بقلب مفجوع وعينين دامعتين راحت السيدة فاطمة تسرد كيف دمر "الظلم" و"الشطط في استعمال السلطة" مستقبل ابنها الشاب، الذي كان يتطلع لحياة هادئة وكله طموح وآمال، وكيف زج بالمهدي خلف القضبان بعد اختطافه وتعذيبه بتهمة من العيار الثقيل تقسم الأم المكلومة بأغلظ الأيمان أن ابنها بريء مما نسب إليه براءة الذئب من دم يوسف. "كيف يمكن لفتى قاصر أن يخطط لارتكاب أعمال إرهابية وهو المعروف وسط أسرته وأصدقائه وأساتذته بحسن الخلق والانفتاح ورفض أي مظاهر التطرف والعنف؟"، تتساءل فاطمة بحرقة مستنكرة الظلم الذي طال ابنها المهدي (19 سنة) المحكوم ب10 سنوات "لا لشيء سوى لأنه تفحص مواقع على شبكة الإنترنيت تعتبرها المخابرات محرضة على الجهاد". وقالت إن المهدي، الذي يوجد حاليا بإصلاحية سلا، "ما زال مصدوما مما وقع له، ويحاول تجاوز صدمته من خلال التركيز على دراسته والترفيه عن نفسه بواسطة ألعاب فيديو طلب منا جلبها له". بداية المأساة تحكي الأم أن مأساة المهدي بدأت يوم الثلاثاء 23 فبراير 2010، حين تم اختطافه من طرف مجهولين خلال توجهه لمحطة الحافلات بوسط مدينة الرباط ليستقل الحافلة المتوجهة إلى كلية الحقوق لحضور حصته الدراسية. تعرض لذلك بعد 5 دقائق فقط من افتراقه عن والده وإحدى شقيقتيه اللذين أقلاه عبر سيارة إلى الرباط قادمين من القنيطرة حيث يسكنون. كانوا 4 أشخاص بزي مدني، يحكي المهدي على لسان والدته، حيث طلبوا منه مرافقتهم لمناقشة موضوع هام، وعندما امتنع أدخلوه مكرها إلى سيارة من نوع "هيونداي" وانطلقوا به إلى منطقة قرب سوق ممتاز عند مدخل مدينة تمارة، وهو معصب العينين ومكبل اليدين. يقول المهدي واصفا ما حدث له ذلك اليوم، في رسالة توصلت "أخبار اليوم" بنسخة منها: "... حملوني إلى مقرهم وقاموا باستجوابي محاولين إقناعي بالعمل معهم على أساس أنهم عصابة دولية، ثم بعدها أرغموني تحت التهديد لأعمل معهم على أنهم شبكة إرهابية كبيرة جدا". ويضيف المهدي في الرسالة التي كتبها من داخل السجن: "وفي الأخير كشفوا عن حقيقتهم وقالوا إنهم رجال استخبارات يريدون تجنيدي لكشف خلايا إرهابية. في الأول استعملوا معي أسلوب الترغيب، وعندما رفضت مارسو علي أسلوب الترهيب والتعذيب.. فقد قاموا بضربي وإهانتي وتعرية جسدي وإطلاق النار من حولي وتوهيمي بأن هناك أشخاصا يُعدمون وسيحين دوري..". هنا تتدخل الأم لتضيف أن ابنها، الذي كان يتابع دراسته بكلية الحقوق بسلا، "أمضى لدى مختطفيه 9 أيام في نفق مجهز بآلات تتحكم في درجة الحرارة، تعرض فيها للضرب والسب والشتم والتهديد والتجريد من الملابس والتهديد بإطلاق النار عليه". بعد هذه المرحلة، تضيف فاطمة، نقل المختطفون المهدي إلى مخفر الفرقة الوطنية لضابطة القضائية الكائن بالمعاريف بالدار البيضاء، حيث مكث بها 10 أيام، وهناك فقط أدرك أنه بين يدي الشرطة، الذين "استفسروه عن بعض الأسماء وأخبروه أن ملفه فارغ وما عليه إلا توقيع بعض الوثائق ليغادر المخفر ويلتحق بأهله الذين ينتظرونه بالخارج.. فوقع على عشرات الأوراق دون أن يتركوا له فرصة للإطلاع عليها، وبعدها عرضوه على النيابة العامة باستئنافية الرباط التي أحالته على قاضي التحقيق المكلف بقضايا الإرهاب". خلال هذه الفترة، ظلت أسرة المهدي المكونة من أبوين وأختين مرعوبة على مصير ابنها الذي اختفى عنهم في ظروف غامضة كما تقول، ولم يعرف أفراد الأسرة بمكان تواجده إلا بعد أن أخبرهم شخص التقى بالمهدي صدفة بمحكمة الاستئناف بسلا يوم 11 مارس 2010. أطوار المحاكمة استنكرت عائلة المهدي عرض ابنها المتهم أمام قاضي التحقيق بدون تمكينه من تعيين محام ليدافع عنه، ومن دون إخبار أهله باعتقاله. وقالت إن قاضي التحقيق سأله خلال الاستنطاق الابتدائي: "هل تؤكد تصريحاتك أمام الضابطة القضائية؟"