وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء        اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بوعشرين: أصحاب "كلنا إسرائيليون" مطالبون بالتبرؤ من نتنياهو والاعتذار للمغاربة    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب        مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"        افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكالية الصحراء: مقاربة من أجل فعل استباقي(2)
نشر في هسبريس يوم 24 - 04 - 2015

لا يفوتنا أيضاً في هذا الإطار، إلى التذكير بأن استراتيجية الجزائر والبوليساريو في موضوع حقوق الإنسان، تتغذى في جزء منها من ممارسات لم يعد المغرب في حاجة إليها، ومرافعات غير مضبوطة لا من الزاوية القانونية أو السياسية، وكذا عدم الحزم في تصحيح المغالطات، خصوصاً تلك التي يضمنها الأمين العام في تقاريره، كتلك المتعلقة بأحداث "أكديم الزيك" (تقرير ابريل 2011)، إضافة إلى السكوت أو عدم الرغبة في مواجهة الجزائر، على الأقل في موضوعين ما يزال ضحاياهم يعانون إلى اليوم، وهما:
1- المرحلون قسراً من الجزائر في دجنبر 1975، فعلى الأقل من زاوية القانون الدولي الإنساني يعتبر ما أقدمت عليه الجزائر:
تصرف محظور تعترف به النظم القانونية الرئيسية في العالم؛
موجه ضد ضحايا بسبب انتمائهم؛
الوازع الخاص – Dol spécial- للترحيل القسري، انحصر في إحداث معاناة شديدة، ومسّاً بالسلامة الجسدية والبدنية وبالصحة العقلية للسكان المرحلين قسراً.
تشكل الأفعال المذكورة بعضاً من التصرفات المنشئة للجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، ومع الأسف، ما يزال الضحايا ينظرون إلى من ارتكب او ساهم في هذه الجريمة، يمارس السلطة بعيداً عن أية محاسبة.
2- أسرى الحرب، والذين استمر أسر بعضهم لأزيد من 20 سنة، في حين أن مقتضيات اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949، تفرض إطلاق سراح أسرى الحرب مباشرة بعد وقف إطلاق النار.
فبالرغم من الدعوات المتكررة للأمين العام واللجنة الدولية للصليب الأحمر للإفراج عن أسرى الحرب، بما فيهم أولئك الذين حددت اللجنة معايير إنسانية لإطلاقهم، إضافة إلى مطالبة مجلس الأمن في قراره 1429 لسنة 2002، البوليساريو بضرورة الامتثال للقانون الدولي الإنساني، فجميع هذه المطالبات والمناشدات بقيت بدون مستجيب.
وما هو ما يترتب عنه من زاوية القانون الدولي الإنساني، مسؤولية دولية على جميع الأطراف ذات العلاقة بالإبقاء على أسرى الحرب في تندوف بعد 1991.
تجدر الإشارة في نهاية هذه الفقرة، إلى أن بعثة المينورسو تتفرد بتقديم تقارير حول حقوق الإنسان، أو ذات صلة بها، بالرغم من أنها لا تملك تفويضاً صريحاً لذلك، والتي يعمل الأمين العام للأمم المتحدة على ترسيخها، من خلال الدعوة لتميكن ممثله الخاص من حرية أوسع بالمنطقة (الفقرتان 48 و103 من تقرير 2014)، والتي يستند فيها إلى قرار مجلس الأمن رقم 2009 لسنة 2013، والذي جاء فيه "يهيب بجميع الأطراف إبداء التعاون التام مع عملية البعثة (أي المينورسو)، بما فيها تفاعلها الحر مع كافة المحاورين...".
لم تظهر هذه الدعوة إلا في القرار 1979، لسنة 2011، بصيغة "كفالة الوصول لموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين ببعثة المينورسو إلى مقاصدهم فوراً وبدون عوائق" لتتحول صياغتها في القرارات اللاحقة لسنة 2011، إلى الصيغة المشار إليها في تقرير 2014.
يطرح علينا هذا الأمر أكثر من تساؤل، عن تلاقي إرادات الأمانة العامة للأمم المتحدة مع استراتيجية الجزائر والبوليساريو، في وقت واحد، وفي موضوع محدد. غير أن ذلك لا يعفينا من مساءلة نهجنا في الدفاع عن القضية، من خلال عدم الحزم في أمور تبدو ظواهرها شكلية، ولكنها مع الزمن تتحول إلى واقع يفرض معطيات قانونية جديدة لا تخلو من تأثير على الوقائع الميدانية.
ثانيا: في طريق البحث عن حل سياسي.
