عاد الحديث بقوة عن دور المساجد والتصوف وعلاقتهما بالسلطة في المغرب الى بؤرة التركيز بعد أن أبدت الدولة اهتماما زائدا بالطرق الصوفية مؤخرا.فهناك فريق يرى أن الدولة تستعمل الطرق الصوفية لاعادة ارتباط المغاربة بما يعرف باسم "الاسلام الشعبي" الذي افتقدوه أمام هجمة الاسلام المتشدد القادم من الشرق والذي زاد من انتشاره وسائل الاعلام خاصة الفضائيات والاقراص المدمجة.وهناك فريق اخر يرى أن اهتمام الدولة بالتصوف يأتي في اطار من الاستمرارية والتجديد لصيانة تراث ديني ثقافي ان وجد "فهو مؤهل لعلاج الغلو." جاء في رسالة وجهها العاهل المغربي محمد السادس في 19 سبتمبر أيلول الماضي الى المشاركين في الدورة الوطنية الاولى للقاء (سيدي شيكر للمنتسبين للتصوف) "انكم في لقائكم هذا كطائفة واحدة مشربكم واحد وقصدكم واحد.. خدمة الدين والوطن. أما خدمة الدين فمنهجكم القويم فيها يتمثل أساسا في الاعتصام بالكتاب والسنة واشاعة العلم وتهذيب النفس بالاكثار من الذكر.."وأما خدمة الوطن فتتمثل أساسا في القيام بالواجب نحو الامامة العظمى التي تمثلها امارة المؤمنين والحرص على خصوصيات المغرب الثقافية حتى لا تضمحل تحت تأثير كل المشوشات الدخيلة."والعاهل المغربي هو أمير المؤمنين حسب الدستور المغربي.ويدرج منار السليمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط المساجد والحركات الصوفية في اطار "الاسلام الشعبي أي أنه مرتبط بالبنية الاجتماعية للمجتمع."ويقول السليمي ان "طبيعة نظام الحكم في المغرب الوراثي كان لابد لها أن تتعامل مع الزوايا (المساجد) في اطار الاسلام الشعبي بحيث كانت تلعب الزوايا دور التأطير وادماج الفئات الضعيفة وفئات المعدمين في المجتمع."لكنه يضيف أنه في مرحلة ما بعد استقلال المغرب 1956 "الزوايا لم تعد تثير الاهتمام على مستوى النقاشات السياسية كما في السابق لعدة أسباب من بينها أنها لم تطور أدواتها مما جعل خطابها يفشل في الصمود أمام غزو الاسلام المتشدد القادم من الشرق مع بداية ثمانينات القرن الماضي بعد الثورة الاسلامية الايرانية بالاضافة الى تيارات أخرى كالسلفية الوهابية التي شجعتها الدولة في البداية لضرب التيار الشيعي."ويقول محمد ضريف المحلل السياسي المتخصص في الحركات الاسلامية لرويترز "بدأت الدولة تستعد لمواجهة المد الاسلامي المتطرف وهي مرحلة بعد العام 1979 تاريخ الثورة الايرانية وبدأت تلعب على تناقضات الحقل الديني اذ استعملت التيار السلفي الوهابي لمواجهة التشيع."وأضاف "لكن في العام 2001 بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدة تبين للدولة أن الخطر قادم من التيارات السلفية.. هنا بدأت (الدولة) تفكر في اعادة توجيه دور الزوايا."ويتفق معه السليمي في أن هذه المرحلة "تقوى الاسلام المشرقي وبدأت نزعات التطرف وشرعت الدولة في هيكلة الحقل الديني وتشجيع الزوايا للمحافظة على هذه التوازنات."وبدأ المغرب خطة لاعادة هيكلة الحقل الديني بعد تفجيرات الدارالبيضاء الانتحارية لعام 2003 التي أشارت فيها السلطات باصبع الاتهام الى جماعات اسلامية متشددة وخلفت 45 قتيلا بمن فيهم 13 انتحاريا الذين فجروا أنفسهم.ويقول المغرب ان خطة اصلاح الحقل الديني ليست مرتبطة بتفجيرات الدارالبيضاء الانتحارية.ويقول محللون ان خطة الاصلاح الديني في المغرب بدأت بعد الثورة الاسلامية في ايران وتخوف المغرب من امتداد تاثيراتها اليه.لكن تفجيرات الدارالبيضاء سرعت من وتيرة الاصلاحات لاخضاع الدين لهيمنة الدولة.ويرى محللون أن الزوايا أصبح لها طابع احتفالي بعد أن فقدت تاثيراتها وتراجع الدور الذي لعبته عبر التاريخ بدءا من نشر الاسلام الى الدور السياسي وقيادة الجهاد.ويقول السليمي "الفئات الفقيرة المهمشة بدأت تذهب الى الاسلام المشرقي نظرا لانتشار وسائل اعلامه وبثه عبر الشارع في حين بدأت الفئات الارستقراطية وهي أقلية تتجه الى الزوايا لممارسة نوع من التطهير الروحي عن طريق الاذكار والتخشع وكأننا أمام مزاولة نوع من اليوغا."لكن ضريف يرى ان هذا الاتجاه الجديد للزوايا أي ابتعادها عن السياسة واهتمامها بما هو روحي يصب في مجال اهتمام الدولة اذ تبين لها "أن الاسلام الرسمي ممكن تدعيمه من طرف الحركات المتصوفة لانه يقترب من تصورها."فعاهل المغرب "هو الذي له الحق في الجمع بين الدين والسياسة."ويضيف "التصوف أصبح مطلوبا منه أن يقدم تصور الدولة عن الاسلام المنفتح المعتدل الذي لا يتدخل في السياسة."وفي هذا الاطار يقول أحمد التوفيق وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية لرويترز "التربية على السلوك الصوفي تلتقي مع المجهود المنتظر لاعادة اكتشاف قيم فاعلة لا يجوز أن يجهلها الشباب حتى لا يظن أننا بحاجة الى استيرادها من منابع أخرى."واذا كان التوفيق يعتبر أن اهتمام الدولة بالتصوف ليس جديدا وانما هو "اهتمام في اطار الاستمرارية والتجديد اذ أن المغرب لا يمكن أن يترك تراثا نفيسا في هويته الدينية يندثر فهو من جهة أخرى يرى أن هذا الاهتمام "مقترن بالسكينة وبالغيرة لذلك فهو مؤهل لعلاج الغلو اليوم كما عالجه بالامس ومن ثم فلا يتعلق الامر برد فعل بل بفعل مستمر."غير أن هذا الدور الذي تعول عليه الدولة اي معالجة الغلو يعتبره المحللون سلاحا ذا حدين اذ من المفروض أن يكون شيوخ الزوايا "متسيسين" للقيام بهذا الدور.ويقول ضريف "الدور الذي أصبحت تطلبه الدولة من المتصوفة لا يمكن أن يقوموا به الا اذا كانوا متسيسين."وأشار الى بيان رد فيه الشيخ حمزة رئيس الزاوية البودشيشية على ناديا ياسين كريمة الشيخ عبد السلام ياسين زعيم أكبر تنظيم اسلامي معارض غير معترف به (العدل والاحسان) حينما صرحت لجريدة مغربية في عام 2005 انها تفضل النظام الجمهوري على النظام الملكي. واستنكر الشيخ حمزة من لهم موقف ضد النظام الملكي.ويقول ضريف "اهتمام الدولة بالحركات الصوفية سيساهم في تسييسها وهذا سيخلق لها طموحا وبالتالي تبقى كل السيناريوهات محتملة وممكن أن يخرج التطرف من داخل الزوايا."من زكية عبد النبي