عاصَر ملوك المغرب الثلاثة، السلطان الراحل محمد الخامس، والملك الراحل الحسن الثاني، والملك الحالي محمد السادس، ووثق الأحداث والتحولات السياسية الكبرى التي وصمت تاريخ البلاد خلال الستين سنة الأخيرة، في كتاب اختار له عنوان "رحلة حياتي مع الميكروفون". هو الإذاعي والإعلامي المخضرم، وأحد أيقونات الإذاعة المغربية، محمد بن ددوش، الذي عُرف بصوته الرخيم والدافئ عبر الأثير، والذي كان يصل إلى ملايين المستمعين عبر "الميكروفون" طيلة نصف قرن من الزمن، كان فيها شاهدا على مجريات أحداث تظل مجهولة لدى قطاع عريض من أبناء الأجيال الشابة. وحظي بنددوش، تقديرا وعرفانا لما قدمه في ها المجال الذي أخلص له وأبرع، بتكريم خاص، حضرته شخصيات إذاعية واكبت المحتفى به في رحلته المهنية الطويلة والمتميزة، وشخصيات أخرى من عالم الثقافة والفن والإعلام في المغرب. وتم تقديم كتاب "رحلة حياتي مع الميكروفون"، خلال الحفل الذي نظمته أخيرا جمعية مركز سيدي مومن للتنمية البشرية، والذي استعرض فيه قيدوم الإذاعيين المغاربة محطات مهمة من مساره المهني، والتي حاول من خلالها توثيق وتسجيل مجموعة من الأحداث التاريخية والسياسية الكبرى التي عاشها المغرب في الستين سنة الأخيرة. وقال بنددوش، في ذات الحفل التكريمي، إنه اختار في تجميع شذرات من ذاكرته المهنية أن يقوم بنقل مشاهداته وانطباعاته، كما عاشها خلال تغطيته لأحداث وتظاهرات بارزة بصمت تاريخ المملكة، لا سيما على المستويين السياسي والخارجي، وذلك في كتاب يحوي 32 فصلا، موزعة على 583 صفحة. الكتاب، الصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر، تجميع لذكريات ليست بالعادية، ولم تكن مهمة بالنسبة للكاتب وحده، بل تعني أجيالا بأكملها، وتخص الذاكرة الجمعية للمغاربة، وتبدأ بأجواء عودة الملك محمد الخامس من المنفى، وانطلاقة بناء الدولة المستقلة بعد التحرر من الاحتلال الفرنسي والإسباني. واستعرض كتاب بنددوش الأدوار التي اضطلعت بها الإذاعة المغربية في مواكبة التحولات السياسية الكبيرة التي عرفتها الساحة المغربية في بداية عهد الاستقلال، وليس انتهاء بحدث المسيرة الخضراء وما عاشه المغرب بعدها من تطورات سياسية وثقافية واجتماعية في سبيل بناء دولة ديمقراطية حديثة. ولم يفت بنددوش رصد مكانة وعلاقة الملك الراحل، الحسن الثاني، بعالم الصحافة ومكانة الإذاعة والتلفزة في حياته، مع الانطباعات التي سجلها المؤلف خلال مواظبته على تغطية الأحداث الهامة التي عاشتها المملكة، ومنها مفاوضات مدريد لإنهاء الاحتلال الإسباني، وتوحيد شمال المغرب وجنوبه. وكتب الإذاعي ذاته أيضا عن مؤتمر الدارالبيضاء سنة 1961، الذي مهد لإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، الذي ترأسه الملك محمد الخامس، بحضور زعماء أفارقة قادوا حركة التحرر من الاستعمار الأوروبي، وانقلاب الصخيرات سنة 1971، والفترة التي كانت فيها وزارة الداخلية تتولى مسؤولية قطاع الإعلام. وتضمن كتاب "رحلتي مع الميكروفون" أيضا مجموعة هامة من الصور توثق لمراحل مختلفة من حياة المغرب، وتذكر بوجوه كانت في المواقع الأمامية، علها تساعد الأجيال الحاضرة على التعرف عليها، وقد سمعوا عنها أكثر مما عرفوها. واعتبر بنددوش أن تكريمه بمدينة الدارالبيضاء يعود به إلى سنوات بعيدة تولى فيها تغطية عدد من التظاهرات الكبرى والمؤتمرات التي احتضنتها هذه المدينة، مبرزا أن "الزمن الإعلامي اليوم يختلف عن الأمس، من حيث السياسة الإعلامية، والأسلوب والإمكانيات التقنية والبشرية، لكن الذي لا يتغير هو حب المهنة والإخلاص لها".