لعل النقطة الإيجابية في تقرير الأمين العام، تكمن في تأكيده على أن حل قضية الصحراء، رهين بإيجاد حل سياسي جوهري يقبله الطرفان، وهو النهج الذي أقره مجلس الأمن منذ يوليوز 2002، والذي كان يجب أن يشرع فيه منذ إقرار اتفاق وقف إطلاق النار ضمن إطار جهوي موسع.
نظرا لعدم إحراز تقدم في تسوية النزاع المتعلق بالصحراء، دعا مجلس الأمن الطرفين إلى ضرورة البحث عن حل سياسي منذ القرار 1429 بتاريخ 30 يوليوز 2002، على أساس أن يكون عادلا ومقبولا من الطرفين، ليضع بذلك حدا للمأزق الذي رهن مصير القضية ومستقبل شعوب المنطقة بها، والمتمثل في أن هناك طرف فائز وآخر خاسر من خلال إجراء استفتاء قائم على فرضيتين لا غير، مما أدخل القضية في نفق لا أفق ولا مخرج له.
يعزز تقرير الأمين العام المقدم إلى مجلس الأمن بتاريخ 10 أبريل 2014، هذا التوجه، إذ يخلص في فقرته الرابعة والتسعون، إلى أن الهدف من عملية التفاوض محدد في نقطتين أساسيتين، وهما:
الفحوى هي التوصل إلى حل سياسي؛
شكل تقرير المصير (الصيغة العربية للتقرير ركيكة).
ويؤكد الأمين العام على ذلك من خلال تقريره الذي رفعه إلى اللجنة الثالثة للجمعية العامة في دورتها التاسعة والستون لسنة 2014 (الفقرة 29)، والذي سبق وأن أوضحه في الفقرات 19 و21 و25 من التقرير المقدم إلى مجلس الأمن في 2014، والتي أركز فيها على:
تأكيد المبعوث الشخصي للأمين العام السيد كريستوفر روس لجبهة البوليساريو بأن "مجلس الأمن وإن حدد تقرير المصير بوصفه إحدى المسألتين الرئيسيتين اللتين يتعين التطرق لهما، فإنه لم يحدد الشكل الذي يمكن أن يتخذه تقرير المصير"(الفقرة 21)؛
حث المبعوث الشخصي، أعضاء فريق الأصدقاء (الولايات المتحدة، فرنسا، إسبانيا) على إقناع الطرفين (المغرب والبوليساريو) إلى ضرورة المرونة في البحث عن حل توفيقي، والذين بدورهم أجمعوا على الحاجة إلى معالجة جوهر الحل والوسائل اللازمة لممارسة حق تقرير المصير" (الفقرتان 25 و26).
يتضح من تحليل ما سلف، أن هناك مسألتان جوهريتان، حل سياسي وشكل تقرير المصير، واللتان تتطلبان معركة فكرية-فقهية، وسياسية-دبلوماسية، في الأوساط المؤثرة في القرار الدولي ذو الصلة بقضية الصحراء، وفي مقدمتها فريق الأصدقاء والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، وفي البرلمان الأوروبي وعن طريق التواجد القوي والشرس في دواليب الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وسأقتصر في هذه الفقرة على موقعة المسألتان في الإطار الذي يمكن أن تناقش فيه، تاركا تحليلهما إلى الفقرتان المخصصتان لتفكيك دلالات مفهوم تقرير المصير، ومقترح ''المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا'' كحل سياسي ووسيلة لممارسة حق تقرير المصير.
الوسائل اللازمة لممارسة حق تقرير المصير
يلزم العمل على البحث وتطوير الوسائل المتعددة لممارسة حق تقرير المصير، وعدم حصره في الثنائية التي تحكمت فيه قبل 30 يوليوز 2002، والتي أظهرت بالملموس عدم جدواها على أرض الواقع، وذلك انطلاقا مما قدمه المغرب من مقترحات، آخذين بعين الاعتبار المداخل التالية، والتي لا تعد حصرية:
حل قائم على الحوار والتفاوض كوسيلة أساسية للتوصل إلى حل توافقي بأبعاد جهوية؛
الأخذ بعين الاعتبار الحركية الدولية الراهنة؛
التحول المفاهيمي، وفي الواقع، من الدولة الوطنية إلى دولة جهات كنموذج متقدم وأرقى للديمقراطية؛
الإنصهار والإندماج الذي حدث بالمنطقة، ليس على حساب الصعيد الاقتصادي فحسب، وإنما على الصعيد الاجتماعي أيضا، وانعكاس ذلك على تطور وتحسين نوعية الحياة لساكنة المناطق الصحراوية، وذلك في إطار رؤية شمولية للإصلاحات التي يشهدها المجتمع المغربي، والتي تشكل تلك المناطق جزءا لا يتجزأ منه؛
تعزيز الديمقراطية وسيادة القانون بالمنطقة واللذان يعدان أكبر ضحية لهذا النزاع.
