لم يتغير شيء من طلتها البهية، وحيائها الرقراق، وهي تظهر أخيرا في مقطع فيديو قصير، يبدو أنه صُور خلسة منها، خلال حفل زفاف تحضره النساء، بدون حجاب قيل إنها التزمت به منذ اعتزالها الغناء وزواجها من رجل أعمال سعودي قبل 30 عاما، بعد مسيرة فنية مبهرة وقصيرة دامت 10 سنوات بالكاد. وكما احتفلت بها نساء الحفل بالزغاريد والقبل والتقاط الصور، حتى أنها خطفت الأضواء والاهتمام من غيرها من الحاضرات، ومن بينهن المغنية الشابة دنيا باطما، فإنها بصمت ذات الحب والتقدير في قلوب الملايين من الناس في المغرب وخارجه، والذين عاشوا على إيقاع صوتها الندي. نفس النظارات الطبية السميكة التي اشتهرت بها منذ أن ظهرت بها أول مرة سنة 1975 في برنامج "مواهب" لصاحبه الراحل عبد النبي الجراري، لازالت تملأ وجهها الدائري ذا الملامح البريئة، فيما ابتسامتها الرقيقة التي يخالجها غير قليل من النضارة تضفي عليها مزيدا من الوقار. موهبة الجراري هي المطربة المغربية المعتزلة، عزيزة محمد جلال، التي رأت النور ذات يوم من شهر دجنبر سنة 1958 بمدينة مكناس، من بين سبعة أشقاء وشقيقات..وفي أزقة العاصمة الاسماعيلية ودروبها ترعرعت الصغيرة عزيزة، وتابعت تعليمها الابتدائي والثانوي، كما تدربت على مقامات الموسيقى والصولفيج. المغرب، والإمارات، ومصر، ثم السعودية..أماكن وبلدان احتضنت عزيزة جلال طيلة سنوات عمرها، فالمغرب فيه شبت ودقت باب الغناء أول مرة، وفي الإمارات طورت أداءها وتعرفت على عالم الغناء العربي، وفي مصر اشتهرت واحتضنتها أيادي كبار الملحنين، بينما في السعودية استقرت أسريا، بعد أن اعتزلت الطرب نهائيا. ويتذكر العديد من المغاربة كيف أن فتاة، في سن السابعة عشر من عمرها، وهي في غمرة سن مراهقتها، دلفت بنظارتها السميكة باب الطرب الأصيل بأدائها لأغان تعود إلى الزمن الجميل، غنتها قبلها شادية واسمهان، فكانت تلك انطلاقة بنت مكناس في عالم الغناء، بعد أن تلقت إشادة من مكتشف المواهب، عبد النبي الجراري. وغنت عزيزة جلال أغنيتها الوطنية "نقلت عيوني هنا وهناك"، لحنها الراحل الجراي، وأدتها بمناسبة انطلاقة المسيرة الخضراء سنة 1975، إذ تصادف هذا الحدث التاريخي بالمغرب، حيث تم تحرير الصحراء سلميا من المحتل الاسباني، بظهور اسم جديد في عالم الطرب العربي، هو عزيزة جلال. طريق الشهرة وبعد المغرب، انتقلت جلال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث مكثت هناك فترة زمنية غير طويلة، أدت خلالها عدا من الأغاني لأحد أشهر مطربي الإمارات على مر تاريخها، الراحل جابر جاسم، فأعطت لتلك الأغاني إشعاعا إضافيا بفضل خامات صوتها القوي والرخيم في آن. وانتقلت عزيزة جلال إلى القاهرة، حيث صناعة النجوم في الغناء والتمثيل على حد سواء، وتهافتت عليها شركات الإنتاج الفني، وطلبات كبار الملحنين، بعد أن وصلتهم أصداء صوتها الطربي الجميل حتى قبل دخولها بلاد الكنانة، فعرفت أزهى فترات مسارها الفني في هذا البلد. وفي مصر تفجرت طاقة عزيزة، بفضل الرعاية الفنية التي لاقتها هناك من لدن قامات سامقة في عالم التأليف والتلحين، تعاملوا من قبل مع هرم الأغنية العربية أم كلثوم، والعندليب عبد الحليم حافظ وغيرهما، من قبيل كمال الطويل وبليغ حمدي والسنباطي وسيد مكاوي ومحمد الموجي وآخرون. وفي مرحلة القاهرة تأتى للمطربة المغربية المعتزلة أن تغني أشهر أغانيها التي لازالت سائرة على الألسن، ومنها "مستنياك" الشهيرة، و"بتصالحني حبة.. وتخاصمني حبة"، و"روحي فيك"، و"التقينا"، و"يالله بنا نتقابل سوا"، وأغنية "من حقك تعاتبني"، وأغاني أخرى. الاعتزال وحب الجماهير "من حقك تعاتبني" أغنية باتت لسان حال محبي عزيزة جلال، فهم عاتبوها بعد أن فاجأتهم ذات يوم من سنة 1985، أي بعد 10 سنوات من مسار فني قصير جمع بين الهواية والاحتراف، حيث تحولت من فتاة خجولة مغمورة إلى قامة غنائية كبيرة، بقرارها الاعتزال والاستقرار في السعودية، وهي المحطة الرابعة من حياتها. كثيرون لم "يهضموا" قرار عزيزة اعتزال الغناء بموازاة زواجها من رجل الأعمال السعودي، الشيخ علي بن بطي الغامدي، حيث استقرت بمدينة الطائف ببلد الحرمين، ورزقت بثلاثة أبناء درسوا وتخرجوا من الجامعات، وباتت تفخر بهم تماما كما يفخرون بها، وهي التي قررت اعتزال المجد في عز الشهرة. شهرة تركتها عزيزة خلف ظهرها، حتى أنها قاومت كل العروض المغرية التي قُدمت لها من طرف شركات إنتاج وأثرياء عرب طلبوا منها التراجع عن قرار الاعتزال، كما جاءتها عروض للمشاركة في أفلام سينمائية، لكن عزيزة كانت مصرة على قلب صفحة من دفتر حياتها، لتهتم فقط بأسرتها وأبنائها، حيث فضلت العائلة على الغناء. زواج عزيزة برجل الأعمال السعودي، يقول البعض، بأنها جاءت بعد قصة حب بينهما، توجت بالاقتران بعد أن قدم كل طرف تنازلات وتضحيات للآخر، فجلال قررت الاعتزال عن الأضواء في ذروة شهرتها، بينما صد زوجها العراقيل التي لاقاها من أفراد عائلته، قبل أن تستوي الأوضاع، بعد أن أدركوا طيبة وعلو أخلاق المطربة المغربية المعتزلة.