نعيش نهاية هذا الأسبوع على وقع ميلاد عيسى ابن مريم عليه السلام، و محمد بن عبد الله، صلى الله عليه و سلم. مناسبتان لا يفصل بين الاحتفال بهما سوى يومين قصيرين. نحن نحتفل مع النصارى برأس السنة، بكل أشكال الابتهاج و الفرح و البدخ، حتى أننا أصبحنا أكثر نصرانية منهم. بل منهم من يتضايق منا لأننا نزاحمهم أفراحهم. كما أن كثيرا منهم يسخرون منا، معتبرين أن "الريفييون" و " و سان سيلفستر" شأن بعيد عن ديننا. في يوم نهاية السنة الميلادية التي تصادف الاحتفال بالبابا سيلفستر. منا من يهيئ عشاء ليلة عيد الميلاد. و يحضر "مولانا" بابا نويل الذي يخرج من المدفئة لتوزيع الهدايا على أطفاله. و يزين شجرة اللبلاب - التي اشتراها بعناية- بالأنوار، و الثمار أو الكرات الحمراء التي ترمز إلى دم المسيح، و يزركشها بالأشواك التي ترمز لتاج عيسى عند محاكمته و صلبه. نعم لقد صار "مسعود" أكثر نصرانية من " روبين هود"، فبعد تناوله كعكة رأس سنة، و احتساءه كؤوس الشامبانيا، و الخمر المعتق و المركب ، يخرج للشوارع معربدا، في اتجاه الحانات و المراقص الليلية، متسببا في حوادث سير مميتة. مشاركا في شجارات مع "هاجوج و ماجوج" قد تتطور لحرب عصابات، و سبب لس إلا تلك العاهرة "المصونة" التي لم يحترم الطرف الآخر مقامها و أخلاقها الحميدة. في هذا الوقت يكون جل النصارى المتدينين قد غطوا في نوم عميق، مرددين النفس في خياشيمهم شخيرا، تأهبا للقيام باكرا و التزين باللباس و الطيب لحضور قداس فاتح يناير بكنائسهم. يأبى مسعود الذي لم يغمض عينيه بعد، إلا أن يزيل"الثمن" في العاشرة صباحا باحتساء قنينة من الخمر الرخيصة الملقبة ب "الفراكة" أو " بو بادر" في مبادرة إنسانية منه لقفل مراسيم الاحتفال بميلاد عيسى. فينتهي احتفاله بالمستعجلات، و الكوميساريات، و المقابر، حاملا معه سخط و لعنات الجيران، الذين لم يعرفوا للنوم طعما من جراء مغالاته في النشاط، و الرقص و الغناء و القهقهة. أتذكر قصة طريفة عاشها حينا خلال احتفالات السنة الماضية. فعند حدود الساعة الثالثة صباحا من فجر رأس السنة، بينما كنت في سبات عميق، قفزت من فوق سريري على وقع زلزال ضرب الحي، و دوي مدافع، فقلت "لقد أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة" و هرولت مسرعا خارج المنزل، فارا بجلدي حتى لا يقع سقف المنزل على رأسي. فصادفت بنعيسى عريانا حفيانا كيوم ولدته أمه، ينزف دماء، بينما أمه تتبعه من الخلف مرددة " نعل الشيطان آ بنعيسى، نعل الشيطان" فسألتها بفضوليتي المعهودة " مالو" فأجابتني" لا راه غير بنعيسى ناشط". فقفلت راجعا لمنزلي لأزف البشرى لأهل الدار "ما تخلعوش راه غير بنعيسى ناشط، و حالف حتى انشطو معاه". و حمدنا الله، تلك الليلة، أن بنعيسى " كان غير ناشط و ماشي مقلق" و إلا لكان للموقف تطورات لا ترجى عقباها. أما الاحتفالات بعيد المولد النبوي الشريف التي تتميز بالصلاة على المصطفى، و