حل سياسي بأبعاد استراتيجية
يستحيل أن يتم تصور حل جوهري لقضية الصحراء، خارج استراتيجية تأخذ بحسبانها التحولات الجوهرية التي تعرفها إفريقيا سواء في شمالها أو منطقة الساحل بامتدادها في العمق الإفريقي، وهو ما سبق للأمين العام للأمم المتحدة أن شدد عليه في تقريره إلى مجلس الأمن بتاريخ 8 أبريل 2013، عندما اعتبر أن "معالجة نزاع الصحراء يشكل جزءا من استراتيجية أوسع لمنطقة الساحل، علاوة على التكامل الإقليمي وفوائده الاقتصادية والتجارية والاجتماعية الهامة" (الفقرة 114).
يجب على الأقل، أن يُأْخَذَ بعين الاعتبار، في ظل الأوضاع الراهنة بالمنطقة المشار إليها، عاملان اثنان:
عدم القدرة على التنبؤ – Imprévisibilité– بالوضع السياسي في الجزائر:
وضع يتميز بجمود تجاوز نصف قرن، نتج عنه غياب تام لمؤسسات دولة تقوم على أساس القانون وتحتكم إليه، وعزوف تام عن الانخراط السياسي وتملك أدوات تدبير الشأن العمومي وفق المعايير والمساطر الديموقراطية، وحتى إذا ما أتيحت فرصة المشاركة لجميع المشارب السياسية والفكرية، مع توفير هامش من حرية الإختيار، فالخوف كل الخوف في ظل هذه الأوضاع، أن تؤول النتيجة للحركات الأكثر غلوا وتطرفاً.
وانطلاقا مما شهدته المنطقة في السنين الأخيرة من حراك اجتماعي، يبقى التساؤل حول استقرار المنطقة مشروعا، مخافة أي تغيير فجائي في المنظومة السياسية للجزائر، والقائمة على مزاوجة بين ممارسة سياسة شمولية، وربط المصالح بالولاء الشديد للمنظومة، مما ينتج عنه فراغ سياسي ومؤسساتي لن يكون إلا مرتعا للتطرف، علما بأن البلد مخترق في الأصل من قبل الحركات الإرهابية، وما أحداث تكنطورين بالقرب من عين أميناس، إلا نموذجا ودليلا، لأنها ليست عملاً إرهابياً "روتينياً" كما تعودت عليه الجزائر، وإنما تعلق الأمر بضرب موقع بترولي بالغ الحساسية، لأن المنطقة تعتبر استثنائية من خلال إجراءات الحراسة والمراقبة التي تخضع لها. وتتموقع ضمن الشريط الذي تنشط فيه الحركات الإرهابية انطلاقا من ليبيا إلى منطقة الساحل وصولا إلى العمق الإفريقي.
فعلى الفاعلين الدوليين أن يأخذوا الموعظة مما وقع/يقع في ليبيا، والتي أدخلت المنطقة والسلم العالمي عموما، متاهة مخاطر لا أحد الآن يستطيع الجزم في كيفية الخروج منها.
فمن الزاوية السياسية والعقائدية، هناك تشابه كبير بين نظام القذافي والنظام السياسي في الجزائر، ويساهم ارتباطهما الجغرافي، راهنا في تحويل منطقة شاسعة من صحرائها إلى سرير للحركات الإرهابية الأكثر تطرفاً.
كما أن سياسة الجزائر لمواجهة الإرهاب، تشوبها عدة شوائب، نذكر منها قصورها في تجفيف منابع تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة، وهو ما يدل على غياب إرادة سياسية، لأن الحزم في هذا الباب تمتد إجراءاته إلى تبييض الأموال ومساطر اليقظة فيما يخص زبناء البنوك، حيث تؤكد مجموعة العمل المالية (GAFI) في إعلانها العمومي بتاريخ 27 يونيو 2014، بأن هناك اختلالات في الممارسة المالية للجزائر، والتي يجب عليها أن تتلاءم مع المعايير الدولية، لا سيما فيما يتعلق ب:
تجريم تمويل الإرهاب؛
وضع وإعمال إطار قانوني ملائم لتحديد –Identification- وكشف وتجميد الأصول المالية للإرهابيين؛
تحسين إجراءات اليقظة المرتبطة بزبناء الأبناك.