، فأجاب بالإيجاب ظنا منه أن هذه الأخيرة قد دونت نفيه لما سألته عنه في استجوابها. وأضافت أنه لم يدرك حجم الكارثة التي وضع فيها إلا بعد إيداعه بالسجن بإصلاحية سلا بأمر من قاضي التحقيق. وعند الاستنطاق التفصيلي أمام قاضي التحقيق، وبحضور دفاعه، أوضح لهذا الأخير كل ما سبق ذكره، مؤكدا له بأنه بعيد عن أي فكر أو عمل إجرامي. كما نفى معرفته بالأشخاص المذكورين في نفس القضية. وهو ما ثبت في جلسة المواجهة معهم، ورغم ذلك قرر قاضي التحقيق إحالته على المحاكمة مع تركه في حالة الاعتقال. أثناء المحاكمة، تقدم محامي الدفاع خليل الإدريسي بدفوع شكلية تتعلق بالخروق المسطرية التي تظهر حسبه "مخالفات صارخة لمقتضيات المسطرة الجنائية"، كعدم احترام إجراءات الضبط والاعتقال والاحتجاز والوضع تحت الحراسة النظرية، وعدم احترام إجراءات إشعار العائلة، والقيام بأعمال التعذيب الجسدي والنفسي، وتضمين محاضر الاستماع لمعطيات غير صادرة عن المعني بالأمر. وقبلت هيئة الحكم ضم هذه الدفوع للموضوع. وخلال مناقشة الموضوع، طالب الدفاع النيابة العامة بتوضيح الأفعال التي قام بها المتهم ووسائل الاتهام التي تتوفر عليها خارج التصريحات التي وردت بمحاضر الشرطة، خاصة أن جميع وثائق الملف تؤكد أن المعني بالأمر لم يرتكب أي عمل سوى إجراؤه لاتصالات عبر الانترنيت، "وهي لا ترقى إلى أي فعل يجرمه القانون" حسب الدفاع. وأضاف الإدريسي "إن أهم دليل كان على سلطة الاتهام الحرص على تقديمه هو حاسوب العارض الذي تدعى أنه مصدر كل الاتصالات التي قام بها هذا الأخير. غير أن هذا الدليل المادي لم يحظ بأي اهتمام كالحجز والتفريغ مثلا. وهو ما لم تأمر به حتى المحكمة رغم إبداء استعدادنا لتقديمه لها". وأكد دفاع المتهم أمام هيئة الحكم أن الموقع الإلكتروني (ٍexact.com) الذي زاره المهدي وتدعي النيابة العامة أنه محرض على الجهاد، هو موقع يعود لشركة عابرة للقارات تعنى بالنقل البحري والمستودعات بموانئ عالمية ولا علاقة له بأي منتدى كما تشير إلى ذلك محاضر التحقيق. لكن، ورغم كل ما بسط أعلاه، قررت المحكمة إدانة المعني بالأمر بتهمة تكوين عصابة إجرامية والتخطيط لارتكاب جرائم إرهابية وإقناع الغير بها، وحكمت عليه يوم 11 نونبر الماضي بعشر سنوات سجنا نافذا. من أجل الحقيقة بعد مضي أكثر من 10 أشهر على اعتقال المهدي "ظلما وعدوانا" بتعبير الأم، لا تطلب هذه الأخيرة، التي يتقطع قلبها ألما على فلذة كبدها، سوى أن ينقشع الظلم وتظهر الحقيقة ليطلق سراح الشاب خلال المرحلة الاستئنافية. وفي انتظار ما ستسفر عنه المرحلة الاستئنافية، لم تأل عائلة المهدي جهدا في مراسلة عدد من المنظمات الحقوقية وبعض الصحف من أجل فضح الظلم الذي تعرض له ابنها، متأبطة ملفا يضم كل ما تعتقد أنه يثبت براءة المهدي من التهمة التي "دمرت مستقبله". صور متنوعة للمهدي بوكيو