بجلوس كتيبة من رجالات الدولة ومسؤوليها الكبار في صف واحد، يوم أمس، بالقرب من الضيف الجديد الذي حل على رأس أسرة الشرطة بالمملكة، عبد اللطيف الحموشي، يكون الذي يلقبه البعض ب"كاتم الأسرار"، وآخرون ب"حارس المملكة"، قد بصم لنفسه على مكان ساطع في سماء البلاد. مسؤولون عسكريون من الوزن الثقيل، ووزراء وشخصيات مدنية رفيعة المستوى، حرصوا على حضور حفل تنصيب الحموشي، المحتفظ بمنصبه كمدير لإدارة مراقبة التراب الوطني، والذي باشر أول نشاط رسمي له بقبعته الأمنية الجديدة، متمثلا في حفل الذكرى 59 لتأسيس الشرطة في البلاد. هذا الاحتفاء الواسع بالرجل ليس اعتباطيا، فنجمه قد صعد بقوة في سماء المملكة، ويحظى بثقة أعلى سلطة في البلاد، بل إن المغرب كاد ينسف علاقاته مع فرنسا، الحليف الاستراتيجي والتاريخي للمملكة، من أجل "عيون" الحموشي، ودفاعا عن كرامته لما تم استدعاؤه للقضاء هناك قبل أزيد من سنة. وحضر الحموشي في صلب العاصفة الهوجاء التي عرضت بين الرباط وباريس لكثير من الأخطار، منذ فبراير 2014، بسبب حادثة استدعائه من طرف القضاء الفرنسي في ملف تعذيب مفترض، قبل أن تضطر فرنسا للاعتراف بحنكة الرجل، وتوشحه بأحد أرفع أوسمتها، لينهار بعد ذلك جليد الفتور بين البلدين. أسابيع قليلة بعد اعتراف فرنسا بخطئها، وتكريم الحموشي بوسام من درجة ضابط، تقديرا لتجربة وخبرة الجهاز الأمني والاستخباراتي للمملكة، خرجت المخابرات إلى العلن بإحداث مكتب "FBI" بنسخته المغربية، في بصمة تسعى لتحديث هذا الجهاز الذي كان يوصم بالسرية. ويبدو أن الدولة كافأت الرجل على نجاحه في مساره الاستخباراتي، الذي بدأه منذ 2005 على رأس الDGST، بشهادة عدد من الدول والتقارير الأمنية، من خلال مزاوجته بين منصبه الأصلي، وإشرافه على مديرية الأمن الوطني، والتي باتت تحتاج لكثير من جهود العصرنة والسرعة في التعاطي مع الملفات المطروحة. الرسالة الأولى من تعيين الحموشي في منصب المدير العام للأمن الوطني مُوجهة إلى الخارج، مفادها أن هذا المسؤول بات من ركائز النظام الأمني للمغرب، وبأن القصر وضع فيه ثقته الكاملة لما حققه في سبيل حفظ البلاد من أخطار الإرهاب، وبأن المفترض أن تقدم له دول أخرى، فرنسا مثلا، الإشادة لأنه يحمي ظهرها بطريقة غير مباشرة. المغرب عندما أقام الدنيا، ولم يقعدها في مواجهة فرنسا، بمجرد أن تم استدعاء الحموشي للقضاء الفرنسي، وعندما عينه الملك محمد السادس أخيرا في منصب مدير الأمن بالمغرب، كأن الرباط توجه رسالة مشفرة لفرنسا وغيرها، عنوانها البارز "الحموشي خط أحمر". والرسالة الثانية أن التعيين الجديد على رأس مديرية الأمن، التي يعرف مقرها المركزي، بخلاف مديرية مراقبة التراب الوطني، يسير في اتجاه كسر طابع "السرية" و"الغموض" عن الحموشي ومهامه بصفته "الاستخباراتي الأول" في المملكة، ونأيه عن الإعلام والعمل السياسي. والرسالة الثالثة أن الحموشي، الذي بات يشتغل إداريا تحت إمرة وزارة الداخلية، أضحى ملما بتفاصيل ملفات أمنية كبيرة تشترك في عدد من الخطوط والمحاور مع ملفات تعمل عليها مديرية مراقبة التراب الوطني، فكان لزاما الجمع بين الإدارتين تحت إشراف شخص واحد. ولعل هذا المعطى هو ما أشار إليه وزير الداخلية، محمد حصاد، في كلمته في حفل تنصيب الحموشي مديرا للأمن، لما أكد أن إشراف الرجل الحموشي على المديريتين سيمكن من التنسيق التام بينهما، والرفع من نجاعة عملهما، وتطوير وعصرنة أساليبهما في الاشتغال على ملفات هامة.