"فيها المْلْح والسكّر أُومابغاتش تْمُوت"، على شاكلة عنوان الفيلم الشهير لمخرجه المغربي حكيم النوري، تأبى حكومة عبد الاله بنكيران إلا أن تسجل في رصيدها عددا من الملفات الشائكة التي طالت عددا من وزرائها، وصلت لحدّ "الفضيحة"، دون أن يتحرك قائد الائتلاف الحكومي لأجل فتح تحقيق "نزيه" ومحاسبة المتورطين بشكل جديّ ودون أي تماطل أو تساهل، كما حصل قبل أيّام مع وزير الشبيبة والرياضة، محمد أوزين، الذي طاله عقاب ملكي علّق أنشطته بسبب فضيحة ملعب مولاي عبد الله بالرباط. ورغم أنه "في كل مرة كانت تسلم الجرّة"، إلا أن "الثالثة ثابتة" مع الوزير الوسيم الذي لم يسعفه التحقيق الذي أشرف عليه شخصيّا للبحث في تحول ملعب صُرف عليه أزيد من 22 مليار سنتيم، إلى بِرك مائيّة عمد المستخدمون إلى مداراتها ب"السطل" و"الكراطة"، ما حوّل المغرب، ليلة السبت ما قبل الماضي (13 دجنبر) إلى "شوهة" عالمية، ستحتفظ بها ذاكرة "الفيفا" وجماهير الكرة المستديرة في المعمورة لسنوات وعقود. والملاحظ أن لعنة الفضائح لازمت وزراء حزب الحركة الشعبية في غالب الحالات، ابتداءً من فضيحة "الشكلاط" مع الوزير عبد العظيم الكروج مروراً بفلتة "روبي وبرلسكوني" مع الوزير محمد مبديع وصولاً إلى فضيحة "السطل والكراطة" مع الوزير محمد أوزين، إلى جانب ملف "البريمات" المرتبط بالوزير صلاح الدين مزوار، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار.. إلا أن القاسم المشترك بين كل تلك الملفات يبقى: حقائق تنشر في الجرائد، وتحقيقات تفتح، منها ما أقفل دون نتيجة ومنها ما ظل مفتوحاً، مقابل مطالب شعبية ظلت تنادي بإقالة المتورطين ومحاسبتهم دون أي سميع ولا رقيب، باستثناء فضيحة "المونديالتيو".. أوزين وعار "الطابور الخامس" "الطابور الخامس"، جملة اسمية من كلمتين ظلّ يرددها محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة، كثيرا وهو يردّ على اتهامات مسّت مهامه داخل القطاع في السنوات الثلاثة الأخيرة، خاصة حالة المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله، الذي جُهز لاحتضان نصف مباريات كأس العالم للأندية الذي تشرف المغرب باحتضانه للسنة الثانية على التوالي؛ فبعد الأمطار الأولى التي أغرقت الملعب وأظهرت تضرره قبل الموعد العالمي، خرج وقتها أوزين ليتهم من أسماهم "الطابور الخامس"، ب"سوء النية وغياب روح المواطنة.. والخبث.. وتصوير البلاد بسوء لصالح أجندات خارجية". بعد الفضيحة الثانية التي طالت الملعب، أثناء مباراة "ويسترن سيدني" الأسترالي، و"كروز أزول" المكسيكي، لم يتحدث الوزير كثيراً، أمام موجة الغضب التي أطلقها المغاربة ضد وزارته و"الشوهة" التي لحقت صورة المغرب أمام أنظار العالم، بل شكل لجنة تحقيق، حتى أنه أقال عددا من مسؤولي وزارته وأوقف مدير المركب الرياضي، إلى أن تراجع عن ذلك بطلب من رئيس الحكومة. قبل أن تصل نتائج تقرير وزارة أوزين لمكتب بنكيران، الأخير الذي استبعد صفة "الكارثة الوطنية" عن فضيحة "البرك المائية"، جاء القرار الملكي بتعليق أنشطة وزير الشباب والرياضة، المرتبطة بكأس العالم للأندية لكرة القدم، أمر خلاله