كلما اشتد الخناق وارتفعت درجة التوتر في ملف الصحراء بتنا نسمع عبارة " الله يرحم ايام الحسن الثاني ". عبارة ما فتئ بعض المغاربة يردونها بأسلوب وحس لا شعوري , ورغم خطورة ما تنطوي عليه هذه العبارة في معانيها الخفية ومقارناتها اللآمنطقية بين ملك كان يصنع الأحداث وملك اختار سياسة معالجة الأحداث في صمت وتروي وهدوء. نعم لا تجوز الرحمة على كل أيام عهد الملك الراحل , ففي عهده لم يك المغربي ينعم بالحقوق المدنية التي يتمتع اليوم بها أو لنقل ببعضها على الأقل. وفي أيام الحسن الثاني لم يك المغرب ينعم بهذه النهضة العمرانية والطفرة الاقتصادية والاجتماعية التي ولدت من رحم مخططات الملك محمد السادس. إذ في الوقت الذي تربى فيه الحسن الثاني على حس المقاومة والعمل النضالي من أجل الاستقلال فتح الملك الجديد عينه على وطن يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية وتناقضات طبقية صارخة فاستلهم دروسا تاريخية من التجربة الأوروبية وخصوصا ما حققته من تكاملات مست البنى الاقتصادية والسوسيولوجية على حد سواء وعايش التجربة عمليا بمقر المنظمة الأوروبية ببروكسيل وفي ظرف 11 سنة من توليه الحكم بات بإمكانه طرح صورة المغرب الجديد للمقارنة مع مغرب التسعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. والفارق شاسع وكبير نعم قد أتفق مع بعضهم عندما يرددون بحسرة عبارة " الله يرحم ايام الحسن الثاني " ولما لا فيومها كنا نعيش بما تيسر من إمكانيات ونحن على يقين بأن القادم من الأيام سيكون أحسن. فتمتعنا بالكثير من القناعة ووفرة من الأمل. نعم كانت أيام الحسن الثاني أيام استنفار وطني من أجل تحصين المكاسب والحفاظ على ما تم تحصيله بالقدر الذي سمحت به المرحلة !! كانت أيام جميلة على البعض ومفزعة مؤرقة للبعض الآخر ممن إختاروا يومها الاختلاف. إن المغرب وكما تسلمه محمد السادس من والده الراحل كان عبارة عن كرة من الخيوط المعقدة , وكانت نواتها قضية الصحراء وحولها تدور كل المخططات الوطنية. قضية معلقة في ردهات الأممالمتحدة والمسافات طويلة لحل كل إشكالاتها المتفرعة. كما ترك المغرب في مواجهة قوة جزائرية متصاعدة في ميادين التسلح والإنتعاش النفطي وقدرة على شراء المواقف والذمم بلغة المصالح. في مقابل وطن مغربي منهك إقتصاديا ومقبل على مشاريع تنموية رائدة , من شبكات طرقية وموانئ ومطارات وغيرها... إن ترديد عبارة " الله يرحم ايام الحسن الثاني " ينطوي فيه الفعل على إحساس بالإحباط وحنو لسياسة القبضة الحديدية في قضية الصحراء. ولكي نتمكن من تحديد كوامن الإختلاف بين طريقة تناول ملف الصحراء في كلا العهدين وحتى لا أفتح باب سجال وحسابات عقيمة اسمحوا لي بسرد بعض الأمثلة في مقارنات سريعة. لقد خلق الحسن الثاني الحدث عندما قال : " إن الوطن غفور رحيم " لكن محمد السادس وجد أمامه ضرورة تحمل مسؤولية أناس يعودون إلى هذا الوطن تحت شعار " الوطن غفور رحيم " وهم يحملون كل الحقد والكره للمغرب. لكنه كملك لا يسعه سوى التعامل معهم كشعب ورعايا مهما بلغت درجة عقوقهم الوطني وتقديم التضحيات البشرية في سبيل إقناع الشعب الصحراوي أن الخيار المغربي هو الأفضل ديموقراطيا واقتصاديا.. أوليست معالجة مخلفات الحدث هنا أصعب من خلقه.؟ قطعا الجواب هو نعم. لقد اتسمت سياسة الملك الراحل تجاه قضية الصحراء – أو ما طبقه وزراءه يومها – بمزج واضح بين العصى والجزرة. فما كان بإمكان أي انفصالي يومها أن يرفع علم البوليساريو في قلب العيون أو الرباط لأن أعين إدريس البصري ( رحمه الله وغفر له ) كانت في كل أركان المجتمع المغربي البوليسي . لكن يومها كان العالم يضرب بنا المثل في خرق حقوق الإنسان فيما نوجد اليوم في المراتب المتقدمة عربيا وإسلاميا وبفارق كبير مع دولة مثل الجزائر. ( رغم إصراري على المطالبة بضرورة المزيد من الإصلاحات القانونية والدستورية لضمان أكثر لحرية التعبير وحقوق الإنسان في المغرب) لقد قبل الحسن الثاني مبدأ الاستفتاء بدافع الرغبة في حل المشكل. ثم ما لبث هذا الحل أن بدا مستحيل التطبيق تقنيا وقانونيا فوجد الملك الجديد نفسه مرغما على تحمل أخطاء تكتيكية ودبلوماسية فادحة في قضية الصحراء ارتكبت في عهد أبيه فورث هو معها إلتزاما مغربيا علنيا ودوليا بقبول الإستفتاء لكنه استفتاء سوف يكرس الظلم والحيف مهما كانت نتائجه ولصالح اي كان. فطرح الملك محمد السادس مشروع الحكم الذاتي كحل وكنموذج ينطوي على مشروع اقتصادي وتنموي وسياسي لا يعرف العالم العربي مثيلا له. فهل أخرجنا محمد السادس من ورطة ؟ الجواب نعم .. إننا اليوم ملكا وحكومة و شعبا نردد كلمة واحدة وهي : لا تفاوض على السيادة. لقد صنع الملك الراحل الحدث بقسم المسيرة , فأقسم هو وأقسم وراءه كل المغاربة , جميل ورائع وقد عشت الملحمة وما أزال أذكر تفاصيلها . لكن ما ورثه محمد السادس هو الحفاظ على هذا القسم والحيلولة دون الحنث به. فالأمر ليس لعبا أو فسحة إنه قسم باسم الله الأعظم العظيم بعدم التفريط في حبة رمل من الصحراء ومن حنث بهذا القسم فقد خان العهد. فأيهما أصعب القسم أم الحيلولة دون الحنث به ؟ داخل بحر هائج من الأمواج المتلاطمة وتقاطع المصالح الأوروبية مع الغاز والبترول الجزائري وتلاقي مصالح الإعلام الإسباني مع المخطط الجزائري. كل هذا والقسم قائم والقدم في الصحراء ( ولي كيعرف جدي يمشي يدعيه ). إنها فعلا حكمة .. ومحمد السادس رجل عنده خصلة التأني وتغليب الحكمة في التصرف. ومن يقارن أسلوب حكمه مع ما يقوم به بوتفليقة وهو في عمر والده لأبهرتكم قزقزة العجوز وحركاته الدبلوماسية البلهاء وكأنه طفل يمرح فرحا بما جمعه من دراهم في حصالته يوم العيد. نعم قد اتفق مع البعض في ترديد عبارة " الله يرحم ايام الحسن الثاني ". ولكن فقط لأنه من الواجب الترحم على الأموات , وقد دفن المغاربة ذلك العهد وساروا إلى الأمام !!! نحو مستقبل مغربي مبهر لكل المنطقة الأورومتوسطية. إن الرغبة في حل قطعي لقضية الصحراء خلقت لدى بعض المغاربة الميول إلى تغليب العنف والضرب من حديد على يد البوليساريو مهما كلف ذلك من نتائج سياسية وعسكرية. والبعض الآخر يطالب صراحة بمسيرة شعبية مليونية إلى تندوف , وآخرون مثلي يحلمون بليلة كوماندوز مظلمة يسيطر فيها الجيش المغربي على تندوف ويفكك مخيماتها ويحرر شعبها ويعتقل مجرميها. وليكن ما يكن أو ( إلي ليها ليها ). طبعا من حق الجميع أن يتمنى وينظر ويحلم , لكن المثل يقول ( من يده في الماء ليس كمن يده في النار ) فليس أبدا من السهل اتخاذ قرار الحرب وهو قطعا قرار ينطوي عادة على حسابات الخسارة قبل الربح .. أما الربح فمن السهل حسابه . فماذا عن الخسارة؟ وهل بإمكان ملك اختار عنوانا لعهده " البناء والتشييد " أن يغامر ولو بواحد في المئة من سلامة هذه المكتسبات التي بناها المغاربة بعرقهم وكدهم وناتجهم الوطني. إن جنرلات الجزائر فرضوا الحرب على الحسن الثاني فنازلهم في الصحراء مرارا وانتصر عليهم بعضا وانتصروا عليه بعضا آخرا . لكنهم اليوم يريدون فرض الحرب على المغرب أولا للإستفادة من عمولات صفقات شراء الأسلحة وثانيا لضرب البنية التحتية لمغرب يكرهونه كرها وراثيا عكس الشعب الجزائري الشقيق. يريدون الحرب لأنها وحدها تضمن لهم البقاء ولذلك يريدون ضرب عصفورين بحجرة واحدة. أولا جر الشعب الجزائري المظلوم إلى حرب طاحنة تلهيه عن مشاكله الإقتصادية واستغلال الحرب لتحقيق مكاسب مادية ثم ثانيا عرقلة عجلة النمو الإقتصادي المتسارع التي يعرفها المغرب. فهل فعلا نحن في مأمن من الحرب بفضل سياسة محمد السادس في ملف الصحراء؟ الجواب هو نعم , لقد نجح الملك في تجنيب المغرب مواجهات حربية مع كل من الجزائر وإسبانيا ونستطيع أن نقول بأن محمد السادس رجل لا يغلب كفة العنف . – تذكروا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الحليم إذا غضب !! – وما زال المغرب في عهده تلك الورشة التنموية المفتوحة وهو يعلم أن الجزائر لن تربح أبدا حرب الصحراء لكنها ستكسب حرب الإنهاك الإقتصادي وكبح النمو المغربي إن هي نجحت في فرضها عليه وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة المغربية وهي صفة يعرفها جيدا حكام الجزائر ويدركون أن محمد السادس لم يلبس لملاقاتهم البذلة العسكرية بعد. ,إنني على يقين أنه لن يلبسها للزينة أو الصورة وغنما للحرب ولتكن في الرمال كذلك لكي يكون الدرس مرتين لتعميق الإستفادة لدى البلهاء طبعا. نعم رحم الله ايام الحسن الثاني فقط لأنها كانت ايام آبائنا الذين نعزهم ونحبهم ونترحم على أيامهم بحلوها ومرها. ولكن ولكن دونما النسيان أن السياسة هي فن الممكن واللآممكن فمن يمارسها يخطئ أحيانا ومن لا يمارسها فهو مخطئ على الدوام. فبدل البكاء على الأطلال حبذا لو قرر 10 في المئة من الشعب المغربي النزوح إلى الصحراء لإعمارها وبناءها وتنميتها إقتصاديا وطرد إديولوجية الإنفصال برفاهية الحياة وضمان فرص العمل وتنوير المجتمع وإشراكه في صنع المعجزة المغربية في الصحراء , لنجعل من العيون والداخلة والسمارة وبوجدور وغيرها مدنا عصرية تضاهي دبي والرياض والكويت ( والشبه جغرافي ) فلدينا السواعد والعمال ولدينا التمويل وخصوصا ثقة المستثمرين الأجانب. عزيزي القارئ إن حرب محمد السادس على الجزائر حرب طويلة الأمد بدات يوم جلس على العرش ولن تنتهي معه , فقد اختار هذا الملك محاربة الفقر وانتشال الشعب من البطالة والرفع من مستواه الإجتماعي وتوفير بنية تحتية عصرية وبذلك فقد سدد افتك الصواريخ لحكام الجزائر. أما قضية الصحراء فوالله العظيم ليس هناك بشر على وجه الكرة الأرضية قادر على أن يمنع كل المغاربة من الموت وتفجير أنفسهم في مواجهة الدبابات الجزائرية مها كانت قوتها العسكرية ومهما بلغت ملياراتها من النفط والغاز إن الأمر هنا يتعلق بشعب أقسم بالله العظيم , ونحن شعب لا نقسم على كذب ولا نخون عهدا قطعناه يوما على أنفسنا. *إعلامي ودبلوماسي سابق للتواصل مع الكاتب عبر الفايسبوك http://www.facebook.com/people/Mohamed-Said-Ouafi/611009366