بعيدا عن الخطابات التقليديّة، قدّم المستشار الملكي عباس الجيراري، تشخيصا مُؤسَّسا على النقد الذاتي لواقع اللغة العربية، مشيرا في مُداخلة له ضمنَ ندوة حوْل "اللغة العربية بين الواقع والآمال"، إلى إنّ الحديث عن مستقبل العربية لا يُمكن أن يتحقّق إلّا من خلال تشخيص واقعها الراهن. وأضاف الجراري أنّ واقع اللغة العربية اليومَ يعكس وجْها من أوجُه الوضع العامّ للأمّة، "فحين بدأت الأمّة تتخلّف تخلّفت اللغة العربية أيضا، ولم تعُد تشكّل اللغة التي تقود عُلوم العصر"، داعياً إلى التركيز على جوانب النقْص التي تعتري واقع العربية اليوم، لبلْورة حُلول ناجعة للنهوض بها مستقبلا. وأجمَل المستشار الملكي الاختلالات الداخلية التي تشوب واقع اللغة العربية في ثلاث نقاط، أولاها أنّ اللغة العربية تشكو من قصور المتْن اللغوي عن أنْ يكون مُعبّرا عن ثقافة العصر وحضارته ومتطلّباته؛وزادَ "المَتْن في حاجة إلى أن يُوسَّع ليشمل كلّ ما تحتاج إليه الأمة من ألفاظ تقنية واجتماعية وغيرها". وتساءل الجراري "هل نظلّ متقوقعين داخل المتْن المُتناول ونقولُ إننا لا نستطيع التغيير؟"، وأجاب "لا، نحن بحاجة إلى شجاعة لمعالجة هذا الإشكال، وعليْنا أن نفتح المجال لتطوير اللغة العربية، بما في ذلك الاستفادة من باقي الروافد اللغوية الوطنية، كالرافد الأمازيغي والحساني لتطعيم اللغة العربية". وذهب المستشار الملكي أبْعدَ من الدّعوة إلى الاستفادة من الروافد اللغوية الوطنيّة لتطعيم اللغة العربية، إلى الدّعوة إلى الاستفادَة من المُصطلحات الجديدة التي يبْتكرها الشباب المغربي، عن طريق صياغتها صياغةً عربيّة مُلائمة لتصير مَتْنا عربيّا مُلائما وقابلا للاستعمال. أمّا الخلل الثاني الذي قال الجراري إنّ العربيّة تعاني منه فيتعلّق بافتقار اللغة العربية إلى المُصطلحات العلمية والتقنية، والتي تجدُّ العشرات منها كل يوم، في ظلّ الثورة العلمية والتقنية الهائلة التي يشهدها العالم في مختلف الميادين العلمية، وأضاف "نحن حائرون كيْف نعبّر عن هذه المصلحات". الجراري اعتبرَ أنّ حلّ إشكالية افتقار اللغة العربية إلى المصطلحات العلميّة والتقنية متاح، ويقتضي ذلك –يُردف المتحدّث- إمّا البحثَ عمّا إن كانت هناك مصطلحاتٌ قديمة في المتْن العربي يمكن التعبير بها، أو تعريب تلك المصطلحات العلميّة أو اقتباسها، "فطالما أننا نقتبس العلم فعليْنا أن نقتبس المصطلحات". وبعْد أن دعا إلى "طيّ موضوع المصطلحات لأنها عائق وحاجز كبير ينبغي إزالته"، قال الجراري إنّ ثمّة اختلالا ثالثا يُعيق تطوّر اللغة العربية، ويتجلّى في تمَثُّلها لغة صعبة، وهو ما يستدعي مراجعة أساليب تدريسها، لتُقدّم للأطفال والتلاميذ بشكل مُبسّط، ويصير تعلُمها ميُسرّا، وتابع "عليْنا أن نختار للطلبة زُبْدة المصطلحات القابلة للاستعمال بيُسْر، وللعلماء والمتخصّصين أن يتوسّعوا قدْرما شاؤوا". وانتقدَ المستشار الملكي ما تُشحنُ به المقرّراتُ الدراسية الموجّهة إلى التلاميذ، قائلا "ليْس كلّ ما كُتب في التراث صالحا ليكون في الكتاب المدرسي، ولا بدّ من اختيار ما هو صالح"؛ ولَئنْ أكّد على أنّ اللغة العربية "لها خصوم يريدون إبعادها والّا يكون لها صدى في المنتديات العالمية، إلا أن الجراري اعتبر أنّ "أهل اللغة العربية الذين يسيئون استعمالها هم أخطرُ عليْها من الخصوم". وفي هذا السياق وجّه الجراري انتقادا إلى المسؤولين المغاربة، الذين يرطنون باللغة الفرنسية في اللقاءات والمحافل الوطنية، قائلا "يتحدّثون بالفرنسية وهم يعلمون أنّ الترجمة متوفّرة للحاضرين"، معتبرا ذلك "مشكلا كبيرا"، كما انتقد الجراري استعمال الدارجة في اللوحات الإعلانية، مُعتبرا إيّاها "إهانة للمواطنين الذين تتمّ مخاطبتهم بغير لغتهم". ودعا الجراري المدافعين عن اللغة العربية إلى الكفّ عن الشكوى، ولمّ الجهود، خاصّة جمعيات المجتمع المدني، داعيا إيّاها إلى تقديم مقترحات عملية، من قبيل البحث عن مصطلحات جديدة يمكن أن تعزز القاموس اللغوي العربي، وتقديم توصيّات اللقاءات التي تعقدها إلى الجهات المسؤولة، وتنبيه المسؤولين عن التعليم والإعلام وغيْرهم من مسؤولي باقي القطاعات.