بقاعة كلية الطب والصيدلة بفاس، كنت مع موعد أول أمس مع ندوة متخصصة بعنوان: Cinema et Feminite ترجمت للعربية لتصبح "السينما بصيغة المؤنث". نوقش فيها موضوع السينما المغربية وحضور المرأة فيها. شارك في الندوة مخرجون ونقاد وجامعيون أمثال محمد باكريم، عمر بنخمار، ليلى التريكي، الشريف طريبق، وعبد الإله الجواهري. ابتدأ اليوم بتكريم الدكتور عبد الرحمن طنكول وتهنأته بمنصبه الجديد رئيسا لجامعة ابن الطفيل بالقنيطرة، ثم أخذ هذا الأخير الكلمة لتسيير الجلسة صباحا. في المساء ختم اليوم الدراسي بعرض ومناقشة لفلمين قصيرين للمخرجة ليلى التريكي "وتستمر الحياة" والشريف طريبق "الشرفة الأطلنتية". من بين النقط التي أثارتني ودونتها حول المداخلات أغلبها يتمحور في البعد التنظيري للعمل الفني السينمائي و ارتباطه بقضية المرأة. فأول ما انتبهت إليه قبل بداية الندوة هو العنوان وترجمته إلى العربية: Cinema et Feminite إلى "السينما بصيغة المؤنث". ربما لكون الموضوع جديدا في الساحة الفكرية المغربية انعكس على صعوبة اختيار العنوان، فالترجمة من الفرنسية إلى العربية كان ورطة بالنسبة للمنظمين لأن "Cinema et feminite" كان من الصعب لها أن تجد دلالة دقيقة في الثقافة العربية. فاقتراح "السينما والمرأة" كان ليحيل على البعد السوسيولوجي للمقاربة. واقتراح "السينما والأنثى" كان ليحيل إلى أشياء مرتبطة بالمخيال الشعبي المغربي أكثر منه الغربي. لذلك جاءت الندوة بعنوان "السينما بصيغة الأنثى" كترجمة أكثر قربا من المعنى المقصود، لكن على كل حال تبقى مقولة رولاند بارث أن كل ترجمة هي خيانة صالحة لوصف هته الحالة. أهم النقط التي تعرض لها المحاضرون هي مسألة حضور المرأة في عالم السينما من حيث كونها موضوع الإنتاجات السينمائية من جهة وكمنتجة لهته المواضيع من جهة أخرى. ركز أغلب المتدخلين على أهمية وضرورة التخلي عن أية أحكام مسبقة أو صور نمطية تلتصق بالإبداع السينمائي على أنه مذكر أو مؤنث، فقد يكون الرجل أكثر تعاطفا مع الأنثى من الأنثى نفسها في حيثيات ظهورها في الشاشة، والعكس صحيح. لكن من وجهة نظري وبعد التفكير في الأمر، أظن أن مسألة تصنيف الأعمال السينمائية إلى رجالية أو نسائية يبقى مسألة رد اعتبار للمرأة وطريقة للفت انتباه الناس وخلق وعي لديهم بأن المرأة قادرة هي الأخرى على إبداع ما يبدعه الرجل أو أكثر، رغم أنني أعي وأعترف بأن هذا التعامل لا يخلوا من خطر السقوط في مسألة تشكيل ثقافة تكره الرجل المستبد وتدعم المرأة المستضعفة. أعجبني تدخل الأستاذ عبد الإله الجواهري في تقسيمه للأعمال السينمائية إلى صنفين، رغم ما لقيه هذا التقسيم من انتقاد. فبالنسبة له يجب التفريق بين الأعمال السينمائية التي تنطلق من رؤى فكرية واضحة، والتي تهدف إلى ملامسة وعي المجتمع فيما يخص قضايا المرأة ، مثل أفلام "نساء ونساء"،"مصير امرأة"، "البحث عن زوج امرأتي"، "كيد النسا"، "للأزواج فقط"... وبالمقابل أعمال سينمائية تجعل المرأة خاضعة لمتطلبات السوق من خلال جعل جسدها هو المنظار الذي نرى به مشاكلها النفسية،الإجتماعية والاقتصادية... هذا ما ينطبق إلى حد بعيد على بعض، إن لم أقل جل الأفلام المغربية المعاصرة، وبالطبع ما يرافقها من مسلسلات صابونية مستوردة(المكسيكية...) والتي أستطيع أن أقول أنها تحول جسد المرأة من تمثلات إنسانية وإجتماعية سامية إلى موضوع لايتجاوز حد ذاته. مثل هته التعبيرات والتمثلات عن واقع المرأة في السينما المغربية يطرح وبشده علاقة الحركات النسائية بما هو معروض للمجتمع ليراه. فإذا كانت الحركة النسائية تنطلق عموما من مفهوم الدفاع عن حقوق المرأة وفي بعض الأحيان تحريرها، فإن هته الحقوق تبقى مبهمة وغير واضحة في ظل تعدد رؤى وأطروحات هذا التحرير وأيظا تنزيله كمشروع في السينما. وأبرز دليل على هذا هو ما نراه من مفارقة وتباين في واقع وأوضاع المرأة في القرية والمدينة.. الشيء الذي أرى أنه يحتم على النخبة صاحبة القرار السياسي من جهة وصاحبة الإنتاجات السينمائية من جهة أخرى، أن تراعيه سواء في تفعيل سياسة تتفادى اتخاذ نموذج واحد للمساواة والتحرير (نظرا لما للثقافة من دور في تشكيل مفهوم الحقوق والواجبات) . ثم في تجنب الدعاية والنشر لتمثلات سينمائية صادمة أحيانا لمجتمع محافظ كالمغرب، أو ثمثلات مخيبة لطموحات مجتمع تجاوز مرحلة استعباد المرأة. موضوع كهذا يحيلني إلى رؤيته من منظور فلسفة ما بعد الحداثة والعولمة، وما تجلبه هاته الفلسفة من تمزق في الهوية وتعدد للمرجعيات ولا تبات للقيم، ولاأدرية في الفكر. ففي ظل الانفتاح على عوالم غير التي تعودنا عليها والتي شكلت لعقود هوية الإنسان المغربي، خاصة فيما يتعلق بنظرته للمرأة، أصبح مفروضا علينا الآن أن نبقى سجناء الحرية التي تخوض بنا تائهين في دروب الهويات الجنسية المختلفة وشوارع الأدوار الاجتماعية الغير الثابتة. مما سيؤدي بنا في الأخير إلى أن نسأل أنفسنا في حيرة جاهلة "من أنا؟"،"من نحن؟" ولا نعرف الإجابة. *طالب بماستر الدراسات النسائية والنوع الإجتماعي. فاس