تنظيم حلقات الذكر و المديح و السماع الصوفي، و زيارة الأهل و الأحباب، و عيادة المرضى. فلا يعرفها النصارى و لا تعنيهم شيئا، و لا يعيرونها نفس الود الذي يغالي فيه بعضنا، حتى صار أكثر مسيحية منهم. إننا بإدخال شجر اللبلاب المزينة بالكويرات الحمراء و الشوك لمنازلنا، نخالف دين الإسلام، الذي يقول" و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم". إن التقليد الأعمى للغرب يعبر عن انتكاس نفسي و انهزامية أمام إغراءاته. بل هو ظاهرة سيكولوجية، يصعب التخلص منها. و عقدة نفسية أشد من عقدة أوديب نفسها. لقد أصبح الغربي على صواب في كل ما يفعله، و ما علينا إلا تقلديه بهدوء أعصاب. حتى أن "موسيو جاك" إذا نطق إسم "محمد" بالخاء فتصير"مخمد" فلا حرج عليه لأنه ليس عربي. بينما على بوعزة أن ينطق " ريشارد" بفرنسية سليمة، و لا حق له في نطقها "رايتشارد" و إذا أترتكب هذه الجريمة في النطق، فإنها لن تغتفر له من بني جلدته. حلال عليهم حرام علينا. "الموسيو ريشارد" يدخل الحدود المغربية، كأنه" داخل لدار باه"، بينما على بوعزة إذا أراد الذهاب لأوربا، أن يأخذ موعدا من القنصلية، و يتحمل المعاملات الا إنسانية، و يخضع لجلسات الاستنطاق لقياس مسافة علاقته بالإرهاب و داعش، و تنظيم القاعدة، ويرضخ لأخد الصورة و البصمات، ويؤدي واجبات الفيزا، سواء ظفر بها أو "كردعوه". "الموسيو ريشارد" وإن كان "مقملا و معمشا و خانز السليب" يعيش في الزبالة، و يأكل من قمامات الأزبال في باوروبا، فله مكان كبير بيننا، فقط يكفيه زيارتنا. سيجد من تأويه، و تشتري له " سانسات من الزطلة" ل"يتبنج" بها. ستحبه بعضهن، و تعطف عليه الأخريات، أملا أن تحتفل معه إحداهن في السنة المقبلة بأعياد الميلاد هناك بأوروبا، دون أن ترى "كمارة" بنعيسى الذي يأبى إلا أن يكهرب عليها أجواء الاحتفال. الحديث عن بنعيسى، يذكرني بمسعود، ففي صباح عيد المولد النبوي، يقوم مسعود ليمارس طقوس العيد. يفطر بالحلوة "الفيلالية"، و "بغرير بالعسل"، و يلبس الجلباب الأبيض و البلغة الصفراء، يحرص بعناية فائقة على تناغم لون الجلباب و المحصور المرصع ب " السفيفة". ثم يذهب للمسجد ليصلي الظهر مع الجماعة، لعله يظفر بمزيد من الحسنات. و لا يفوته ذلك اليوم التوجه للمقبرة للترحم على والدته التي كان سببا مباشرا في موتها، بعد ان ارتفع ضغطها الدموي مسببا لها نزيف دماغي لم ينفع معه علاج، ذات يوم رأس سنة طبعا. ثقوا بي أن الاستعمار لم يخرج بعد من بلادنا. لقد أفل عصر الحجر و الحماية من فوق الأرض، و ربض معششا فوق رؤوسنا و كأن عليها الطير. فمتى الإنعتاق؟ و أنا أحرر هذا المقال الآن، ألقيت نظرة من نافدتي التي تطل على الحي، فصادفت بنعيسى عائدا من السوق التجاري، و هو يحمل" جوج ميكات كبار" في يديه. أعرف العائد من ذلك السوق من نوع "الميكات". لعل بداخلهما خضر و فواكه...الظاهر أنني سأنام في أمان هذه الليلة عيدكم مبارك سعيد