هل أدمنا جلد الذات أم هو جهل منا بما نتعرض له من عنصرية غربية ونحن غافلون؟ بل ننحاز للجاني وندبج المقالات "أنا شارلي" ونسير في المسيرات حاملين شارات "أنا شارلي"، وكأن شارلي بطلنا القومي الذي أعاد لنا الكرامة ومنحنا حرية كنا نفتقدها. أحرار العالم يقفون مع الحرية والكرامة، ونحن نطبل مع الغرب بساسته وإعلامه "أنا شارلي" وهو يجلدنا ويهين كرامتنا. حتى من اليسار الإسرائيلي نجد من يستنكر عنصرية شارلي، ونحن نصَّبنا شارلي عروسة حرية التعبير. فهل من مهانة أكثر من هذه؟ لكم شهادة عن عنصرية شارلي من إسرائيلي، لنعرف لأي درك وصلنا. نشر الموقع الفرنسي "الإتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام" مقالا للمؤرخ الإسرائيلي شلومو صاند*. في هذا المقال يشرح فيه هذا المؤرخ الإسرائيلي، الدواعي التي تجعله يرفض أن يكون شارلي. حسب كاتب المقال، يعود هذا لكون ما قامت به الصحيفة لا يخرج عن دائرة العنصرية التي تتعرض لها الأقلية المسلمة في فرنسا. نورد هنا ترجمة لفقرات مختارة من المقال: أغلبية الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة شارلي إبدو في العقد الأخير كان الهدف منه نشر الكراهية وجذب المزيد من القراء للصحيفة، من غير المسلمين طبعا. وإعادة نشر الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها الجريدة الدانمركية لهو شيء كريه. آنذاك، في سنة 2006 بدا لي ذاك الرسم، الذي يمثل محمدا [صلى الله عليه وسلم] بعمامة تنطلق منها قنبلة، استفزازا خالصا. إنه لم يكن رسما ضد الإسلاميين، بل هو كاريكاتورا يجعل من الإسلام رديفا للإرهاب، شبيه لحد ما بمن يجعل من اليهودية رديفا للمال. يُشاع أن شارلي تتهكم، وبشكل متساوٍ من كل الديانات، وهذا لا يعدو كونه كذبا. أكيد قد سخروا من المسيحيين وأحيانا من اليهود، لكن المؤكد أن لا الجريدة الدنماركية ولا شارلي سمحا لأنفسهما، وهذا شيء يُسعِد، للتعرض للنبي موسى في شكل ذلك اليهودي النمطي، بكيبا وظفيرتان، وهو واقف في رأس الشارع يمارس الربا الفاحش. ليس بالإمكان، في ظل الحضارة التي تسمى الآن "الحضارة اليهودية المسيحية" التحريض على الكراهية ضد اليهود كما كان سابقا. أنا مع حرية التعبير لكنني ضد كل أنواع التحريض العنصري. هناك رياح خبيثة، رياح نتنة لعنصرية خطرة تحوم حول أوروبا. هناك فرق أساسي بين أن يتم التهكم من ديانة الأغلبية المسيطرة في المجتمع، وبين النيل من ديانة الأقلية المستضعفة والتحريض عليها. في فرنسا والدانمرك وألمانيا وإسبانيا يعيش ملايين العمال المسلمين، ويقومون في غالب الأحيان بأعمال شاقة في أسفل السلم الإجتماعي. يجب على المرء [في هذه الدول] أن يتوخى أقصى درجات الحذر قبل انتقاد الإسلام، وبالأخص عدم تسفيهه ببذاءة. الآن، بعد المجزرة الرهيبة، تعاطفي يستحقه المسلمون الذين يعيشون في الغيتوهات المحاذية للمدن الكبرى، والذين هم عرضة لأن يصبحوا بدورهم ضحايا قتل شبيهة بتلك التي تعرض لها شارلي إبدو وسوق "إيبر كشير" [اليهودي]. ويبقى قدوتي شارلي الأصلي، شارلي شابلان العملاق والذي لم يستهزئ أبدا لا من الفقراء ولا من غير المتعلمين. * شلومو صاند أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب، ومؤلف كتاب "اختلاق الشعب اليهودي". يتمحور الكتاب حول فكرة أن اليهود ليسوا بقومية تنحدر من أصل عرقي واحد، وإنما هي أعراق مختلفة اعتنقت اليهودية. رابط المقال الأصلي: http://www.ujfp.org/spip.php?article3768&lang=fr