شساعة دائرة عدم الاستقرار
تتميز منطقة عدم الاستقرار بثلاث خاصيات:
شساعة المنطقة.
خرائطياً، تعد الرقعة الجغرافية لمنطقة عدم الاستقرار شاسعة جداً، إذ يجمع خط عدم الاستقرار بين ثلاث قارات (إفريقيا، أوروبا، آسيا)، ويمتد من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهندي، ويربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر.
وتبقى منطقته الساخنة هي الممتدة بين صحراء ليبيا مروراً بالصحراء الجزائرية ومالي بامتدادها لمنطقة الساحل، وصولاً إلى نيجيريا والصومال.
تعدد الفاعلين غير الدوليين:
مثمثلين في حركات مؤثرة في مصير المنطقة والمصنفين ضمن الحركات الإرهابية الأكثر تطرفاً من قبيل:
القاعدة في المغرب الإسلامي، أنصار الدين، أنصار الشريعة، حركة الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا، حركة المرابطين، حركة الشباب، بوكوحرام.
ينضاف إلى هذه الحركات الإرهابية، الحركة الوطنية لتحرير أزواد، والتي قد تلتقي في مصالحها مع أهداف الحركات المذكورة أو حركات التهريب والجريمة المنظمة.
انتشار السلاح:
تعرف هذه المنطقة، انتشاراً واسعاً للأسلحة الهجومية التي تم تهريبها من ليبيا عبر الصحراء الجزائرية إلى دول الساحل خصوصاً مالي، والتي تشكل الداعم المادي لشن الهجمات الإرهابية بالمنطقة.
ينضاف إلى المخاطر الإرهابية، تنامي الجريمة المنظمة عبر الوطنية والاتجار غير المشروع بالمخدرات والأسلحة بالمنطقة، مما يزيد في إذكاء النزاعات المسلحة وعدم الاستقرار.
غير أن ما يثير الانتباه مرة أخرى هو عدم التناسق بين مواقف الأمين العام للأمم المتحدة، فمن جهة، خلال تناوله لنزاع الصحراء يعتبره يشكل جزءً من استراتيجية شاملة تمتد إلى منطقة الساحل، لكن من جهة أخرى، خلال تقريره حول التقدم المحرز نحو تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة المتكاملة لمنطقة الساحل المقدم لمجلس الأمن بتاريخ 6 يونيو 2014، يقر في بدايته بأن أية استراتيجية يجب أن تشمل دول غرب إفريقيا، ووسط إفريقيا، وإفريقيا الشمالية، لكنه في خلاصاته، يستبعد تماماً شمال إفريقيا، وبالتالي نزاع الصحراء، الذي يؤكد على أن حله، يلزم أن يتم في إطار سياسية شمولية بالمنطقة، وفي ذلك أيضاً خدمة مسكوت عنها للجزائر، لأن أكبر تهديد لاستقرار منطقة الساحل وامتدادها الجغرافي ينطلق من الجزائر وليبيا. الأمر الذي يُبْقِى التساؤل حول ازدواجية التعامل او النظرة التجزيئية، قائماً ومشروعاً.
رابعاً: دلالة مفهوم تقرير المصير
لن ندخل كثيرا في النقاش الفقهي،لأنه كتب فيه الكثير،فما يهم هو تقعيد مقترح المغرب على ضوء التطورات التي عرفها المفهوم،ومنها اعتبار الأمين العام في تقريره الأخير أن "تقرير المصير''هو شكل يجب تحديد الوسائل اللازمة لممارسته في إطار حل سياسي مقبول من الطرفين''.
فمفهوم تقرير المصير،انتقل من الإديولوجيا (الثورة الفرنسية،استقلال الولايات المتحدة، ظهور الأقليات...) ليختلط فيه السياسي بالقانوني.ويمكن إيجاز مرتكزاته القانونية في:
•قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما القرار 1514 المتخذ في 20 دجنبر 1960 تحت عنوان "إعلان منح الاستقلال للدول والشعوب المستعمرة"، والقرار 1541 من نفس السنة، وكذا القرار 2625 المتخذ بتاريخ 24 أكتوبر 1970؛
المادة الأولى من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعي والثقافية، وكذا العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية؛
آراء محكمة العدل الدولية في قضية ناميبيا سنة 1971، وقضية الصحراء سنة 1975.
وجميع ما ورد في قرارات الجمعية العامة والاتفاقيات الدولية والأحكام القضائية الدولية لا يتجاوز ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في مادتيه الأولى (فقرة ثانية) والخامسة والخمسين.
