سافرتُ مؤخراً من المغرب نحو ولاية إنديانا الأمريكية، لقيادة صلاة جنازة ''بيتر كاسيغ''، عامل الإغاثة الأمريكي الذي ذُبح على يد إرهابيي ما يسمى بتنظيم " الدولة الإسلامية ". وبالنيابة عن الشعب السوري، قدمت التعازي لوالدي كاسيغ، وأثنيت على جهوده البطولية، وكان هذا أقل ما يمكنني فعله من أجل رجل أمريكي شجاع تخلى عن حياته المريحة في الولاياتالمتحدة لخدمة المدنيين اليائسين في سوريا التي مزقتها الحرب. من سوء الحظ أن الدولة الإسلامية قطعت رأس بيتر بوحشية، الرجل الذي كان يُعرف باسم عبد الرحمان كاسيغ بعد اعتناقه الإسلام، غير آبهة بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم القائل فيه ''ارحموا من في الأرض يرحمكم في السماء"، ممّا يوضح كون هذا التنظيم لا يعمل أبداً بتوجيهات ومبادئ الدين الإسلامي. من المرجح أن "الدولة الإسلامية" هي المجموعة الأكثر تطرفاً في تاريخ الإسلام، ويمكن مقارنتها مع طائفة خوارج القرن السابع، الذين أعدموا بحماسة حتى إخوانهم المسلمين بحجة الردة، لدرجة أن المسافرين المسلمين عبر أراضي الخوارج ادعوا أحيانا أنهم وثنيون للإفلات منهم. وبالمثل قامت "الدولة الإسلامية" بذبح المسلمين بوحشية بسبب دعوة بعضهم للديمقراطية، على الرغم من أن الكثير من علماء أهل السنة أكدوا أن الديمقراطية متوافقة مع الإسلام. كما يقوم التنظيم أيضا بالتطهير الطائفي في حق كل من اليزيديين والمسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى، على الرغم من كون الفقه السني يدعو لحماية حقوق غير المسلمين. وقد أدان علماء المسلمين السنة في جميع أنحاء العالم جرائم "الدولة الإسلامية"، ودحضوا حججها الواهية. انضممت إلى أكثر من مئة آخرين من العلماء المسلمين البارزين لإصدار فتوى أو مرسوم إسلامي، يدحض الفكر المنحرف ل"الدولة الإسلامية" من وجهة نظر الفقه الإسلامي، لنبيّن كيف أنها تلاعبت بمجموعة كلمات من القرآن الكريم والسنة النبوية. وفي بيان نشرته الشهر الماضي، ذكًّرتُ أن المسلمين لديهم واجب أخلاقي بتحذير رجال القانون إذا كانوا يعرفون أي شخص يفكر في الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية. ومع كل ما تم فعله، فما زال هناك الكثير للقيام به لهزيمة "داعش"، فنحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات جادة لحرمانها من اتخاذ أي مبرّر سياسي لتواجدها على الأراضي السورية، وأولى هذه الخطوات، القضاء على نظام الديكتاتور بشار الأسد. لعدة قرون، كانت مسقط رأسي ''دمشق'' الشهيرة، منارة للتعايش الديني بين السنة والشيعة واليهود والمسيحيين.و في عام 1944، أي قبل ما يقرب عقدين من الزمن قبل إصدار الولاياتالمتحدة لقانون حق التصويت، وأكثر من نصف قرن قبل أن ينتخب الأميركيون باراك أوباما رئيساً، اختار السوريون فارس الخوري، المسيحي البروتستانتي ليكون رئيس وزرائهم. واستندت الانتفاضة السورية عام 2011 على الرغبة في العودة إلى ماضينا الكبير، حيث كانت حركة الاحتجاج مكوّنة من سوريين من جميع الأديان، فكل السوريون خرجوا من جميع المشارب إلى الشوارع يهتفون بالحرية والديمقراطية، لكن نظام الأسد قام بإجراءات صارمة وخروقات لا توصف. فقد قتل أكثر من 200 ألف شخص، كما نشر النظام ترسانته كاملة واستعملها، بما في ذلك القنابل والغاز ضد المدنيين. وبسبب ذلك نزح أكثر من 9 ملايين سوري، من بينهم أكثر من 3 ملايين لاجئ، وتعرض الآلاف للتعذيب حتى الموت من قبل الموالين له. إذا كان الغرب يريد حقاً تدمير "الدولة الإسلامية"، فينبغي عليه إخضاع نظام الأسد من خلال الضغط الدبلوماسي والعسكري، بما في ذلك استعمال ضربات جوية ضد مراكز القوى في النظام، للتفاوض معه حينها على الانتقال السياسي الذي سيمكّن من تسليم السلطة، حتى يتسنى للشعب السوري يمكن أن يتحد في سبيل إعادة بناء البلاد ومحاربة الإرهاب. لقد استفاد تنظيم "الدولة الإسلامية" كثيراً من التراخي في العالم، لو لم يتحرك نظام الأسد المستبد بحملة الإبادة الجماعية ضد شعبه، ما كنا لنشهد مقاتلين أجانب يتدفقون إلى سوريا أو مجموعة تستغل الفوضى والمعاناة لتطوير جهاز الدولة الخاصة بها. ولعلّ مزيداً من التراخي في سبيل إسقاط النظام، سيهدد المنطقة بأسرها. بيتر كاسيغ، كان بطلاً بالنسبة للشعب السوري، خاطر بحياته لتوفير العلاج والأمل للسوريين في ظل المجازر واليأس التي يعيشونها، وتقديراً لتضحيته النبيلة، علينا أن نهزم تنظيم "الدولة الإسلامية"، وأن نعمل على إنهاء حكم الأسد الإرهابي ومواصلة السعي لتضميد الجراح. *محمد أبو الهدى اليعقوبي، كان خطيب المسجد الأموي الكبير في دمشق إلى أن نُفي من سوريا سنة 2011.