يبدو جليا للعيان أن اللغة العربية في المغرب تعيش وضعية صعبة وظروف انحطاط خطيرة، حيث تستعمل قي مجالات محدودة. وإذا تأملنا واقع العربية في المغرب مقارنة مع باقي الدول العربية نلحظ بوضوح وضعيتها المتردية. يقول الفاسي الفهري،في هذا السياق، في كتابه(اللغة والبيئة.ص.72): "وإذا ما توقفنا عند اللغة العربية الأولى (العربية) في البلدان العربية، نلاحظ أن نسبة الاستثمارات وعائدات السياحة، مثلا تتغير تبعا لوضع العربية في المحيط اللغوي للبلد المعني. فالاستثمارات في مصر ولبنان، بل حتى في تونس، تفوق نسبها بكثير تلك التي تؤول إلى المغرب، الذي يعد عادة فرنكفونيا، عند ذوي الاستثمار،... وفي لبنان مثلا (وهو بلد تعدد لغوي) تمثل العربية اللغة الأولى في التواصل والمعاملات السياحة، الخ. ويشعر العربي بالارتياح في مثل هذا المحيط اللغوي الذي تحظى فيه لغته الأم بالاعتبار المطلوب. ونجد أوضاعا مماثلة في عدد من البلدان العربية وحتى الإسلامية (كما هو الحال في ماليزيا مثلا)، بما في ذلك البلدان المغاربية، رغم أنها ناطقة بالفرنسية أو الانجليزية مثلنا ، وما يؤكد أزمة اللغة العربية هو أن أغلبية الاقتصاديين المغاربة لا يدينون إلا باللغة الأجنبية (خاصة الفرنسية) في المعاملات الاقتصادية، بل حتى في التسيير الإداري، منكرين إمكان أن تصبح اللغة الرسمية لغة اتصال وعمل في هذه الميادين، بل الأدهى من ذلك هو أن هؤلاء قرروا إغلاق أبواب الشغل في وجه الأطر المعربة لصالح أطر أقل كفاءة لأنها تتقن الفرنسية". تم التحدث في الفقرة أعلاه عن وضعية اللغة العربية باعتبارها من مؤشرات الخلل، وتبين أنها تعيش ظروف انحطاط، وذلك ما تؤكده جهات متعددة تهتم بالموضوع. ويتجلى هذا الضعف في عدم وظيفية العربية في التواصل. إن ما يمكن ملاحظته بسهولة هو أن التلاميذ والطلبة في المؤسسات التعليمية والجامعية لا يستطيعون التعبير عن أفكارهم وأحاسيسهم بلغة عربية سليمة وبطلاقة وتلقائية. والمدرسون أنفسهم، وفي كل المستويات، قد لا يستطيعون ذلك أيضا، فهم، إذن، قد لا يستطيعون أن يكونوا نماذج صالحة لتلامذتهم وطلبتهم . وبعض المثقفين في المنابر المختلفة عاجزون أيضا عن استعمال اللغة العربية استعمالا صحيحا. وأحسن مثال على ذلك الصحافيون، حيث يمكن رصد عجز الصحافي عن وضع السؤال أو الإجابة عنه بتلقائية وبلغة عربية سليمة، والمذيع في الإذاعة أو التلفزة قد لا يستطيع أن يقرأ قراءة صحيحة ما هو مكتوب أمامه، إذ يرفع المنصوب وينصب المرفوع (ما حقه الرفع). ومثال ذلك قول المذيع: كان حجاج بيت الله واقفون بعرفة. فالمذيع نصب ما حقه الرفع (الحجاج) ورفع ما حقه النصب (واقفين).). كما أن اللغة التي يتواصل بها الشعب هي العامية، بينما يبقى العجز سائدا في التواصل باللغة العربية الفصيحة. فهاته الأخيرة لم تطوع علميا وتكنولوجيا للقيام بوظائف محددة وجديدة في التعليم، إذ إن هناك اختلالات في لغة التعليم وتعليم اللغة. ويتجلى هذا في ضعف إتقان اللغة العربية لدى المتعلم، وضعف نوعية تعليمها وضعف الوسائط الموظفة. إن العربية تواجه جملة من التحديات ، وأول هذا التحديات عزلة اللغة عن الاستعمال العام، حيث حلت اللهجات العامية محلها، وأخذت مكانها في ألسنة الناطقين بالعربية، ونتج عن ذلك نشوء مجموعة اللهجات المحلية التي تختلف من بلد إلى آخر داخل القطر الواحد، فإذا كان عدد البلاد العربية اثنين وعشرين دولة هي مجموع الأعضاء في جامعة الدول العربية، فإن لدينا اثنين وعشرين لهجة، تتفرع عنا لهجات بلدية تتميز كل منها عن الأخرى ببعض الخواص الصوتية. والجدير بالذكر أن العربية تستعمل في بعض المجالات القليلة وتظهر عليها مظاهر الضعف