فالوثائق السالفة الذكر أقرت بمبدإ حق تقرير المصير، ولكنها لم تضع مضمونا محددا له، ولا صيغة وحيدة أو موحدة لتطبيقه، وتركت للمنتظم الدولي قضية ملاءمة الحق مع الواقع حسب ما تقتضيه خصوصية كل حالة، وبالتالي فالتشبث فقط بحق تقرير المصير كما ورد في القرار 1514 ودون إعطاء المفهوم مضمونا واضحا يعد بمثابة رُكُون إلى الجانب المسطري من المفهوم وإفراغه من محتواه وبصورة ممنهجة، والقفز أو تجاهل بأن هناك حقوقا فعلية لساكنة المنطقة يستحيل تقليصها/حصرها فقط في مجرد إجراءات مسطرية للمنتظم الدولي.
لا يجب أن يفهم من هذا النهج، على أنه تهرب من الوضعية القانونية لقرارات المنتظم الدولي، أو التقليل منها، وإنما المسألة ترتبط بتحديد مضمون الحق الذي يقوم بدوره على كيفية تفسير ذلك الحق، وعدم الاقتصار على طرح إيديولوجي بلباس قانوني.
فليس هناك صيغة وحيدة لتقرير المصير، وإنما تتحدد صوره بحسب خصوصية كل حالة، والمرتبطة أساسا بالوضعية المعيشة على أرض الواقع، ويستخلص من التجارب أن مجرد الاعتماد على حلول قانونية تتجاهل الواقع المعيش يشكل مدخلا لمشاكل مستقبلية لا حلول لها.
ولعل هذا ما حدا بمحكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول الصحراء لسنة 1975 أن تقر في فقرتها الحادية والسبعون أن "حق تقرير المصير يترك للجمعية العامة أَمْرَ تحديد الأنماط والمساطر التي بموجبها يتم إعمال هذا الحق".
وهذا هو النهج الذي يسلكه مجلس الأمن راهنا، بتأكيده على ضرورة إيجاد حل سياسي لقضية الصحراءمنذ 2002 .
ويتعزز هذا التوجه، بالتحول الذي حصل في صياغة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصحراء ،حيث أضيفت فقرة جديدة،وهكذا نصت الفقرة الثالثة من القرار 1783 (أكتوبر 2007)، إذ أنه يربط تقرير المصير ب "سياق ترتيبات تتلاءم مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومقاصده، وملاحظة دور ومسؤوليات الطرفين في هذا الصدد"
هذا المقطع من الفقرة الثالثة من القرار 1783 لم يكن موجود بالفقرة الثانية من القرار 1754، ودلالة ذلك أن ليس هناك نموذج واحد لتقرير المصير وإنما ترتيبات يجب على المفاوضات أن تتوصل إليها.
وتفسير مضمون تقرير المصير انطلاقا من التطور الحاصل سواء في القانون والعرف الدوليين أو في واقع الحالة المراد تطبيقه عليها، ليس وليد اليوم أو قضية الصحراء، وإنما هو نهج أقرته محكمة العدل الدولية منذ رأيها الإستشاري في قضية ناميبيا في 21 يونيو 1971 .
كما أن قرار الجمعية العامة 1514 أو 1541 لسنة 1960 وكافة القرارات اللاحقة للجمعية، تركت الحرية لتحديد النظام السياسي لكل حالة على حدى، الأمر الذي يؤكد بالملموس أن حق تقرير المصير لم يكن في يوم من الأيام مرادفا للإستقلال السياسي.
بل أكثر من ذلك، حتى وإن أردنا الإقتصار والتشبث فقط بقرار الجمعية العامة 1514، فتفسيره وتطبيقه يجب أن يكون شاملا، فتقرير المصير مرتبط بإقرار الحقوق الأساسية للإنسان وضمان احترامها والمساواة بين الرجال والنساء وتوفير تقدم اجتماعي وكذا أفضل شروط للحياة وفي ظل حرية أكبر (الفقرتان الأولى والثانية من ديباجة القرار)، إضافة إلى عدم المس بالوحدة الوطنية والوحدة الترابية للبلدان، وحرص الدول على احترام إلتزاماتها الدولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (الفقرتان السادسة والسابعة من القرار(.