الملك من عبد الإله بنكيران فتحَ تحقيق معمق وشامل لتحديد المسؤوليات. عديد من المغاربة قرؤوا في قرار القصر تجاوبا ملكيّاً مع مطالب شريحة غالبة منهم في "إقالة" أوزين واستجابةً لنبض الشارع الغاضب من تشويه صورة المغرب أمام أنظار العالم، فيما رأى فيه البعض الآخر "ردّا مُبطنا" على موقف رئيس الحكومة، المتساهل من الفضيحة، فيما طالب البعض الآخر بالتريّث إلى حين ظهور نتائج التحقيق، وعدم جعل أوزين "كبش فداء"، الوزير الذي سبق له أن قال يوماً أمام البرلمان "من هو أوزين.. فليذهب إلى الجحيم ويعيش المغرب وماتقاش صورة المغرب". مزوار و"البريمات" لم يكن يدري رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أن انضمامه للنسخة الثانية من حكومة بنكيران صيف 2013، كوزير للشؤون الخارجية والتعاون، سيطمر معه ملف ما وصف وقتها ب"فضيحة" العلاوات والتعويضات الخيالية التي اتّهم بتبادلها مع الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، وقت كان مزوار وزيرا للمالية في حكومة عباس الفاس السابقة، حيث توبع مُوظّفان بتهمة إفشاء السِرّ المهنيّ، مقابل خروج مزوار وبنسودة من الملف كالشعرة من العجين دون أي نفي أو تأكيد لتلك الاتهامات. تعود تفاصيل القضية، التي تحدثت عنها وسائل الإعلام كونها "فضيحة سياسية" همّت تبادل منافع الدولة دون سند قانوني، حين اتهم عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية "وزيراً للمالية سابقاً" بتلقي تعويضات "خيالية"، قبل أن تعمد بعض جرائدُ وطنية إلى نشر وثائق وصفت ب"السرية والحساسة" على صفحاتها، تهمّ تعويضاتٍ خياليّة حصل عليها كل من وزير المالية الأسبق، صلاح الدين مزوار، وبلغت قيمتها 80 ألف درهم شهريّا، وكذا خازن المملكة، نور الدين بنسودة، بقيمة 98 ألف درهم شهريّاً. إلا أن القضية اتخذت مساراً آخر، حيث توبع كل من محمد رضا، الموظف السابق بوزارة الاقتصاد والمالية، وعبد المجيد الويز، موظف سامٍ بالخزينة العامة للمملكة، أمام المحاكم بتُهمة "إفشاء السّر المهني والمشاركة فيه"، عوض فتح تحقيق في القضية، كونهما الجهة المسؤولة عن تسريب تلك الوثائق للصحافة، حيث أفضت أزيد من 15 جلسة إلى براءة الأول والسجن شهرين مع وقف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 2000 درهم، في حق الثاني. مزوار، الذي كان وقت الحديث عن "الفضيحة" في صفّ المعارضة، قال إن تلك الوثائق لم تكن سرية بل "داخلية جرى التوقيع عليها في إطار قانوني"، وتدخل في سياق نظام التعويضات المعمول به بغرض "تحفيز الأطر وتشجيعهم على التحلي بالنزاهة"، قبل أن يخرج أفتاتي في تصريح صحفي ينفي فيه قصده لصلاح الدين مزوار، معلنا وقتها استعداده لتقديم "60 اعتذارا رسمياً لمزوار إذا شعر أن مداخلتي أساءت إليه"، ليطوى الملف كالعادة بهدوء، بعد أن أثار ضجة سياسية وإعلامية. الكروج و"شكلاط" المادام.. وزير اقتنى شكلاطة وحلويات بقرابة 34 ألف درهم من حساب خزينة الدولة، بطلب من والدته التي رغبت في الاحتفاء بها لمناسبة عائلية لم تكن سوى مولود جديد لابنها الوزير.. سهام الاتهامات ظلت تتوجه هنا وهناك.. اعترف الوزير