إن على مستوى المكتوب أو المسموع. فأما المكتوب، فيمكن في عدم السلامة في الأسلوب، وتركيب الجمل تركيبا ينم عن التكلف، وغلبة الركاكة والبعد عن جماليات اللغة، حتى يصل الكلام المكتوب في أحيان كثيرة إلى مستوى يقرب من العامية، أو يتسم بالتصنع الذي لا يهز مشاعرا ولا يحدث في النفوس الأثر المطلوب . أضف إلى ذلك إهمال علامات الترقيم من فاصلة ونقطة إهمالا يرهق قارئ الكلام المكتوب في فهم معانيه، ويصعب عليه إدراك علاقات الجمل بعضها ببعض، ومعرفة نهاية الكلام وبداية كلام أخر، فضلا عن جهل معاني الأدوات اللغوية ووظائفها بحيث تستعمل استعمالا اعتباطيا لا تراعي فيه دقة توظيف الأداة، كعدم التفريق بين: "إذا" و "إن" الشرطيتين و"لم" و "لما" الجازمتين، وحرفي الجواب "نعم" و"بلى"، و"لا" النافية للجنس، واستعمال أداة التوكيد في موضع لا يقتضي التوكيد، وسوء استعمال "أحد" و"إحدى" في مثل قولهم: إحدى المستشفيات وأحد المدارس... والقائمة طويلة من الأخطاء اللغوية الشائعة.. وأما المسموع، فحدث ولا حرج، فعلاوة على الأخطاء الصرفية والنحوية والأخطاء الشائعة وركاكة الأسلوب وعدم الترابط بين الجمل، هناك أخطاء مرتبطة بالجانب الصوتي حيث يغيب تقريبا النطق الصحيح للذال والثاء والظاء، وتنطق الذال دالا والثاء تاء والظاء ضاء. نتوصل، من خلال المؤشرين السابقين المتعلقين بوضعية اللغة العربية وعدم القدرة على التواصل بها من قبل أبناء العربية، إلى نتيجة واقعية تشهد عليها الحياة اليومية هي ضعف وظيفية اللغة العربية، وحتى إن وظفت فإنها تشكو من نقائض عددية إن على مستوى المسموع أو على مستوى المكتوب كما وضحنا سابقا. وهذا الوضع يفرض السؤال التالي، لماذا أضحت اللغة العربية على هذا الحال؟ لماذا لا يحقق الدرس اللغوي العربي التواصل المنشود؟ لماذا هذا الخلل؟ ترتبط أسباب ضعف وظيفية اللغة العربية ارتباطا وثيقا بتعليمها. ذلك أن للتعليم دورا حاسما في تغيير الوضع "فهو - كما قال نبيل علي في: الفجوة الرقمية – أهم عوامل التغيير على وجه الأرض، وهو مصدر الرفاه والتقدم الاقتصادي والرقي الاجتماعي... فالتعليم هو أعظم الوسائل لتحقيق المساواة الاجتماعية" ، بمعنى أن ضعف اللغة العربية مرتبط بتعليمها. يقول البوشيخي في مقاله:(2002:ص 20) : "ولئن كان هناك تفاوت بين المهتمين ف يتعدد العوائق والأسباب ومواطن الضعف، فإن ثمة إجماعا على أن للتعليم دورا يكاد يكون حاسما في تغيير هذا الوضع" . وما يؤكد دور التعليم في ضعف وظيفية اللغة العربية هو أن مراحل التعليم من الابتدائي مرورا بالإعدادي ووصولا إلى الثانوي لم تعط التلميذ المنشود القادر على التعبير عن همومه ومشاكل عصره بلغة عربية سليمة و فصيحة. وهذا التلميذ العاجز عن التعبير هو ما ينتقل إلى الجامعة وهو على تلك الحالة من الضعف. أضف إلى ذلك أن الضعف عام يمس قدرة التلاميذ على الأداء اللغوي السليم نطقا وكتابة وفهما، وهذا يفسر فشل العملية التعليمية في تحقيق الهدف المنشود. وقد يكون السبب هو عدم امتلاك المدرسين لناصية اللغة، وعدم ملاءمة محتويات الكتب المدرسية من الناحية التربوية مع مستوى التلاميذ، وقد يكون الغلاف الزمني المخصص للغة العربية غير كاف لتحقيق الهدف من تعلمها.. وفي الختام نقول: مهما تنوعت الأسباب فإنها تتصل اتصالا وثيقا بنوعية تعليمها. فالعربية باعتبارها تحمل رمزية ذات أهمية، فاللائق بها أن تحظى بعناية فائقة لجعلها لغة وظيفية. ولا شك أن أولى الخطوات تقتضي إعادة النظر في تعليمها، وذلك بتكوين مدرسي العربية تكوينا فعالا، وتخصيص الغلاف الزمني الكافي لها، والتفكير بمنهج علمي في العملية التعليمية يتيح تجاوز الصعوبات وتحقيق الطموحات.