خامسا: مبادرة الحكم الذاتي وتقرير المصير والشرعية الدولية
تستوجب دراسة موضوعية للمبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، استحضار ثلاث معطيات أساسية، وهي:
* التطور الذي حصل في الموقف المغربي لاسيما منذ 1985 ولقاءات هيوستن سنة 1997، ولقاءات لندن، جنيف وبرلين سنة 2000، والصيغة الأولى لمقترح الذاتي لسنة 2003، فبمجرد مقارنة بسيطة بين هذه الصيغة والمقترح المقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 11 أبريل 2007، يتضح بجلاء رغبة المغرب وسعيه إلى إيجاد مخرج سياسي يضمن لجميع أهل المنطقة كرامتهم، ويمكن من إدارة شؤونهم المحلية بما يضمن تحقيق رُقِي وتقدم المنطقة .علاوة على أخذه بعين الإعتباربتجارب متقدمة أخذت بنماذج للحكم الذاتي أواالجهوية كمجال موسع لممارسة الديمقراطية المحلية.
* علاقة المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا بالشرعية الدولية، لاسيما المرتبطة بإعمال مواثيق حقوق الإنسان، وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة بتقرير المصير.
وستقتصر هذه الورقة على تناول جوانب الشرعية الدولية لمبادرة الحكم الذاتي.
1 – التفاوض مدخل أساسي لحرية الاختيار.
لعل نقطة القوة الأساسية للمبادرة المغربية هو دعوتها إلى التفاوض بشأن تمكين سكان الصحراء حكما ذاتيا، فهي ليست دعوة شكلية وإنما تعتبر جوهر المشروع، فلم يكن بِنِيَّة المقترح المغربي فرض نموذج معين للحكم الذاتي على الأقاليم الصحراوية، وإنما دعا أطرافها بشأن التفاوض وإلا كانت تَسْمِيَتُه المبادرة المغربية بشأن الحكم الذاتي بالصحراء .
ويُصِّرُّ المقترح على التفاوض، انطلاقا من عنوان المبادرة والفقرات السابعة والثامنة والتاسعة والسابعة والعشرون والرابعة والثلاثون منه.
نستخلص من ذلك:
* تتفق الدعوة إلى التفاوض، مع توصيات الأمين العام للأمم المتحدة ، والتي يطلب فيها من مجلس الأمن مناشدة الطرفين بالدخول في مرحلة من المفاوضات تكون أكثر تكثيفا وموضوعية ودون شروط مسبقة، ومنذ 2008 أكد مجلس الأمن على أن الحفاظ على المفاوضات لن يكون إلا بإيجاد مخرج للمأزق السياسي الراهن من خلال التحلي بالواقعية والرغبة في التسوية، لأن الإبقاء على الوضع القائم لا يشكل نتيجة مقبولة لعملية المفاوضات الجارية.
* التفاوض يسمح بالتحديد الحر للمركز السياسي، وبوابة أساسية لضمان الحماية والنهوض بالحقوق الفردية والجماعية كما حددتها المادة الأولى من العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
فالمشرع المغربي حدد إمكانية تقرير المصير بواسطة حكم ذاتي متفاوض عليه بكل حرية، مع تحديد لمعالم السيرورة السياسية والمؤسسات التي سيخول لها تقرير المركز السياسي وتحقيق النماء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهي العناصر التي تعتبرها من اللجنة المعنية بحقوق الإنسان،في تفسيرها للمادة الأولى العهد، أساسية لتحقيق تقريرالمصير.
* أحيط المشروع المغربي بضمانات الشرعية الدولية المتأتية من المبادئ التي حددت تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، وهي بذلك تستوفي الشروط المحددة في المبدإ التاسع من توصية الجمعية العامة 1541 لسنة 1960 والتي حددت مضمون تقرير المصير الذي أقرته التوصية 1514 من نفس السنة، إذ شرطت الاندماج كصورة من صور تقرير المصير بحرية اختيار ساكنة الإقليم لمركزهم عن طريق استشارة ديمقراطية، وهو ما سيتأكد أيضا في توصية الجمعية العامة 2625 سنة 1970 والمعروفة باسم "إعلان متعلق بمبادئ القانون الدولي المرتبطة بالعلاقات الحبية والتعاون بين الدول طبقا لميثاق الأمم المتحدة".
2– مكونات المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا.
تهدف المبادرة إلى توفير الوسائل الضرورية (قانونية، سياسية، مؤسساتية، اقتصادية وثقافية) من أجل الحفاظ وتطوير هوية وشخصية ساكنة المناطق الصحراوية مع الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة، ولتسهيل استعابها وتحديد مطابقتها للشرعية الدولية، سنعمل منهجيا على تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:
ضمانات الحكم الذاتي؛
تنظيم الحكم الذاتي؛
توزيع الاختصاصات.