بالقصة وحمّل المسؤولية لسائقه.. فُتح تحقيق ولم تظهر نتائجه لحد الآن ليغلق الملف.. كانت هذه حلقة "فضيحة لشكلاط" التي كان بطلها عبد العظيم الكروج، يوم أن غادر منصبه الوزاري من وزارة الوظيفة العمومية نحو وزارة التربية الوطنية، داخل نسخة الثانية من حكومة بنكيران. تعود تفاصيل الفضيحة يوم 10 أكتوبر 2012، أي يوم الاستقبال الملكي للحكومة في نسختها الثانية، حين كشفت وسائل إعلام فاتورة تثبت اقتناء الوزير السابق المكلف بالإدارة العمومية، عبد العظيم الكروج، من أحد أكبر المتاجر في العاصمة الرباط لكميات من الشوكولاطة بلغت 3.5 كيلوغرامات بقيمة 4 آلاف درهم، ومعها 27 ألف درهم من الحلويات إلى جانب كأس فضية بقيمة 2575 درهم.. الوزير "الحركي" الشاب، الذي تقلّد وقتها مسؤولية التكوين المهني منتدبا بوزارة التربية الوطنية، ظل ساكتاً وأخذ وقته في التفكير قبل أن يعقد ندوة صحفية، اعترف خلالها أن خلطاً وقع في الأمر، وحمّل مسؤولية "الخلط" إلى سائقه، بداعي أن المحل التجاري تعامل معه "ولم يميز بين طلب الوزارة والعائلة". ككل مرة، فُتح تحقيق في الواقعة من طرف وزير الوظيفة العمومية، محمد مبديع، زميل الكروج في حزب "الحركة الشعبية"، كشف أن الفاتورة كانت آخر وثيقة يوقعها الوزير السابق للوظيفة، وأن المحل المعروف بمدينة الرباط الذي اقتنيت منه الحلويات، هو نفسه المحل الذي تتعامل مع وزارة الوظيفة العمومية لاقتناء الحلويات لضيوفها، في حين توجهت أصابع الاتهام إلى ما قيل أنه "موظف سام" بالوزارة تكلف بنقل الحلويات إلى المصحة التي وضعت فيها زوجة الوزير مولودها، والذي لم يكن إلا سائق الوزير.. مبديع وروبي وبرلسكوني زلة لسان لم يكن يدري الوزير الحركي، محمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة، أن تُحدث ضجة عالمية، حين برّأ، من حيث لا يعلم، رئيس الحكومة الإيطالية السابق، سيلفيو برلسكوني، من تُهمة ممارسته الجنس مع الراقصة المغربية كريمة محروق، ابنة الفقيه بن صالح والشهيرة ب"روبي"، لاعتبارها قاصراً وقت الواقعة في العام 2011، حين صرح في حوار صحفي أنه وقّع شهادة ميلاد كريمة في الحالة المدنية سنة 1992، حيث كان، ولا يزال، رئيساً لبلدية الفقيه بن صالح. وتابع مبديع وهو يشدد في تصريحه بأن "برلسكوني بريء" وأن روبي "لم تكن قاصرا وقت ممارستها الجنس معه"، داخل مقر سُكناه بنواحي مدينة ميلانو الإيطالية عام 2011.. إلا أن تصريحات الوزير الحركي، القادم وقتها (أكتوبر 2013) حديثاً على حكومة بنكيران بعد ترميمٍ طالها على إثر خروج حزب الاستقلال، أحدثت زلزالا في إيطاليا وفجرت جدلا واسعاً تناقلته وسائل إعلام البلد الأوروبي، خاصة بعد أن طالب دفاع برلسكوني بفتح تحقيق جديد في تصريحات الوزير المغربي. نقطة الإثارة ظهرت حين أقحم مبديع الخارجية المغربية في الملف، حيث قال بلسانه في حوار صحفي "اتصلوا بي من القنصلية المغربية من ميلانو، وطلبوا مني إرسال وثائق صحيحة ونسخة من سجلّ الحالة المدنية.. فأرسلتها لهم عبر الحقيبة الدبلوماسية حتى لا تتعرض للتزوير"، وهو ما اعتبر وقتها توريطاً للمغرب في قضيّة أخذت طريقها في