استطراد وتساؤلات؟ كان صندوق النقد الدولي العام الماضي قد توقع أن النمو بالمغرب سيسجل نسبة 4،7 في المائة خلال سنة 2015. ثم عرف المغرب بعد ذلك أمطارا استثنائية استبشر عقبها الفلاحون والمغاربة عموما بسنة فلاحية أفضل من تلك التي قيل عنها في سنة 2013 أنها قياسية، وتراجع سعر النفط بنسبة 50 في المائة تقريبا عما كان عليه الصيف الماضي، فعاد صندوق النقد الدولي ليدلي بتوقعاته الجديدة حول النمو، لكن إلى نسبة 4،4 في المائة، أي بنسبة أقل ب 0،3 في المائة من توقعه السابق. ماذا يعني هذا الأمر خاصة إذا وضعنا في الحسبان أن توقعات هذا الصندوق عادة ما تكون أكثر تفاؤلية من التوقعات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط وعن بنك المغرب حتى عن الحكومة؟ الحكومة، وإن كانت المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب وصندوق النقد الدولي قد قاموا بتحديث توقعاتهم بعد المستجدات المناخية والاقتصادية الدولية التي عرفتها نهاية 2014 وبداية 2015، فإنه لم يصدر عنها أرقام جديدة. فهل الأمر فطنة إلى أن توقعاتها السابقة كانت خاطئة وأنها كانت أكثر تفاؤلية مما ينبئ به الواقع؟ هل نسبة 4،4 في المائة التي سطرتها في قانون المالية للسنة الحالية ما كان ليتحقق إلا على أساس ما استجد من أمور، نقصد بالأساس الفلاحة وأسعار النفط؟ ليس قصدنا أن نكتب لنعاكس كل تصريح وندلي بمعطيات تكذبه و ليس قصدنا من هذا التساؤل أن الحكومة عليها أن ترفع من توقعاتها بعد الذي شهدناه من تغيرات في صالح بلادنا، ونحن – المرصد المغربي للسياسات العمومية – كنا قد أشرنا في قراءتنا السابقة لمشروع قانون مالية 2015 أن 4،4 في المائة نسبة مبالغ فيها خاصة إذا كانت نسبة النمو لم تتعد 4،4 في المائة سنة 2013 في ظل محصول فلاحي استثنائي فاق 97 مليون قنطار. وقلنا أنه لئن كان قد تم التبرير لنسبة 4،4 في المائة خلال 2015 بالطلب الخارجي فإن صندوق النقد الدولي كان قد خفض توقعاته في نسبة النمو في منطقة اليورو خلال 2015 من 1،5 إلى 1،3 في المائة، وفي ظل تباطؤ إقبال الاقتصاديين سيكون من الصعب تحقيق نسبة نمو مماثلة. وأضفنا أنه إن كانت تلك التوقعات نظر لها على أساس الطلب الداخلي، فإن ارتفاع الضريبة على القيمة المضافة في العديد من المواد التي كان المشروع قد جاء بها آنذاك وتقليص نفقات صندوق المقاصة كانت تدحض هذه الفرضية بشكل كبير. للتنبيه، كانت هذه القراءة في مشروع قانون مالية 2015، أي قبل تراجع الحكومة على بعض الزيادات المنصوص عليها في نفس المشروع، وقبل الأمطار الاستثنائية، وقبل انخفاض أسعار البترول. إن كانت الحكومة لم تقم بتحديث توقعاتها فهل ذلك معناه تمسكها بنسبة 4،4 في المائة وبالتالي أنها استدركت أن هذه النسبة كانت توقعا مبالغا فيه قبل المستجدات الظرفية التي شهدناها؟ في مقابل صندوق النقد الدولي الذي تراجع في توقعاته والحكومة التي استقرت في النسبة التي نظرت لها، اتجه كل من بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط إلى الرفع من النسب التي توقعاها. بعد قرابة ثلاثة أشهر من بداية السنة الحالية وعقب الاجتماع الفصلي لمجلسه، خرج بنك المغرب خلال ندوة صحفية ليعلن عن توقعات نمو ستبلغ في متم 2015 نسبة 5 في المائة بعد أن كان قد توقع نسبة 4،4 في المائة على غرار الحكومة. المندوبية السامية للتخطيط وعلى منوال بنك المغرب رفعت من توقعاتها وحددتها في نسبة 4،8 بالمائة بعدما كانت حددتها قبلا في حدود 3،7 في المائة. بغض النظر عن معقوليتها خاصة وأنها لا تعدو كونها فرضيات ومجرد توقعات قد تصيب وقد تخطئ، فعدا هاتين المؤسستين – المندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب – أليست المؤسسات الأخرى قد أخطأت المنطق هذه المرة كونها لم ترفع من توقعاتها ولم تصرح بأنها أخطأت حساب التوقعات الأولية التي سبقت التغيرات المناخية والاقتصادية إن كانت ستتمسك بنفس التوقعات؟ بداية شهر ماي المقبل، يصدر المرصد المغربي للسياسات العمومية في تقرير مفصل قراءته لكل هذه الأرقام وكذا تلك التي تخص نسبة العجز في الميزان التجاري ونسبة البطالة، و سيتضمن التقرير، إضافة إلى تناوله لكل هذه التساؤلات المطروحة، استنتاجات عميقة جدا لما تعنيه كل نسب توقع النمو المتراوحة بين 4 و 5 في بالمائة في ظل هكذا تغيرات، وهذه الاستنتاجات هي ما يدفعنا بالأساس إلى تناول هذا الموضوع وتحليليه في أكثر من بعد. ذلك أنه لا يمكن توقع أحسن من هكذا ظروف(السنة الفلاحية القياسية والانخفاض الكبير لأسعار البيترول) لتوقع نمو أكبر، ومع ذلك فبالكاد نستطيع أن نصل إلى نسبة 5 في المائة، وهي النسبة التي لم تتوقعها للسنة الحالية أية مؤسسة لا دولية ولا وطنية عدا بنك المغرب. الأمر الأهم في هذا هو أن معدل البطالة لا يبدأ في الانخفاض إلا حين تصل نسبة النمو معدلا معينا، ونسبة 5 في المائة ليست بالنسبة التي سيبدأ عندها معدل البطالة في الانخفاض بالنسبة للمغرب وإن كان بعض الجدال ساريا حول إحصائيات البطالة وانخفاضها من ارتفاعها، وهو ما سنحسم شأنه بحساب قانون أوكان La loi d'Okun الذي يحدد، من خلال عملية شبه معقدة لكن دقيقة، ابتداء من أي مستوى نمو يبدأ معدل البطالة في التراجع، وهذا المستوى يختلف طبعا من دولة إلى أخرى. وحتى بغض النظر عن هذا الحساب، وبافتراض تراجع البطالة في توقعات النمو الحالية إذا تحققت، صندوق النقد الدولي يخفض توقعاته بشأن نسبة البطالة من 9،1 إلى 9،0 بالمائة، عشر نقطة فقط في ظل تراجع معدل النشاط وفي ظل ظرفية اقتصادية أفضل ما تكون مواتية وفي ظل ثاني أعلى نسبة نمو متوقعة في العالم العربي. سنفصل في هذه القراءة خلال التقرير القريب موعد إصداره ونتناول معها باقي الأرقام الصادرة عن مؤسساتنا الوطنية. إلى حين ذلك، هي تساؤلات أثرناها لإغناء النقاش حولها من لدن جميع الفاعلين من أحزاب وحكومة وبرلمانيين ومحللين سياسيين ومنظمات غير حكومية، إذ يبقى الهدف في النهاية استنتاج أية دروس ممكنة وبناء معلومات مفيدة للقرار العمومي. -رئيس اللجنة العلمية المرصد المغربي للسياسات العمومية