أ– ضمانات الحكم الذاتي.
تحدد في ضمانات معيارية ومؤسساتية، وضمانات للحقوق الأساسية.
أ-1 - ضمانات معيارية ومؤسساتية.
تسمح القوانين والمؤسسات التشريعية والتنفيذية للحكم الذاتي، لساكنة المنطقة من مساهمة كاملة في تدبير الحياة العامة وذلك عن طريق تمثيليتها في المؤسسات المذكورة وإدارتها، وبالتالي تسمح لها بالحفاظ على هويتها الثقافية والوطنية وتطوير ممارسة تشريعية وتنفيذية وقضائية مطابقة لخصوصيات المنطقة.
يعد الإطار القانوني – المؤسساتي للحكم الذاتي، اعتراف بوجود شخصية قانونية جديدة للمنطقة، مستمدة من الشرعية الدولية وما أفرزته التجارب الدولية في مجال الحكم الذاتي وذلك في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية.
وبالعودة إلى نص المبادرة المغربية، يتضح أن نظام الحكم الذاتي مرهون بشرطين، أولهما انبثاقه عن مفاوضات – كما سبق ذكره - ، وثانيهما استفتاء السكان المعنيين طبقا لمبدإ تقرير المصير وأحكام ميثاق الأمم المتحدة(الفقرة الثامنة من المبادرة).
كما أن مكانته في الهرم القانوني المغربي، وضمان استقراره مكفولة من خلال إدماجه في صلب الدستور المغربي، وبالتالي ستكون للحكم الذاتي نفس المكانة الدستورية لباقي مؤسسات المملكة، وبذلك قطعت المبادرة المغربية الطريق على الجدل الفقهي بشأن مدى سمو نظام الحكم الذاتي، حيث تنص الفقرة 29 من المبادرة على .
وسبق للجنة المعنية بحقوق الإنسان أَنْ اعتبرت أَنَّ أهم ضمانة لتحقيق حق تقرير المصير هو التنصيص عليها في القانون، هكذا لم يكتف المشروع المغربي بإدخالِها عن طريق نص تشريعي عادي، وإنما بواسطة إدماج الحكم الذاتي - كصورة لتقرير المصير وفق قرارات الجمعية العامة 1541 و 2625 وتفسير اللجنة المعنية بحقوق الإنسان للمادة الأولى من العهد - في دستوره, أي في أسمى قانون للمملكة.
علاوة على ضمان نجاعة واستقرار الحكم الذاتي، فإنه ذلك الشرط الخاص يضمن حرية التعبير عن الهوية والانتماء إلى المنطقة وإدارتها وفق خصوصياتها ،و في ظل علاقة واضحة بمؤسسات المملكة واحترام سيادتها ووحدتها الترابية.
أ2–ضمان الحقوق الأساسية.
حضيت قضية النهوض وحماية الحقوق الفردية والجماعية بمكانة خاصة في المبادرة، وبمنظور شمولي يجمع مابين الحقوق السياسية والمدنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، في إطار مجتمع ديمقراطي لا سيادة فيه إلا لدولة لقانون.
ويمكن تلخيص نقاط قوة المبادرة في:
* اعتبار الديمقراطية عماد المجتمع الحداثي، أي أنها قيمة مشتركة بين جميع مكونات الإقليم من جهة، وباقي أقاليم المملكة من جهة أخرى، ويعول عليها في بناء مستقبل المنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، فهذا الخيار يجعل من الديمقراطية أحد أهم قيم الاندماج بين مختلف مكونات الشعب المغربي؛
* يقوم بناء المجتمع الديمقراطي الحداثي ودولة القانون وحماية الحقوق والحريات على آليتين أساسيتين، وهما تحقيق المصالحة ونبذ جميع صور التمييز أو الإقصاء، مما يشكل جوهر العدالة الانتقالية؛
* إعطاء المرأة مكانة خاصة من خلال ضمان تمثيلية ملائمة في مؤسسات الجهة؛
* تمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها دوليا، مع إصدار عفو شامل، وإدماج الأشخاص العائدين إلى الوطن بما يكفل الحفاظ على كرامتهم وسلامتهم وحماية ممتلكاتهم. ويجب قراءة هذه الضمانات على ضوء مستجدات دستور 2011، الذي وسع من مجال الحقوق والحريات وأحاطها بضمانات أوسع، ومنها ما أقره الفصل 59.
يبدو جليا من خلال النقاط السالفة، أن المبادرة المغربية عززت شرعيتها بإعطاء أولوية لاحترام كرامة الإنسان كقيمة تقوم على أساسها جميع حقوقه السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية، وغلبت جانب الصفح والمصالحة على المحاسبة.
