التقتيل والتهجير وتمزيق الخارطة العربية، إنه العنوان المأساوي للمرحلة. عشرات الملايين من العرب يُرمي بهم خارج التاريخ، تائهون هائمون باحثون عن ملجأ ووطن بديل. الأوطان تُدمر والشرق ، مهد الحضارات، تعبث به يد الهمجية وتعيده للعصرالحجري. هذا هو حال أوطان العرب. من اليمن السعيد، لعراق الشموخ والعزة، لسوريا التاريخ المجيد، وليبيا عمر المختار. فمن المسؤول عن هذا الواقع القاتم الصادم؟ ومن هم أخيار ومن هم أشرارهذه التراجيديا الدموية؟ تم استدراج المنطقة العربية لحرب أهلية بشعارات براقة: "الثورة" و"الربيع العربي" و"الديموقراطية". لم تكن هذه الشعارات في الواقع إلا سم في العسل. في التسعينات، تم تدمير يوغوسلافيا بحرب أهلية وبمساهمة فعالة من الغرب. كانت نهاية هذه الدولة الجوهرة، بطلة دول عدم الانحياز، التقسيم لدويلات سبع. لا لشيء إلا لأنها تنتمي حضاريا لروسيا والشعوب السلافية. في حين أن باقي دول أوروبا الشرقية، المنتمية حضاريا للغرب، تم فيها الانتقال الديموقراطي بطريقة سلمية وسلسة. لم تعرف هذه الدول لا حروبا أهلية ولا تفتيتا للجغرافيا، باستثناء تقسيم تشيكوسلوفكيا السلمي. ولنا أن نتساءل الآن: هل أصبح ما يراه الغرب عدوا، أو مشروع عدو، صار عرضة للتقسيم والتفتيت؟ وعرضة للحروب الأهلية الطاحنة كما كان مصير يوغوسلافيا في التسعينات؟ يبدو أن الأمر نفسه يحدث الآن في تعامل الغرب مع المنطقة العربية. لنبحث عن المنطق في المعادلة الأتية: أمريكا حليفة لدولة قطر. وقطر تمول وتسلح المنظمات الجهادية في سورياوالعراق. وأمريكا تقصف هذه المنظمات الجهادية وتحاول تدميرها. قطر تساند الإخوان المسلمين في مصر وحماس في غزة. لكن أمريكا تقدم الملايير لإسرائيل لتدمير حماس، وتقدم الملايير أيضا لمصر لتدمير الإخوان. أمريكا في الخندق نفسه مع أعدائها اللدودين، إيرانوسوريا وحزب الله، في محاربة جبهة النصرة وداعش. لكن تركيا، حليفة أمريكا والعضو في الناتو، تفتح أبوابها لتدفق الجهاديين الذين تحاربهم عدوتها سوريا وحليفتها أمريكا. تركيا ترتعد فرائصها من أن يتحول الحزام الكردي لدولة كردية، وللحيلولة دون ذلك، تعمل المستحيل لإجهاض هذا الحلم. أمريكا تقدم السلاح بسخاء للأكراد لتحقيق هذا الحلم رغم أن تركيا حليفة أمريكا. العراق حليف أمريكا في محاربة داعش. العراق حليف كذلك لسورياولإيران ولحزب الله وهم في الوقت نفسه أعداء أمريكا. التعاون العسكري والمخابراتي بين أمريكا والسعودية، يشكل نموذجا فريدا في المنطقة. وأيديولوجية آل سعود الوهابية هي من تفرخ إرهاب داعش. قطر والسعودية قط وفأر، لكن كليهما جعلا من إيرانوسوريا وحزب الله أعداء يجب تدميرهم. روسيا تدعم سوريا. وروسيا هي أحد أكبر مشتري الأسلحة الألمانية. وهذه الأسلحة تسلمها روسيالسوريا لمحاربة المعارضة المسلحة التي تساندها ألمانيا والحلف الأطلسي. الصين الشعبية تساند سوريا. لكنها في المقابل تشتري الدين الأمريكي القومي، وبالتالي تستطيع أمريكا مواصلة حروبها ضد سورياوإيران بأريحية تامة. إنها حرب مصالح قذرة، حرب بلا مبادئ ولا أهداف نبيلة. حرب جعلت من "عدو عدوي" مرة عدو، ومرة صديق. والمعيار هو مصلحة أطراف خارجية في تناغم مع أنظمة خليجية قرو أوسطية فاسدة لا يهمها إلا تأبيد عروشها. والثمن تقدمه أوطان العرب وشعوب العرب، حيث يتلون حاضر العرب، أوطانا وشعوبا، بلون الدم والفقر والجهل. حرب، إن لم تتوقف اليوم قبل غد، سترمي بالعرب لمائة سنة قادمة خارج التاريخ وخارج الجغرافيا. وتجعلهم لعبة في أيدي أمم أخرى، تتلاعب بمصائرهم كما تشاء. فإلى متى هذا الدمار؟