دعا محمد الشلوشي، أستاذ التعليم الابتدائي بالقصر الكبير، إلى التفكير بجدية بالغة في حماية الأمن الفكري لتلاميذ وطلاب المملكة وبصرامة تربوية كافية تكفل "إعداد جيل فخور بمغربيته وثوابته، وقادر على ضمان مكان آمن له في عالم قلق يموج بتطورات متسارعة للأحداث إقليميا وعربيا ودوليا، وبأشكال صادمة من العنف والفوضى الخلاقة لم تشهد لها العقود السابقة مثيلا". ولفت الشلوشي الانتباه عبر مقال توصلت به هسبريس، في سياق الهجمات الإرهابية التي تعرّض لها مقر جريدة فرنسية وأودت بحياة 11 فرداً، إلى أن شباب المغرب غير بعيد أو محصّن من هذه الأحداث، مورداً مؤشرين هامين يمكن أن يُظهرا إلى أي حد "على المغرب التلقيح الفوري ضد ما يقع من استقطاب مذهبي وطائفي وديني". المؤشر الأول هو احتلال المغرب لموقع متميز بين الدول العربية في استخدامات وسائط التواصل الاجتماعي بمختلف اشكالها وبكثافة، "ما يجعل رياحا شرقية كثيرة تدخل عقول أبنائه". والمؤشر الثاني حسب الأستاذ هو الأرقام الرسمية المفزعة لعدد المغاربة الذين انتقلوا للقتال في العراق والشام. وطالب الاستاذ الشلوشي بضرورة الإسراع ب"إخراج مذكرات وزارية تمنع أساتذة وأستاذات التعليم، خصوصاً في التعليمين الاعدادي والثانوي، من التعليق على الأحداث السياسية داخل الفصول التربوية، أو إعلان مواقف سياسية أو مذهبية أو طائفية أو عرقية بأية طريقة للتلاميذ، أو السعي نحو التأثير والاستقطاب والتوجيه الخفي بأي شكل من الأشكال، مع ايفاد لجان تفتيش وتتبع للحالات المستعصية وهي معروفة". واستطرد الشلوشي:"تقتصر مهمة الأستاذ فقط على مشاركة التلميذ المنتوج التربوي وتدريبه على قيم الحوار ودافعية تطوير الذات وأنماط التفكير لديه فقط دون أن تتعداها لدسّ سم القناعات الخاصة ولو في المظهر الخارجي". موضحاً أن "تجفيف مستنقع التطرف الديني والفكري لا يتحقق ببناء الثانويات وتغيير المناهج الدراسية فقط، بل بالحرص على إيصال الرسالة التربوية سليمة للنشء من طرف كل الفاعلين التربويين دون أن تلتصق بها شوائب الإيديولوجيا المتعفنة يمينا أو يسارا" ونادى الشلوشي بالموازاة مع ذلك إلى عقد تكوينات مستعجلة لأساتذة التربية الاسلامية واللغة العربية والفلسفة لبلورة رؤية مشتركة لكثير من المفاهيم الدينية والقيمية التي أصبحت "تربك واصفيها ومحلليها كالمقاومة والجهاد و التسامح وتقبّل الاخر" لتحقيق فهم صحيح للإسلام وقيمه المبنية على الوسطية والاعتدال، مع "تشجيع الدرس الفلسفي بالثانويات المغربية تدريسا وتأطيرا وتأليفا وفق منظور حداثي عقلاني". مؤكدا على ضرورة "تقاسم نتائج البرنامج الاستعجالي لوزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية والتكامل مع جهودها لتحصين المجتمع من كل انحراف وتطرف فكري" . وفضلاً عن ذلك، طالب الاطار التربوي ذاته ب"إحداث خلية يقظة مركزية بوزارة التربية الوطنية للاطلاع على كل المستجدات التي قد تهدد الأمن الفكري للتلاميذ والتلميذات، والعمل على معالجتها فورا من خلال استعمال التقنيات الاعلامية والتكنولوجية المتطورة لتحديد كل ما من شأنه الاضرار بالتوازن النفسي والسلوكي للتلاميذ والتلميذات". أما على المستوى الاستراتيجي فقد طالب الشلوشي بضرورة إعادة النظر في المناهج الدراسية ككل، على اعتبار أن المجتمع المغربي عرف خلال العشرية الأخيرة "قفزة كبيرة على مستوى القيم والعادات وأساليب الحياة اليومية وطرق العيش بالمدن والقرى والانفتاح على الثقافات المختلفة نتيجة الانفجار الهائل لوسائط الاتصال وذلك لخلق توافق بين القيم المستجدة للمجتمع المغربي من جهة وحاجات سوق العمل من جهة أخرى بما يقلص هامش الحاضنة الطبيعية للتطرف : البطالة والفقر". واعتبر الاستاذ الشلوشي في ختام مقاله أن الأمر "ليس ترفا، بل واجبا مستعجلا"، مذكراً ب"مجهودات الراحل الحسن الثاني حين حمى المغرب من لوثة القومية العربية المتعصبة التي كانت تحبل بها مصر عبد الناصر وجزائر بومدين، لمصلحة المستقبل الاستراتيجي للبلد، بعدما كانت فاس ومراكش والبيضاء تهتز على طبل القاهرة زمن الستينات وبداية السبعينات ".