أسلاك القضاء الإيطالي. يعود مبديع المثيرُ مرة أخرى ليثير خرجة جديدة، حملت نفيَه لكل تلك التصريحات السابقة للصحافة، وهو ما دفع الصحافيّة التي أجرت الحوار معه في إحدى الجرائد الوطنية بنشر تسجيل صوتيّ للمحادثة على موقع "يوتيوب"، يضم كل تلك الاعترافات، ما جعل الوزير الحركي في صدمة أدخلته في مرحلة سُكونٍ، طُوِيَ معها الملف. الغريب في قضية روبي وبرلسكوني، أن الأخير أدين في يونيو 2013، بتهمة إقامة علاقة جنسية بمقابل مادي مع الأولى، "دون السنّ القانوني" أي في ال17 عاماً، وحُكم عليه ابتدائياً بالسجن سبع سنوات مع الإقصاء عن الحياة العامة، إلا أن الحكم الاستئنافي جاء بالبراءة لرئيس الحكومة الإيطالية الأسبق، بعد أن تلقّت المهاجرة المغربية مبلغاً من المال تجاوز 6 ملايين أورو، كاتفاق تنازلت بسببه عن القضية، فيما لا تستبعد الصحافة الإيطالية أن تكون لتصريحات مبديع دخلٌ في هذا التنازل المثير. بنكيران ووزراء لوّحوا بالاستقالة في غشت 2012، اهتز المغرب على وقع فاجعة مقتل 42 شخصاً وإصابة العشرات في حادث انقلاب حافلة للركاب في الطريق الرابطة بين مراكش وزاكورة٬ ورغم أن وزير التجهيز والنقل، عبد العزيز الرباح، عزى الحادث إلى "عامل بشري" وأمَرَ بفتح تحقيق، كشف رئيس الحكومة عبد الاله بنكيران عن سابق "تفكيره" في تقديم الاستقالة بعد الحادثة، متسائلا وقتها "ألا يقتضي مثل هذا الحادث من الحكومة أن تستقيل؟". وسبق لوزير التعليم العالي، لحسن الداودي، أن هدد باستقالته بعد أن رفض بنكيران قراراً له يقضي بإلغاء مجانية التعليم العالي لأبناء الأثرياء عبر فرض رسوم للتسجيل.. ليبقى القرار في عداد "غير المرغوب فيهم"، ويبقى الوزير الإسلامي في وزارته، نافياً تهديده بالاستقالة. على النحو ذاته، ذهب وزير العدل والحريّات، مصطفى الرميد، إلى الكشف عن قرار الاستقالة مَرّتَيْن، أولاها تعود لضغوطات تعرّض لها على إثر قرار اتخذه قاضي التحقيق لفتح المتابعة في ملف خالد عليوة، المتهم بتجاوزات في تدبير البنك العقاري والسياحي، فيما تمثلت الاستقالة الثانية التي وضعها على طاولة بنكيران دون قبولها، في مِلفّ عرف تدخل "شخصيّة نافذة".. وزير التعمير والسكنى وسياسة المدينة، نبيل بنعبد الله، خَرج بدوره مهددا بتقديم استقالته للحكومة، بعد الفاجعة التي هزت الدارالبيضاء في ماي 2012، على إثر سقوط 3 منازل خلفت مصرع 5 أشخاص، موضحاً إنه سيلوح ب"مع السلامة" إذا ما وقع حادث مماثل لفاجعة البيضاء، بشرط أن يحصل على ما يكفي من الوقت حتى يتحمل المسؤولية.. تستمر فواجع الفيضانات القاتلة وحوادث السير المُميتة، وتنهار المنازل تباعاً في الدارالبيضاء وفاس وآسفي، ويبقى وزارء الحكومة في مناصبهم، وهم يُحمّلون المسؤولية في تلك الكوارث التي تطال أرواح وحياة المواطنين، إما لعامل بشري أو تركة سيّئة ورثوها عن الحكومات السابقة أو قدر إلهي حلّ على البلاد.. فيما ينتظر المغاربة قراراً ملكيّاً يعبر عن مطالبهم الضاغطة، كما حصل مع "فضحية كالفان" وإقالة مندوب إدارة السجون، حفيظ بنهاشم، و"فضيحة الموندياليتو" و"نصف إقالة" وزير الشباب والرياضة، محمد أوزين.