لقرار المجلس الدستوري رقم 15/953 م.د (ملف عدد:15/1411) المتعلق بإحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات المحلية لقد صدر قرار للمجلس الدستوري بتاريخ 24 فبراير 2015 يقضي بعدم اختصاص البرلمان في شأن إحداث النظام الأساسي الخاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات المحلية. وقد جاء هدا القرار بناء على الحيثيات التالية: أولا : الحيثيات - جاء في القرار المشار إليه أعلاه ما يلي: "وحيث إن مقترح القانون المذكور يضع نظاما أساسيا خاصا بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة؛ وحيث إن كلا من الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة تشكل أشخاصا معنوية متمايزة مستقل بعضها عن بعض، الأمر الذي لا يجوز معه قانونا إخضاع العاملين فيها لنظام أساسي خاص موحد؛ وحيث إن الدستور، بصرف النظر عن النظام الأساسي للقضاة، لم يدرج بموجب فصله 71 في مجال القانون، بخصوص الموظفين، سوى النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية والضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين المدنيين والعسكريين؛ وحيث إن الفصل 72 من الدستور ينص على أن المجال التنظيمي يختص بالمواد التي لا يشملها اختصاص القانون؛ وحيث إنه، لئن كانت المبادئ الدستورية الأساسية الرامية، على وجه الخصوص، إلى ضمان التقيد بمبادئ المساواة وتكافئ الفرص والاستحقاق والشفافية في ولوج المواطنات والمواطنين إلى الوظائف العمومية، (..) تكتسي صبغة ضمانات أساسية، وتندرج بالتالي في مجال القانون، فإن المقتضيات الهادفة إلى تطبيق هذه الضمانات على فئة معينة من الموظفين من خلال أنظمة أساسية خاصة تقتصر على تحديد مهامهم ومسارهم المهني ودرجاتهم ورتبهم والأرقام الاستدلالية المطابقة لهذه الرتب والتعويضات الشهرية المخولة لهم، تكتسي كلها طابعا تنظيميا، طالما أنها لا تنصب على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ولا تقلص الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين؛ وحيث إنه، تأسيسا على ما سبق بيانه، فإن مقترح القانون، موضوع الخلاف، باعتباره يرمي إلى إحداث نظام أساسي خاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة، وباعتباره لا يمس بأي قاعدة من القواعد العامة التي يشملها النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ولا بضمانة من الضمانات الممنوحة عموما للموظفين، ولا يتناول مادة أخرى من المواد التي جعلها الدستور من اختصاص السلطة التشريعية، فإن موضوعه، تبعا لذلك، ليس من ضمن المواد التي يختص بها القانون، طبقا للفصل 71 من الدستور، بل يندرج في المجال التنظيمي، وفقا للفصل 72 منه؛ لهذه الأسباب: أولا يقضي بأن مقترح القانون الرامي إلى إحداث نظام أساسي خاص بهيئة الدكاترة الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العامة لا يندرج في مجال القانون؛ ثانيا يأمر بتبليغ نسخة من قراره هذا إلى السيد رئيس الحكومة وإلى السيد رئيس مجلس النواب، وبنشره في الجريدة الرسمية." ثانيا: التعليق على القرار: سوف نتناول الحيثيات التي ارتكز عليها القرار لنرى مدى توافقها مع مقتضيات الدستور الصادر في 29 يوليو 2011: بالنسبة للحيثية المتعلقة بتحديد مجال القانون والتي جاء فيها بنص القرار:" وحيث إنه، لئن كانت المبادئ الدستورية الأساسية الرامية، على وجه الخصوص، إلى ضمان التقيد بمبادئ المساواة وتكافئ الفرص والاستحقاق والشفافية في ولوج المواطنات والمواطنين إلى الوظائف العمومية، (..) تكتسي صبغة ضمانات أساسية، وتندرج بالتالي في مجال القانون" وهنا يقر القرار ضمنيا بأن القانون هو صاحب الاختصاص في النظر في المقتضيات المتعلقة بمبادئ المساواة وتكافئ الفرص والاستحقاق، وأتوقف بالخصوص عند كلمة الاستحقاق، التي قمت بالتسطير تحتها سالفا، لأحيل الدارسين والباحثين على الفصل 31 من الدستور الذي جاء فيه : "تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في: ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق،" (الباب الثاني : الحريات والحقوق الأساسية) وهذا المقتضى الدستوري الذي أغفله القرار أو أشار إليه دون الوقوف عنده، يجعل النظر في شأن إحداث هذه الهيأة من صميم عمل البرلمان و في صلب العمل التشريعي (وهو ما يصطلح عليه قانونيا بمجال القانون)، وذلك تماشيا مع مقتضيات المادة 71 التي جاء فيها : " يختص القانون، بالإضافة إلى المواد المسندة إليه صراحة بفصول أخرى من الدستور، بالتشريع في المواد التالية: الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في التصدير و في فصول أخرى من هذا الدستور". و يمكن اعتبار الفصل 31 ضمن الفصول الأخرى التي أغفلها القرار المذكور ولم يرتكز عليها في حيثياته. وبالتالي يعتبر الفصل 31 من بين الفصول التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن النظر في شأن إنشاء نظام خاص لهيأة من هيئات موظفي الدولة أو المؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية على حد سواء، يدخل ضمن اختصاصات البرلمان و ليس اختصاصات الحكومة. وهذا ما يقودنا أيضا إلى القول بأن التمييز الذي جاء به القرار في حيثياته بين إدارات الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية في القول بأنه : " وحيث إن كلا من الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العامة تشكل أشخاصا معنوية متمايزة مستقل بعضها عن بعض، الأمر الذي لا يجوز معه قانونا إخضاع العاملين فيها لنظام أساسي خاص موحد"؛ أن هذا التمييز ليس له سند قانوني، بل أكثر من ذلك فهو يتنافى مع مقتضيات الدستور، خاصة الفصل 31 منه. ونتوقف في الأخير عند الحيثية المتعلقة بكون:"المقتضيات الهادفة إلى تطبيق هذه الضمانات على فئة معينة من الموظفين من خلال أنظمة أساسية خاصة تقتصر على تحديد مهامهم ومسارهم المهني ودرجاتهم ورتبهم والأرقام الاستدلالية المطابقة لهذه الرتب والتعويضات الشهرية المخولة لهم، تكتسي كلها طابعا تنظيميا، طالما أنها لا تنصب على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ولا تقلص الضمانات الأساسية الممنوحة للموظفين." وذلك حسب ما جاء به القرار، لنقول بأن هذا الأخير نحا هذا النحو، ليس بناء على سند قانوني لأنه لم يحل في القانون أو الدستور إلى ما يبرر ذلك بل إنه أشار إشارة ضمنية إلى النظام الأساسي لهيئة المهندسين والمهندسين المعماريين المشتركة بين الوزارات الصادر عن وزارة الوظيفة العمومية بمرسوم وزاري. وفي الأخير وإن افترضنا جدلا أن النظر في شأن إنشاء هيأة معينة للموظفين يدخل ضمن اختصاصات الحكومة وليس البرلمان فإن الفصل 73 من الدستور ينص على أنه :"يمكن تغيير النصوص التشريعية من حيث الشكل بمرسوم، بعد موافقة المحكمة الدستورية عليها، إذا كان مضمونها يدخل في مجال من المجالات التي تمارس فيها السلطة التنظيمية اختصاصاتها" وهذا ما لم يشر إليه القرار المذكور. -أستاذة للتعليم العالي وباحثة في العلوم السياسية والدستورية بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية والاجتماعية ابن زهر أكادير