نادرا ما تحفل إبداعات الأدباء المغاربة، من قصاصين وروائيين وشعراء، بمجالات التصوف ورجالاتها ورموزها في البلاد، حيث غالبا ما يغيب ذلك الربط الفني والإبداعي بين مشاهد الأدب ونفحات التصوف، ما أفضى إلى شبه قطيعة بين إصدارات الأدباء المغاربة والمتصوفون في البلاد. رواية "الأطلسي التائه" الصادرة حديثا لصاحبها الروائي، مصطفى لغتيري، حاولت الاقتراب عن كثب من أحد أقطاب الصوفية في تاريخ المغرب، وهو أبو يعزى الهسكوري، والمعروف عند المغاربة بكنية "مولاي بوعزة"، لكن دون أن يعرف عنه الكثيرون إلا النزر اليسير. لغتيري: "مولاي بوعزة" نباتي ومشاء ويقول مصطفى لغتيري، في حديث مع هسبريس، بأن روايته "الأطلسي التائه" تنسج سيرة أحد أقطاب التصوف، الذي لا يكاد أحد من المغاربة يجهل اسمه، وهو أبو يعزى الهسكوري، لكنهم للأسف لا يعرفون عنه أكثر من ذلك، حتى موقع ضريحه فيه اختلاف كبير". ويشرح بأن "كثيرا من القبائل تنسب مكان قبره إليها، ولعل هذا الأمر وحده كفيل بمعرفة المكانة الكبيرة التي يحتلها في وجدان المغاربة"، مضيفا أنه "حين قرأ عنه بعض المعلومات المقتضبة جدا أثارته بعض التفاصيل في شخصيته، منها أنه كان نباتيا في تلك الفترة المتقدمة في تاريخ المغرب، أي القرن 12 م. ولفت لغتيري إلى أن "مولاي بوعزة" كان شخصا أسود اللون، وأمازيغي اللسان، ومع ذلك نال حظوة الشرف عند المغاربة بإطلاق لقب "مولاي" عليه، وهو اللقب الذي كان تختص به الفئة المنحدرة من السلالة النبوية، أو على الأقل ذات الأصول القرشية المكية". وتابع أنه "من المثير في حياة هذا المتصوف أنه كان جوالا أو مشاء، يتنقل ما بين مدن المغرب وبراريه، باحثا عن الفقهاء والمتصوفين قصد خدمتهم والتتلمذ عليهم"، مشيرا أنه صور هذه الرحلات التي حط فيها الرحال عند أعلام التصوف في مراكش وأزمور ومنطقة دكالة والشاوية وفاس وغيرها". وزاد مؤسس الصالون الأدبي بالدار البيضاء بأن هذا الصوفي "تيسرت له الرفقة مع أبي شعيب الدكالي، المعروف مولاي بوشعيب السارية، ومولاي عبد الله امغار، وسيدي بليوط الذي حرف اسمه، لأنه كان في الأصل يسمى "أبو الليوث"، كون "كراماته" مرافقة الأسود والتحكم فيها". غواية الأدب والتصوف وبشأن علاقة الأدب المغربي بمجالات ورجالات التصوف، قال لغتيري إن "للأدب علاقة بجميع المواضيع، إذ أنه لا يستثني موضوعا إلا ويطوعه ليجعل منه مادة للنثر أو الشعر"، مضيفا أن "التصوف في عمق الأدب، فالمتصوفة تركوا لنا تراثا أدبيا ضخما يعز عن الحصر". وفي المغرب، يضيف الكاتب، يمكن ذكر على المستوى الشعبي العميق، أشعار سيدي عبد الرحمن المجذوب مثلا، أما إذا تحدثنا عن الأدب الحديث الذي اتخذ من التصوف موضوعا له، فهناك نصوص قليلة جدا في المغرب اهتمت بالموضوع، وربما يبدو حظ القصة القصيرة في هذا المجال أفضل نسبيا". وذكر المتحدث بهذا الصدد كتاب الناقد المغربي خالد أقلعي الذي ألف كتابا في الموضوع أسماه" التصوف والقصص"، أخضع فيها بعض القصص التي تناولت موضوع التصوف بالدرس والتحليل، من بينها قصة للغتيري نفسه، نشرها عام 1999 تحت عنوان" المريد". وأبرز الكاتب ذاته أن الصوفية والتصوف لم يمنحهما الأدب المغربية العناية اللائقة، مشيرا إلى أن "روايته عن أبي يعزى الهسكوري قد تفتح شهية الأدباء المغاربة للتعاطي مع هذا الميدان، الذي يعاني من كثير من سوء الفهم والتجاهل، رغم أنه مادة خصبة للعمل الروائي". ولفت المتحدث ذاته إلى أن قصة "مولاي بوشعيب السارية"، الذي يفصل ضريحه الذي يرقد فيه، عن ضريح "لالة عايشة" البحرية، نهر أم الربيع، ترسخت في مخيلة المغاربة التي نسجت قصة حب جميلة بينهما، تثيره وتجذبه إبداعيا لكتابة رواية عن حياته" وفق تعبيره.