جدل المشاركة في الانتخابات الذي يخفي الأزمة إذا كان اليسار التقليدي قد حسم خياراته مسبقا منذ سنوات بالقبول بالانخراط في اللعبة السياسية بشروطها الحالية ودون إبداء أي اعتراض على التشوهات والاختلالات التي تشوب هاته العملية بشكل يعيق بلوغ الانتقال الديمقراطي، فإن اليسار المناضل المغربي يجد نفسه اليوم مطالبا ببلورة خيارات أكثر عملية وفعالية للدفاع والترافع عن أفكاره وبرامجه وإيجاد موطئ قدم للمشروع اليساري داخل مشهد سياسي يتجاذبه اليوم ثلاثة اتجاهان رئيسيان: اليمين الديني، اليمين الإداري. لذلك تعود اليوم مسألة الانتخابات إلى صدارة النقاش اليساري في المغرب مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية القادمة، بعد أن كانت أحزاب اليسار الجذري قد قررت مقاطعة الاستحقاقات الدستورية والتشريعية الماضية مع استثناء وحيد في سياق الحراك الذي كان عرفه المغرب متمثلا في "حركة 20 فبراير"، وبررت هذا الخيار في ذلك الوقت برفضها إضفاء الشرعية على مؤسسات قائمة في مناخ غير ديمقراطي ولتنظيمها في ظل نفس الشروط السابقة التي حكمت الاستحقاقات التي عرفها المغرب خلال السنوات الماضية. لكن على ما يبدو فإن هذا الموقف على قد خضع للمراجعة من طرف مكونات يسارية عديدة أصبحت ترى في خيار المقاطعة الدائمة سلوكا طهرانيا غير مجد ولا يؤدي إلى إشعاع المشروع اليساري ويترك بالتالي الساحة فارغة لمعارضة برلمانية صورية، لكن هذا الموقف بعيد على أن يكون موقفا عاما يجعلنا نجازف بالقول إنه ممثل للقناعة الراهنة لكافة أطياف "اليسار المناضل" بجميع مكوناته. وتسبب إعلان الأحزاب المشكلة ل "فيدرالية اليسار الديمقراطي" المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة ردود فعل متباينة داخل قواعد هذه الأحزاب حول القرار الذي تم اتخاذه على مستوى الهيأة التقريرية للفيدرالية، وتوزعت هذه الآراء بين مؤيد للقرار وبين معارض لفكرة المشاركة وبين توجه ينتقد التسرع في اتخاذ القرار وعدم إخضاعه للنقاش الكافي لإنضاجه بما يكفي قبل اتخاذه، وفي الجهة المقابلة لم يحد حزب النهج الديمقراطي عن اختياراته السابقة معبرا عن رفضه القاطع للمشاركة في اللعبة الانتخابية منتقدا قرار رفاقه في الفيدرالية. غير أن هذا الجدل حول ثنائية المشاركة والمقاطعة يخفي معالم أزمة عميقة تضرب اليسار الممانع المغربي الذي يبدو كرجل واهن عليل مثقل بالهزائم، وهي أزمة مركبة تجد أسبابها في تاريخ الانشقاقات الطويل الذي عرفه اليسار المغربي وكذلك في التركة الثقيلة التي خلفتها مشاركة أحزاب اليسار التقليدي في تجربة "التناوب التوافقي" التي أضرت حتى باليسار الذي رفض المشاركة في اللعبة، ذلك أن الجمهور لم يعد يميز بين اليسار وبقية الفاعلين المنتشرين في الحقل السياسي. لا يزال هذا اليسار الذي يحمل هم التغيير غارقا في نوع من الرتابة الاعتيادية التي جعلت من أحزابه أحزابا هامشية على مستوى الجماهيرية والحجم والتأثير على المستوى السياسي بشكل جعل أحزاب اليمين الديني والإداري أكثر قدرة على الاستقطاب منه، يسار غارق في الجمود والانتظارية والأوهام النظرية ولم يطور أساليبه العتيقة التي أثبت الزمن والواقع معا قصورها وعدم فعاليتها، يسار يفتقد أعضاءه للروح النقدية ويتعاملون بنوع من التأليه للقرارات التي تتخذها القيادات الشائخة مستخدمين مبررات بالية من قبيل " تحصين البيت الداخلي"،وبالتالي فإن جدل المشاركة في الانتخابات من عدمها والاختلاف بين رأيين داخل مكونات اليسار المناضل لا يبدو سوى تحصيل حاصل. * عن موقع "هنا صوتك"