خلفت أغنية "عطيني صاكي "للمغنية الشعبية "هند الحنوني" ، الملقبة بزينة الداودية . جدلا واسعا في شتى المنابر الإعلامية ، وقد هاجم العديد من المتتبعين الأغنية وصاحبتها ، بسبب الكلام الساقط الذي تتضمنه الأغنية ،معتبرين أن مثل هذه الأغاني التي تتضمن كلمات فيها من الفحش والمس بالذوق العام ما يثير الاشمئزاز ،مما يجعلها أغنية مرفوضة في مجتمع يستميت في التشبث بالأخلاق الحميدة التي تحاول مثل هذه الأغاني تدميرها . العديد من المغاربة وخاصة رواد الفيسبوك ، احتجوا على الأغنية واعتبروها أغنية هابطة تشجع على التحرش والفساد ،ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل إن مجموعة من المواطنين تقدموا بعريضة تظلمية وشكاية رسمية ، حسب ما أوردته بعض المنابر الإعلامية ،أمام محكمة الدارالبيضاء للنظر في أمر هذه الأغنية .إلا أن المحكمة رفضت الدعوة . موقف بعض المواطنين جعل العديد من الشخصيات المعروفة في المغرب تدخل على الخط ، لقول رأيها في الأغنية المثيرة للجدل ,على رأس هؤلاء نجد الشيخ الفيزازي هذا الأخير نعت الأغنية بأقذع النعوت ، حيث قال الرجل في تدوينة نشرها على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"أن أغنية أعطيني صاكي "موغلة في التفاهة والانحلال الخلقي " .ولم يقتصر الانتقاد على رجال الدين فحسب بل حتى العديد من المغنيين والملحنين انتقدوا الأغنية ،واعتبروها أغنية مسيئة لأغنية الشعبية والأغنية المغربية بصفة عامة . لكن في المقابل ، لم تخل الصحف الوطنية من مقالات ساندت الداودية، ودافعت عن حق هذه المطربة في الإنتاج والإبداع الفني .والجمهور له الحق في رفض وقبول ما ينتجه أي ملحن ومطرب .والمساندون للمطربة الشابة ،يرون أن الأغنية المثيرة للاحتجاج شاهدها آلاف المغاربة ، ولا زالت نسبة متابعتها في تصاعد مستمر ، مما يعني أن الجمهور الذي يتحدث البعض بلسانه أحب الأغنية وهي تجد رواجا متناميا من لدن الشباب .وليواجهوا المعترضين على الأغنية ، ذكروا هؤلاء المحتجين بأغاني كثيرة تحمل من الكلام الساقط ما يفوق ما جاء في متن هذه الأغنية ،كقول إحدى الأغاني :أج يدير فالثلاثة د الليل...وأغنية أنا عزبا من نهودي للقاع .. وعفاك عفاك بشوية ،وأغاني أخرى كثيرة، ويكفي الدخول إلى عالم اليتوب لسماع ما يندى له الجبين من الكلام الفاحش التي تتضمنه أغاني لبعض المغنيين والمغنيات .المغاربة سمعوا مثل هذه الأغاني في السابق،ولا زالوا يسمعونها في الوقت الحاضر ، لكنها لم تثر أي اعتراض من قبلهم .فلماذا يحتج البعض على أغنية "عطيني صاكي " ولم يحتجوا على غيرها من تلك ألاغاني الخليعة . الحقيقة أنه وبغض النظر على رأي المؤيدين والمعترضين ،يمكن القول أن ظاهرة الأغاني الشعبية ذات الكلمات المنحطة ، والتي لا صور عاطفية ولا إنسانية راقية لها من حيث البناء الشعري ، هي ظاهرة منتشرة في العالم العربي كله ، ويكفي على سبيل المثال لا الحصر أن نذكر مثلا المطربة اللبنانية الشهيرة صاحبة أغنية "بوس الواو " هيفاء وهبي ، وأغاني نانسي عجرم من قبيل "شخبط شخابيط " وأغاني روبي ،وغير هذه الأغاني كثير .لنفهم أن ما ينتج من أغاني من هذه النوعية ،في الحقيقة ، ما هو سوى استجابة غير معلن عنها ، لذوق عام من قبل جمهور عريض يود سماع هكذا أغاني .وإلا ما معنى ، وما دلالة تلك ألأرقام التي تسجلها نسبة مشاهد تها . التحولات التي شهدها العالم العربي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،وهبوب رياح العولمة وانحسار الثقافة الهادفة ،وانتشار تعليم هجين ،وأمية نسبتها تتجاوز الستين في المائة في العديد من الدول العربية .كل هذا جعل الأغاني الشعبية ، التي لا تحفل بالمضمون الهادف والتربوي لكلماتها،ما دام أن هذه الكلمات الهابطة تلعب على الوتر الحساس لجمهور كبير، فتدغدغ مشاعره بصور إباحية وإيحاءات مهيجة ما يجعله يتفاعل معها بهستيريا منقطعة النظير .مثل هذه الأغاني هو السائد اليوم .أما الأغنية العصرية التي عاشت أحلى أيامها منذ منتصف القرن الماضي ،فأصبح الاستماع إليها نوع من التخلف لا يليق بأهل الوقت . الحكومات العربية بدورها تتحمل النصيب فيما آلت أليه الأغنية من تدهور، وخاصة وزارات الثقافة .فما هو مرصود من أموال لوزارة الثقافة في المغرب مثلا ،هو ألأقل على الإطلاق مقارنة بالوزارات الأخرى . مما يجعل الشأن الثقافي سواء في قطاع الكتاب والقراءة مرورا بالتلفزيون و المسرح حتى الأغنية،لا يحظى بدعم يجعل هذه المجالات تنتعش وتزدهر . الأغنية في الغالب الأعم تساير مستوى رقي الأمم ، وهي الوجه الذي يعكس مستوى هذا الرقي .وحين تتخلى الحكومات عن الاهتمام بالشأن الثقافي لشعوبها ، فإنها تسمح لظاهرتين خطيرتين أن تطفوا على السطح :الأغاني الساقطة ، و نمو ثقافة العنف بكل أشكالها .