فوجئت وأنا أتتبع أخبار الصحف وصف بعض الصحف اليومية والأسبوعية محكمة النقض ب"الكراج"فاستفزني هذا الوصف،لأنه لا يليق بأكبر محكمة في المغرب صنعت تاريخ المغرب القضائي، وكانت على الدوام منارة للعلم والعلماء ،تشرفت بانتماء أكبر وأجل علماء القضاة إليها ،وشرفتهم بقدسية وجلال منصب ورسالة القضاء في أسمى وأبهى معانيها ومثلها السامية. فمحكمة النقض هي بوابة حماية الحقوق والحريات وصون كرامة المتقاضين وحماية أعراضهم وأموالهم،فلا توجد إلا محكمة وحيدة في المغرب تعلو سماء القضاء وتتربع على كرسي العدالة ،فهي الساهرة على توحيد الاجتهاد القضائي وحماية الأمن القضائي، والدفاع عن حقوق وحريات المتقاضين،توحد أحكام القضاة وفكرهم القضائي ،وتشرئب إليها عقول وقلوب محبيها من رجال القانون والقضاء والفقهاء والمحامين والباحثين والمواطنين ،فلا صوت يعلو على صوتها احتراما وتبجيلا وتقديسا،فهي بمثابة المشرع لدى رجال القانون،تكمل القاعدة القانونية وتغطي جوانب الفراغ والضيق في دائرتها،تنفخ فيها روح العدل ،إحقاقا للحق ،فدورها الإنشائي والخلاق جعل أحكامها واجتهاداتها نبراسا يهتدى به وقولا فصل يعمل به،تقعيدا وتأصيلا ،فهي دستورا للقضاة ومنهاجا لعملهم يضيء لهم عتمة النصوص، ويرفع عنها الغموض والالتباس، ويوضح لهم مقاصد القانون وغايات المشرع .فهي إذن صمام الأمان للفهم الموضوعي والرصين للقانون بشكل عادل وموحد ومجرد، وبآليات شفافة ومتوازنة تضمن حقوق الدفاع ومعايير المحاكمة العادلة. سجل يا تاريخ أن محكمة النقض كانت سباقة منذ 1957 كمجلس أعلى قبل أول دستور في المغرب إلى إقرار قواعد ناظمة للعدل والمساواة وعدم التمييز وحماية حق الملكية وحقوق الطفل والمرأة وصيانة قواعد سير العدالة وحماية حقوق المتقاضين وضمان حقوق الدفاع . إن قرارات محكمة النقض تشكل وبحق تراثا قضائيا نفتخر به كقضاة جيلا بعد جيل في ربط متين للحاضر بالماضي بين العلماء الأوائل والشيوخ الكرام والشباب المتحمس اليافع بأمل الحفاظ على المكتسبات ومواصلة التغيير المنشود نحو الأفضل لتبقى محكمتنا رائدة بين المحاكم العليا في العالم تنافس قريناتها في قضاء مواطن مصدرة الثروة للامادية للوطن والمواطن . إن محكمة النقض تعتبر وبحق قبلة القضاة فهي قصر ومحراب العدالة، وأي تنقيص من شأنها هو إهدار لقيم العدالة وحقوق الإنسان ،فمتى ننته من تحقير ذواتنا وهويتنا ؟