حضرت مساء يوم الجمعة 16 يناير 2015، بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالعاصمة الرباط، للقاء شعبي، من تنظيم مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، بمناسبة الذكرى الأربعينية لاستشهاد الوزير الفلسطيني "زياد أبو عين"، وذلك بحضور شخصيات وطنية وعربية وفلسطينية وازنة، تحت شعار: "زياد أبو عين... شهيد الأرض والزيتون". ولمن لا يعرف الشهيد "زياد أبو عين"، فهو قيادي في حركة فتح، خبر سجون الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي معا أكثر من مرة، حيث قضى أبو عين في السجون الأميركية والإسرائيلية 13 عاما، وكان أول معتقل عربي فلسطيني تسلمه الولاياتالمتحدة لإسرائيل عام 1981، رغم صدور سبعة قرارات من هيئة الأممالمتحدة تطالب فيها من الولاياتالمتحدة بالإفراج عنه، حيث حكمت عليه إسرائيل بالمؤبد عام 1982، وأخلي سبيله في عملية تبادلية عام 1985. قبل أن يتم اعتقاله مرة أخرى في نفس السنة، ضمن حملة سياسة "القبضة الحديدية" بأوامر مباشرة من رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الراحل إسحاق رابين. وقد استشهد "زياد أبو عين" يوم 10 دجنبر 2014، في نفس اليوم الذي كانت فيه الإنسانية تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو يشغل حينها منصب رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان برتبة وزير في السلطة الفلسطينية، حيث كان يقود مسيرة سلمية لغرس الزيتون في بلدة ترمسعيا برام الله، على أرض قررت سلطات الاحتلال مصادرتها وبناء مستوطنات عليها، لتعتدي عليه القوات الإسرائيلية بالضرب، وتعيق بشكل همجي حتى عملية إسعافه ونقله للمستشفى، ما عجل باستشهاده تحت وابل من القنابل الغازية. والحقيقة أن كلمات السفير الفلسطيني أمين أبو حصيرة، والناطق الرسمي لحركة حماس أسامة حمدان، جعلتني أقف على حجم المرارة الفلسطينية، وهم يرون العالم يهتز للجريمة الإرهابية التي راح ضحيتها صحفيو جريدة "شارلي إيبدو" في العاصمة الفرنسية باريس، دون أن يكترث أحد بجريمة أكثر همجية، كونها صادرة عن دولة احتلال، في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وفي حق وزير كان يريد فقط أن يغرس الزيتون. نعم من حق قادة العالم أن يهرعوا لشوارع باريس، للسير جنبا إلى جنب تضامنا مع الشعب الفرنسي، وتنديدا بالإرهاب، ولكن أليس من واجب نفس القادة أن يرفعوا أصواتهم ولو بالتنديد، ضد جريمة همجية في حق الوزير الفلسطيني "زياد أبو عين" الذي آمن بعملية السلام وباتفاق أوسلو، وتخلى حتى عن الحجارة في مواجهة آلة القتل الإسرائيلية؟؟؟ أليس من العار أن يمشي قادة العالم كتفا بكتف مع "نتانياهو" وهو قاتل الأطفال والنساء والشيوخ والصحفيين... بل قاتل حتى من وضعت إسرائيل يدها في أيديهم أمام أنظار العالم، وعاهدتهم على عملية سلام تفضي إلى حل الدولتين؟؟؟ إسرائيل يتساوى أمام رصاصها الفلسطينيون، والفلسطيني الجيد عندها هو الفلسطيني الميت. إسرائيل لازالت تحاصر لحد الساعة قطاع غزة، بعد أن دمرته في الصيف الماضي، مانعة على أبنائه الدواء والغذاء ومواد البناء، تاركة إياهم يقاسون برد الشتاء في العراء ينهشهم الجوع والمرض، في مأساة إنسانية يراقبها العالم بصمت مخجل. وإذا كان هناك من سيجد في مبرر خيار المقاومة الذي تنتهجه حماس مبررا لإغماض عينيه عن جرائم إسرائيل ضد أهل غزة، والتي ترتقي لمصاف جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، فما هو المبرر يا ترى الذي يمكن به تبرير جرائم إسرائيل اليومية في الضفة الغربية؟ وما هو المبرر الذي يمكن به تفسير اغتيال إسرائيل لياسر عرفات وهو من وقع معها اتفاقية السلام؟ إن ما وقع في باريس، من قتل وإرهاب، هو في جزء منه مجرد صدى لجرائم إسرائيل اليومية في حق الشعب الفلسطيني، وصرخة في وجه الظلم الذي يحكم منظومة العالم، ورفض لسياسة الكيل بمكيالين، فما بين دماء "زياد أبو عين" الرخيصة التي لا يبكيها أحد، ودماء "شارلي إيبدو" الغالية التي توحد خلفها العالم، تكمن مأساة العصر، وما لم تجد قضية فلسطين طريقها إلى الحل، سيظل التوتر سيد الموقف في كل العواصم، وسيظل الإرهاب مثل النار المستعرة، طالما توفر حطب الغضب الذي يغذيه إحساس جارف بغياب العدالة، وبسيادة منطق القوة والرصاص. -رئيس مركز الحريات والحقوق