قالت جريدة لوموند الفرنسية إن تونس تتوّفر على كل المقوّمات التي تثير استياء الجهاديين، ولهذا ضربوها بكل هذه القسوة يوم الأربعاء الماضي، في مجزرة شهدتها العاصمة وراح ضحيتها 22 قتيلًا، من يينهم 20 سائحًا أجنبيًا، زيادة على جرح أزيد من أربعين شخصًا. ف"تونس ليست مجرّد هدف تم استهدافه، بل مثال يحتذى به لن يروق بكل تأكيد لأنصار الشمولية الدموية الجهادية". وأبرزت الصحيفة في افتتاحية نشرتها أخيرا، أن تونس تُهدّد الجهاديين بما تقدمه، فهي ليست ذلك النموذج الذي يمكن تحطيمه بما أنها أثبتت إمكانية تطابق الديمقراطية مع بلد يحمل ثقافة إسلامية، وبما أنها تبقى غير متوافقة مع المرجعية الجهادية. وفضلًا عن ذلك، تبيّن تونس أنها كبلد مسلم تستطيع تبني دستور حديث يمكّن النساء من الحصول على الحقوق نفسها التي يحصل عليها الرسال، وبالتالي فهي لا تطاق لهؤلاء "البرابرة". وأضافت لوموند:"غالبًا ما تجسد تونس مساحة من الإنسانية تعود إلى عصور تاريخية قديمة وتَجمع الكثير من ألوان التعدد الثقافي، وهو ما يجعلها غير مقبولة بالنسبة لقساة يستدلون بالإسلام لأجل إخفاء عدم قدرتهم على التفكير وعلى التعبير بشكل آخر غير الضغط على زناد بنادق الكلاشينكوف وإطلاق الرصاص على المدنيين". كما تحدثت لوموند عن أن تونس التي تشهد منذ مدة تحركًا إسلاميا لمجموعة من المقاتلين في جبالها الغربية في الحدود مع الجزائر، لم تتكبد في تاريخها هجومًا إرهابيًا بهذا الكم من الضحايا، زيادة على معاناتها مؤخرًا من تأثر فئة من شبابها بدعوات الجهاديين، فبضعة آلاف من التونسيين يقاتلون لصالح تنظيم "داعش" ومجموعات متطرّفة أخرى في العراق وسوريا، وقرابة 500 منهم عادوا إلى البلد مؤخرًا، كما أنها تئن تحت وطأة الفوضى التي تقع في ليبيا. واعتبرت الصحيفة أنه في ظل هذه الأجواء الصعبة، سيعمد التونسيون إلى الاستمرار في تحقيق انتقال ديمقراطي يبقى هو المثال الوحيد في العالم العربي، خاصة وأن الشعب التونسي كان أوّل من أشعل شرارة "الربيع العربي" واستطاع عام 2011 إسقاط نظام فاسد، وبعدها نظم انتخابات ديمقراطية، وأرسى الديمقراطية في مؤسساته. "يحمل التونسيون تكذيبًا قويًا لكل أولئك الذين يقسمون بأن العرب ليس لهم من خيار سوى اتباع نوعين من الحكومات، نوع ديكتاتوري أو نوع مستبد إسلامي" تقول لوموند الذي نادت بمساعدة التونسيين على تخطي هذا الوضع، عبر عدم إلغاء السياح الفرنسيين لرحلاتهم المقرّرة إلى هذا البلد، خاصة وأن الهجوم الإرهابي ليوم الأربعاء، ركّز على ضرب الاقتصاد التونسي الذي يعتمد بشكل كبير على السياحة. الغارديان: غد تونس يحمل بذور التفاؤل رغم الحادث وفي مقال منشور في موقع جريدة الغارديان، عاد الصحافي إيشان تارور إلى فترة ما بعد استقلال تونس، وبالضبط أيّام الحبيب بورقيبة الذي طبع البلاد بقوانينه العلمانية المعادية للإسلاميين، عندما قلّص من حضور الحجاب في الأماكن العمومية، بل وصل به الحد إلى شرب كأس من العصير أمام الآخرين في أحد أيام رمضان، كما كان وراء اعتقال الآلاف من المنتسبين للحركات الإسلامية. غير أنه بعد الثورة التونسية، عاد إسلاميو تونس إلى الواجهة بعد رجوع قيادييهم من المنفى، واستطاعت تنظيمات إسلامية العمل في العلن، إلّا أن مخاض تونس استمر بعد الثورة، يبرز الكاتب، فقد هاجم سلفيون مقرات الحكوكة احتجاجًا على عرض فني، كما هاجموا مدير قناة معروفة بسبب بثه لفيلم تحريك اعتبره مستفزًا لعقيدتهم، ثم تواجهت الدولة بشكل أكبر مع هؤلاء السلفيين بعد مقتل شكري بلعيد. وأشار إلى أن تونس عانت من أجل بناء نظام سياسي قوي في السنوات التي أعقبت رحيل نظام بنعلي، إذ إن انقسامات عميقة بين العلمانيين والإسلاميين، خاصة بعد اغتيال زعيمين سياسيين معروفين على يد إسلاميين متطرفين، أدت إلى أزمة سياسية عام 2013 أجبرت حزب النهضة على التوقف، غير أن المجتمع المدني باشر حوارًا وطنيًا أدى إلى إجراء انتخابات خلال العام الماضي، وإلى دستور جديد يعدّ أكثر الدساتير ليبرالية في العالم العربي. واختتم الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن مستقبل تونس يدعو للتفاؤل لعدة أسباب رغم الحادث الأخير، فحزب النهضة الإسلامي يتوّفر على قوة كبيرة في المعارضة، بعيدًا عن النموذج المصري الذي أطاح بحكومة الإخوان المسلمين عبر الاستعانة بالعسكر وأرسل الآلاف من الناشطين إلى السجن، زيادة على الدور القوي للمجتمع المدني في تونس، أقوى من بقية أدوراه في بلدان المنطقة.