وبذلك، تقترح المبادرة المغربية، العناصر الأساسية المشكل لمنظومة حكامة ديمقراطية، تتوفر فيها جميع الشروط، المدنية والسياسية والاقتصادية، المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان لممارسة تقرير المصير (المادة 1 و25 من عهد الحقوق المدنية والسياسية، المادة 1 من عهد الحقوق الاقتصادية، المادة 5 من اتفاقية مناهضة التمييز العنصري...).
وسنكون حينها أمام تقرير مصير عن طريق تعزيز الديمقراطية، الأمر الذي ستكون له انعكاسات إيجابية على جميع دول المنطقة بامتداداتها الإفريقية.
3– تنظيم الحكم الذاتي.
يقصد بتنظيم الحكم الذاتي، المؤسسات التي سيعهد إليها بإدارة مختلفة نواحي هذا الحكم، والمتكونة من هيئة تشريعية وسلطة تنفيذية ومحاكم للبث في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيئات المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء، وحددت بدقة اختصاصات المؤسسات السالفة الذكر، بما يسمح بضمان تطبيق المبادئ الديمقراطية لمشاركة سكان الصحراء في الحياة العامة، وآخذا بعين الاعتبار حاجيات وخصوصيات تلك الساكنة.
4– توزيع الاختصاصات.
حددت اختصاصات متعددة بالنسبة للبنيات الإدارية بمختلف أنواعها، والتنمية الاقتصادية والاستثمارية والبُنَى التحتية والمرافق الاجتماعية و الثقافية و الميزانية والنظام الجبائي لجهة الحكم الذاتي ...، غير أن ما يميز هذه الاختصاصات هو:
* توفير الموارد المالية الضرورية لهيئات الحكم الذاتي بهدف تحقيق تنميتها المنشودة؛
* استقلال جبائي، فلم تحصر اختصاصات جهة الحكم الذاتي في سلطة تنظيمية كما هو شأن اللامركزية الإدارية، وإنما فوضت لها اختصاصات تشريعية تسمح لها بفرض ضرائب ورسوم ومساهمات محلية؛ هو ما سيمكن منطقة الحكم الذاتي، من موارد مالية، والمشاركة الحرة في رسم السياسات العامة والخطط التنموية المرتبطة بحياتها، وذلك ما تنص عليه المادة الأولى من العهد الدولي، المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
* نظرا لشساعة المجال التنظيمي، أخد بمبدإ التفريع (Subsidiarité) الذي يعني أنه كلما أظهرت سلطة الحكم الذاتي مَقْدُرَة على نجاعة تدبيرها في المجالات التنظيمية التي لم ينص عليها في نظام الحكم الذاتي، فيُتْرَكُ لها ذلك، الأمر الذي يعتبر قيمة مضافة لتوسيع اختصاصات الحكم الذاتي.
* هناك حضور لجهة الحكم الذاتي حتى في المجالات الحكر على الدولة، كما هو حال العلاقات الخارجية، إذ هناك تشاور متبادل بين الطرفين، فيما يتعلق بالقضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات الجهة، أو إذا ما أرادت هذه الأخيرة إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات فإنها ملزمة بالتشاور مع الحكومة المركزية.
بالمقابل احتفظت الدولة باختصاصات حصرية لاسيما ما يتعلق بمقومات السيادة، والمقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، والأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، والعلاقات الخارجية، والنظام القضائي للمملكة.
يظهر مما سلف، أن المبادرة مطروحة للتفاوض وأحيطت بضمانات مهة للشرعية الدولية في مختلف مجالاتها وبالمقابل تطرح تحديا إضافيا على الدولة المغربية، لأن نجاح المبادرة تستلزم تحولا جدريا في البناء الدستوري للمملكة، وفي العلاقة بين السلط، ودور هيئات التنظيم – Organes de régulation - ... والتي بإمكانها إعطاء زخم جديد للبناء الديمقراطي الذي يشهده المغرب.
من جهة أخرى، نجاح المبادرة المغربية بشأن التفاوض لتخويل الصحراء حكما ذاتيا، رهين بشراسة الدبلوماسية والمفاوض المغربي، لأن القانون والواقع بجانبه في هذه القضية، لاسيما فيما يرتبط بموضوع حقوق الأنسان، فمن غير المقبول ولا المستساغ أن تبقى ردود المغرب محتشمة في مواجهة إدعاءات جبهة البوليساريو والجزائر.
-أستاذ التعليم العالي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.