خمسُ رسائل قرأها الباحث في الدراسات الأمنيَّة والاستراتيجيَّة، عبد الرحيم المنار السليمي، لوضع المغرب شرطا لمشاركته في مسيرة باريس ليوم الأحد، وذلك بأن لا ترفع فيها شعارات ورسومات من شأنها الإساءة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ونفذ المغرب شرطه بعدم المشاركة مكتفيا بتقديم التعازي من طرف وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار إلى الرئيس الفرنسي في مقر الرئاسة. الخبير المغربي يرى في حديث لهسبريس أنَّ قرار مقاطعة مسيرة "شارلي إيبدو" كان شجاعًا، أراد به المغرب أنْ يوصل أكثر من رسالةٍ، إلى المحيط كما إلى العالم؛ في ظلِّ تنامي التطرف، وعجز فرنسا العلمانية عن تدبير الحقل الديني ومجابهة مشاتل المتطرفين بها. الرسالة الأولى: أن المغرب بلد لإمارة المؤمنين، وأن الملك بصفته أمير المؤمنين لا يمكن أن يقبل بالمشاركة في مسيرة ترفع فيها رسوم مسيئة لجد أمير المؤمنين النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فبلاد إمارة المؤمنين تندد وتنبذ العنف والإرهاب ولكنها في الوقت نفسه لا يمكن أن تسمح بالإساءة إلى نبي الإسلام والى الدين الإسلامي الذي لا علاقة له بما حدث في باريس . الرسالة الثانية: أن المغرب يلعب دوره الإسلامي والعربي في حماية مقدسات الإسلام، فالعديد من المنابر الغربية تعاملت مع المسلمين كمتهمين في أحداث باريس الإرهابية ، والمغرب باشتراطه وانسحابه يعلن أن مشاركة المسلمين والعرب في مسيرة باريس ليست بحثا عن "صك " براءة وإنما هي نوع من التضامن الحضاري والتنديد بخطر مشترك يهدد المسلمين قبل الديانات الأخرى . الرسالة الثالثة: بلاد أمير المؤمنين مارست بهذا الموقف الولاية والنيابة في محيطها الإقليمي المغاربي والافريقي على دول فيها فراغ ديني، ولم تكن قادرة على مجابهة الاتهامات والاساءات للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن المغرب بموقف إمارة المؤمنين ساهم في دعم روحي ونفسي للجاليات المسلمة في كل بقاع العالم، فالدلالة النفسية والسيكولوجية مرتفعة جدا لأنها ستمكن الجالية المسلمة من الشعور والإحساس بان هناك إمارة المؤمنين الداعمة لهم في مرحلة صعبة تجتازها أوروبا في مواجهة التطرف . الرسالة الرابعة: موجهة لفرنسا نفسها مفادها أنَّ حقل امارة المؤمنين يمكنه أن يلعب دورا كبيرا في مساعدة الدولة الفرنسية على محاربة التطرف، فباريس باتت مشتلا لمتطرفين متشددين لن تستطيع فرنسا العلمانية الحد من تطرفهم، فحقل إمارة المؤمنين له القدرة وحده على التأثير داخل المساحات الروحية الفارغة التي تعاني منها العديد من الجاليات خاصة الفئات العريضة من الشباب الذي يعيش نوعا من الاضطراب والحيرة السيكولوجية والبحث عن المعنى ،مما يسقطه بسهولة في حاضنات التطرف. ويكفي هنا إعطاء مثال بان الكتاب الذي بيعت منه ارقام قياسية من النسخ في مجموعة من الدول الأوربية هو كتاب "اسلام المبتدئين "، بمعنى ان هناك طلبا على التدين البسيط لشرعنة التطرف، يقابله غياب للائمة وعلماء الدين مما يفتح المجال امام صعود دعاة الفتاوى المتشددة ،فالمجتمع الفرنسي يعرف بداية انشطار بين اليمين المتطرف والمتشددين المتطرفين من أصول اجنبية ،مما يستعجل الحاجة لبناء اليات للتوازن منها وجود اسلام معتدل ضابط للتوازنات داخل فرنسا. الرسالة الخامسة: أن المغرب يمد يده إلى فرنسا ودول أخرى في الجوار تعاني من فراغ ديني وباتت منتجة لفئات متعددة من المتشددين اكثر من أي وقت مضى، فالفراغ الديني في الجزائر مثلا سواء في الداخل الجزائري أو في أوساط الجالية الجزائرية في أوروبا يحتاج الى حقل امارة المؤمنين لتأطيره قبل حدوث موجات تشدد كبيرة في السنوات المقبلة من شانها التأثير على أوروبا ومحيطها. وأضاف السليمي أن "الجزائر تعاني من تقادم أيديولوجي لازال يحمل الحقد لفرنسا لأن الجيل الحاكم لم يتغير منذ الاستقلال،يقابل ذلك وجود فراغ ديني مهول يدفع بشباب جزائري في الداخل والخارج نحو السقوط بسهولة في أحضان "مشاتل " التطرف ،ويمكن إعطاء مثال هنا بمسار "حياة بومدين " و"سعيد وشريف كواشي " ذوو الأصول الجزائرية" يقول الباحث في الدراسات الأمنيَّة والاستراتيجيَّة. ويبدو أن السياسة الخارجية المغربية باتت، بحسب السليمي، مطالبة في العمل أكثر بالبعد الخارجي لإمارة المؤمنين للحد من مخاطر التطرف في المحيط المتوسطي والمغاربي، فالنموذج الداخلي الذي تم بناؤه خلال السنوات الماضية بات قابلا للنقل الى المحيط الإقليمي والمتوسطي.