يقول ابن منظور: الضَّلالُ والضَّلاَلةُ: ضدُّ الهُدَى والرَّشَادِ، ضَلَلْتَ تَضِلُّ. وضَلِلْتَ تَضَلُّ ضَلالاً وضَلالةً. ورجل ضَالُّ وضَلُولٌ. قال أبو عثمان عمرو الجاحظ. لَقَدْ زَعَمَتْ أُمَامَةُ أَنَّ مَالِي * بَنِيَّ وأَنَّني رَجُلٌ ضَلُولُ وأَضَلَّه: جعله ضَالاًّ. والإِضْلالُ في كلام العرب ضِدُّ الهداية والإِرْشاد. يقال: أَضْلَلْتُ فلاناً إِذا وَجَّهْتُهُ لِلضَّلالِ عن الطريق؛ وإِياه أَراد لبيد بن ربيعة : مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخَيْرِ اهْتَدَى * نَاعِمَ البَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلَّ وضَلَّ الشيءُ يَضِلُّ ضَلالاً: ضاع. وتَضْلِيل الرجل: أَن تَنْسُبَه إِلى الضَّلاَلِ. والتَّضْلِيلِ: تَصْييرُ الإِنسان إِلى الضَّلال. والأسئلة التي يمكن طرحها في هذه الأُنْبُوشَةِ هي: من يُصَيِّرُ الإنسان إلى الضَّلاَلِ؟ أهي تَرْبِيَّتُهُ؟ أم تَعْلِيمُهُ ؟أَمْ الآخَرُ الذي هُوَ فِيهِ؟ ولماذا حَقَّتْ عليه الضَّلاَلَةُ فلا يَرَى إلا الظَّلاَمَ؟ ولماذا أَصْبحَتْ فيه الضَّلاَلَةُ ثَابِتَةً تُرَى وَتُسْمْعُ ؟ إنه الفِعْلُ وفَاعِلُهُ، والتصميم على الضَّلاَلِ والإِضْلاَلِ. قال الله عز وجل: (وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ) النحل/36. وقال: (وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)الأعراف/30. فمن خلال الدلالة اللغوية والقرآنية، تتنوع الضلالة من التأثير والتأثر بفعل الفكر إلى الدعوات الضالة، التي توجه للضلال عن الطريق، ولهذا جاء المفهوم في كتاب الله ( 173 مرة ) في السور المكية والمدنية، ويدل مَجِيئُهُ في المكي منها بهذه القوة(131 مرة) على خطورة المفهوم في مجال العقيدة وقضاياها الكبرى، بحيث يتولد عنها مجتمع ضال ومنحرف عن السلوك القويم. أما في المجال المدني فلم يتكرر المفهوم سوى (42 مرة) لها هي الأخرى دلالتها. فضلال العقيدة يعقبه ضلال في التشريع والحقوق، وإن الممارسة الضَّلاَلِيَّةِ والإِضْلاَلِيَّةِ، قد تكون من الفرد والجماعة المحسوبة على الإسلام أو من الديانات الأخرى، ونجد في القرآن فعل الإِضْلاَلِ بهذا التنوع المثير. فبالنسبة للفرد قال تعالى: (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي) الفرقان/29. وعن جماعة الضلال قال: (لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ)النساء/112، أما بالنسبة للعقائد الأخرى التي تعمل في مجال التبشير ليل نهار لإخراج المسلم عن دينه، قال الله عز وجل: (وَدَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) آل عمران/68. وإن مفهوم الضلال في كتاب الله تعالى استغرق جميع الصيغ: (ضَلَّ- يَضِلُّ- يُضْلِلْ- يَضِلُّهُ- تَضِلُّ- أَضَلَّ- ضَالًّا- ضَلِلْتُ- ضَلِلْنَا- أَضَلُّوا- أَضَلُّونَا- يُضِلُّنَا- يُضِلُّهُمْ- يُضِلُّوا- يُضِلُّوكَ- يُضِلُّونَ- يُضِلُّونَكُمْ- يُضِلُّونَهُمْ- الضَّالُّونَ- المُضِلِينَ- ضَلاَلٌ- تَضْلِيلٌ)، بما يعطي للباحث في المفهوم المجال الواسع لقراءته من زوايا متعددة، فالكيد والدس يبدو اليوم واضحا في الديانات الأخرى، المعبر عنها في النص القرآني ب(أَهْلُ الْكِتَابِ)، وأُمْنِيَّاتُهُمْ صريحة كذلك، في إِضْلاَلِ المسلمين بشتى الطرق والوسائل المحققة لأهدافهم، وينبغي ألا يَجْهَلَنَّ أحد علينا في أن فعل الإضلال مستمر في المجتمع من الإنسان المسلم، وغير المسلم، يتربص بالقيم، ويشكك في المعتقدات، والرموز الدينية. ويمشي في الناس بضلاله وإضلاله. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ) ص/25 ورغم كل الممارسات الضلالية وفعلها المدمر لقيم المجتمع، يبقى الحق مضيئا وقائما مهما كثر المُضِلُّونَ، يرسم طريق الهداية بالموقعين عن الله عز وجل، الذين لم يَلْوُوا أعناق الناس في هدايتهم إلى الإيمان، وإنما هم للخلق رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ، والصالحين من عباد الله سبحانه الذين دخلوا في هذه الرحمة بتوجيه راشد وسطي ومثمر، كما أن الشرود عن الطريق سيبقى موجودا، حيث شاءت إرادة الله أن تجعل إرادة الإنسان حرة في سلوكه وكسبه، ودين الله واضح بين، وحسب المرء أن يدعو إليه على بصيرة ، ملتزما طريق العارفين الأُمَنَاءِ على أسراره، الذين لهم مَعَ اللهِ حُضُورٌ، وفي الخَلْقِ مَحَبَّةٌ وَسُرُورٌ.