقة غرب إفريقيا، وسبقَ أنْ أهلهُ إلى استقدام أئمةٍ من المنطقة لتكوينهم تكوينًا معتدلًا يقطعُ مع شوائب التطرف التي انسلتْ إلى بيئة صوفيَّة. على الصعِيد السياسيِّ، تترجمُ الرباط التزامها إزاء الشركاء بأكثر منْ صيغة، فهي تبعثُ جنودها إلى أكثر من بؤرة توتر ليساهمُوا في عمليَّات حفظ السلام، كمَا أنَّها اضطلعتْ بدور وساطة في الأزمة الماليَّة، حتى أنَّ العاهل المغربي، استقبل شخصيًّا رئيس حركة "أزواد"، بلال أغ شريف، في قصره بمراكش. مقابل ذلك، تحرصُ المملكة على ضمانِ أصوات داعمة لها في ملفِّ الصحراء، في ظلِّ تنافس محمُوم مع الجزائر التي تسخرُ آلتها الديبلوماسيَّة لمعاكسته، حتى أنَّها قامت برعاية حوارٍ ليبِي موازٍ في عاصمتها، بالتزامن مع حوار الفرقاء الليبيِّين في الصخيرات، دون الحديث عنْ الأزمة الماليَّة التي يعزُو مراقبُون جانبًا من تعثرها إلى تجاذب الحبل بين المغرب والجزائر. ولئنْ كانت الملفَّات السياسيَّة تستأثرُ بجانبٍ مهمٍّ من الجولة الملكيَّة في جنوب الصحراء، فإنَّ الجانب الاقتصادِي لنْ يقلَّ حضورًا عمَّا سبق تسجيله في السنوات الماضية، في ظل اشتغال مقاولين مغاربة وشركات وطنيَّة في دول المنطقة، بعددٍ من المجالات، سواء في الاتصالات أوْ في الأبناك وغيرهما. في المجال الفلاحِي، مثلا، وضع المغرب تجربته أمام الشركاء الأفارقة، كما هُو الحالُ بالنسبة للتقنية الخاصة بالاستمطار الصناعي. الافريقية بغرض مكافحة الجفاف وتحقيق الأمن الغذائي، وعلى صعيدٍ آخر، بادر المغرب إلى مضاعفة عدد الطلبة الأجانب الذِين يفدُون إليه لمتابعة تكوينهم في مؤسسات المملكة، وينحدرون في غالبيتهم من أفارقة وافدين من أربعين دولة بالقارة. وأفصح الملكُ محمد السَّادس، في رسالته إلى منتدى "كرانس مونتانا"، المنظم في الداخلة شهر مارس الماضي، عن كون إفريقيا إحدى ركائز السياسة الخارجية، في نطاق التعاون جنوب جنوب، الذِي يسعى معه المغرب إلى جعل القارة في قلب الاهتمامات الجيو استراتيجيَّة، مبرزا أنَّ المغرب لن يدخر في العمل لأجل إفريقيا حديثة وطموحة مبادرة ومنفحة، تكون قارة فخورة بهوية وقوية برصيدها الثقافي ولها القدرة على تجاوز الاديلوجيَّا المتقادمة. في غضون ذلك، يجري النظرُ في أوروبا كما في ما وراء المحيط الأطلسي، إلى المغرب بمثابة بوابة ولوج لإفريقيا، ويتلقى طلبات ملحة من أجل الانتماء لتحالفات ثلاثية جديدة بين الفضاءات الاقتصادية التقليدية وفي قارة تعتبر محطة دولية للنمو الاقتصادي مستقبلا. ويذهبُ الرئيس التنفيذي للمنظمة غير الحكومة الأمريكية "المبادرة العالمية للتنمية"، الدكتور ميما نيديلكوفيتش، في تصريح صحفي، إلى أنَّ لا وجود لبلدٍ في شمال إفريقيا يتوفر على مؤهلات المغرب، باعتباره دولةً تقع في ملتقى مختلف الثقافات والحضارات العربية الإسلامية والإفريقية والغربية. الخبير بالشؤون الإفريقية أورد أنَّ المغرب على عهد الملك محمد السَّادس أظهر أن "الحلول والإجابات الملموسة حول قضايا التنمية المستدامة يمكن أن تأتي من البلدان الإفريقية نفسها، عبر الاعتماد على قدراتها الخاصة، ومهاراتها ومواردها البشرية". وتابع المتحدث أن "المغرب، القوي باستقراره السياسي الذي توفره الملكية العريقة والإصلاحات الملموسة التي تم تنفيذها قبل الربيع العربي، يحوزُ المؤهلات السياسية التي تمكنه من الانطلاق في القارة الإفريقية بالتزام مقنع بشكل كبير".