إن ماتخيل أرشميدس لم يطلب إلا نقطة ثابتة غير متحركة ليزحزح الكرة الأرضية من مكانها و لينقلها إلى موضع اخر ,و على هذا النحو يكون لي الحق في أن أتصور امالا سامية إذا كنت من التوفيق بحيث أجد شيئا واحدا يقينيا لا يقبل الشك هكذا تكلم ديكارت في بداية بحثه ,ثم شق طريقه نحو اليقين و المعرفة الحقيقية .. رينيه ديكارت الذي عاش قرابة الأربع و الخمسون سنة ,و الملقب بأب الفلسفة الحديثة أسس نظام الإحداثيات في الرياضيات ,وكان الشخصية الرئيسية لمذهب العقلانية .. ,كما له عدة إسهامات في شتى مجالات العلوم ,و إلى اليوم أطروحاته صامدة و يعتمد بها .. ,ومن أهم مؤلفاته 'مقال عن المنهج' .. أو رسالة في المنهج لإحكام قيادة العقل و البحث عن الحقيقة في العلوم ,و قرائتنا في الكتاب ما هي إلا وقفات مع أهم ما جاء فيه من إرشادات ,و أبرز ما تضمنه من أفكار و أطروحات .. من خلال قرائتنا لترجمة الدكتور محمد محمود الخضيري لكتاب 'مقال عن المنهج' في عدد صفحات بلغ المأتين تقريبا .. تبين أنه مقسم لجزئين اثنين ومئة صفحة لكل جزء ,وجاء في أولاهما حديثه بداية عن الفلسفة القديمة مرورا بفلسفة العصور الوسطى و انتهاءا بالفلسفة الحديثة ليركز على فلسفة ديكارت و منهجه ,ثم لينتقل إلى شرح رسالة ديكارت تدريجيا ,حيث انتقل من حياة الفيلسوف المؤلف و شخصيته ,إلى تحليل نظرية المعرفة أو ما بعد الطبيعة ثم التمييز بين النفس و البدن ,و بعد ذلك تفسير الإثبات الديكارتي لوجود الله ,ثم ذكر بالشك المنهجي ,لينتهي بقواعد الأخلاق المؤقتة التي وضعها ديكارت .. يأتي الأستاذ المترجم في الجزء 'المئة صفحة' الثاني ليترجم رسالة رينيه ديكارت كما جاء بها المؤلف في ست أقسام : يقدم في القسم الأول وجهة نظره في العلوم على اختلافها ,حيث قال في البلاغة و الشعر أنها مجرد مواهب نفسية ,و الرياضيات رغم أنها تعجبه لما في براهينها من الوثاقة و الوضوح ,إلا أنه لم يلحظ فائدتها الحقيقية كما يقول إلا في الصناعات الميكانيكية .. و أما الدين فكغيره من الناس يحب الجنة و علم علما مؤكدا أن الطريق إليها ممهد لأهل العلماء وليس الجهلاء وأن حقائق الوحي فوقنا و لا يمكننا فهمها .. و حكى عن الفلسفة أن ما فيها من أمر لا يجادل فيه رغم أن ما تدارسها خيرة العقلاء ,و أما عن العلوم الباطلة فقد بلغ من عرفان قيمتها حدا لا يكون معه عرضة للخديعة بوعود الكيمياوي أو تكهنات المنجم ,و لا تضليلات الساحر .. ,و في القسم الثاني حدثنا عن أصول القواعد لمنهجه في أربعة مبادئ : الأول أن لا نقبل شيئا على أنه حق ,ما لم نعرفه يقينا أنه كذلك ,و الثاني أن نقسم كل واحد من المعضلات التي سنختبرها إلى أجزاء على قد المستطاع ,والثالث أن نسير أفكارنا بنظام ,بدأ بأبسط الأمور و أسهلها معرفة ,و أن نتدرج قليلا حتى نصل إلى المعرفة اليقينية ,والرابع أن نعمل في كل الأحوال من الإحصاءات الكاملة و المراجعات الشاملة مما يجعلنا على ثقة من أننا لم نغفل شيئا . هذا و يعرض في القسم الثالث قواعد 'الأخلاق المؤقتة' و يقول مؤقتة لأنها ليست نهائية جمعها في ثلاثة : الأولى أن يطيع الإنسان قواعد بلاده ,و أن يحترم عاداتها و أن يثبت على الدين الشائع في مجتمعه ,و الثانية أن يثبت في العمل و يتجنب الشك و التردد في سياسة حياته ,والثالثة أن يجتهد في مغالبة نفسه و يحد من رغباتها .. ثم في القسم الرابع يثبت بأدلة عقلية وجود الله و النفس الإنسانية باعتبار "الله و النفس" أركان مذهبه فيما بعد الطبيعة ,حيث يقول: ''و أنا أشك في كل شيء ,لا يمكنني الشك في أني أشك '',و تسائل أي شيء هو إذن وقال "أنا شيء يفكر ,وبما أني أشك فإني أفكر ,وانتهى بالكوجيطو "أنا أفكر ,إذن أنا موجود" je pense ,donc je suis .. ثم استنتج أن وجوده ناقص ,و فكر في الكمال المطلق و الجمال المطلق و الخير المطلق .. ,و فكرة الكمال أوحت إليه وجود صفات الكمال في كل شيء و هذا الوجود هو ذات الله و على أساسه توجد جميع الكائنات بما في ذلك الإنسان .. ,و بعد ذلك رتب في القسم الخامس مسائل الطبيعيات التي بحث فيها ,لا سيما تفسيره لحركة القلب و بعض المعضلات الأخرى تختص بالطب ,ثم فرق بين النفس الإنسانية و النفس الحيوانية .. وانتهى في القسم السادس والأخير ببيان الأمور التي يعتقدها ديكارت أنه بالحاجة إليها للسير بدراسة الطبيعة إلى أبعد ما وصلت إليه ,و ذكر الأسباب التي بعثته إلى الكتابة . و ينهي ديكارت رسالته بعبارت تستلزم منا الوقوف لحظة وتأملها وكأنه يخاطبنا ,يقول: "... إني صممت على ألا أنفق بقية حياتي في غير الإجتهاد في تحصيل شيء من العلم بالطبيعة يكون بحيث يمكن أن نستخلص منه للطب قواعد أوثق مما وجد حتى الان ,و إن ميلي ليبعدني بعدا كبيرا من كل أنواع المقاصد الأخرى لا سيما تلك التي لا تكون مفيدة للبعض إلا إذا أضرت بالاخرين ..." مراجع : .كتاب "مقال عن المنهج" - رينيه ديكارت / ترجمة الدكتور محمد محمود الخضيري .رينيه ديكارت - ويكيبيديا ,الموسوعة الحرة