في آخر خطاب له، تطرّق الملك محمد السادس لموضوع السيادة المغربية مرة أخرى، مذكرا بالضرورة الملحة لتسريع تفعيل الجهوية الموسعة، كما سلط الضوء على إشكالية التضامن بين الجهات، لتجاوز حالات عدم المساواة الاجتماعية. وإذا كان هذا الجانب فعلا مهما، فهو يطرح فقط مشكل الاعتماد على إعادة التوزيع لاستعادة التوازن الإقليمي، لأنه علينا التفكير في خلق الثروة قبل التفكير في إعادة توزيعها. هنا تطرح مسألة تحفيز السلطات المحلية لتحسين الحكامة والإدارة المحلية، وهي مسألة لا يبدو أنها أثارت انتباه الملك أو الخبراء الذين عملوا على إحداث آخر نسخة من مشروع الجهوية الموسعة. وكما يعلم الجميع، تعد المنافسة آلية تحفيزية قوية، وتضع المسؤولية على كاهل المقاولات، لأن احتمال فقدان حصتها في السوق تنمي فيها حس المنافسة والإبداع والابتكار من أجل إسعاد زبنائها. وإذا كانت السلطات المحلية تعاني من مشاكل الحكامة، فذلك يرجع إلى عدم وجود تحفيزات موجهة للمسؤولين المحليين والمنتخبين. وبغض النظر عن اختيارات السلطات المحلية، فهي لا تتحمل العواقب كما يجب، وبالتالي أصبح من الضروري تحميلهم المسؤولية، عبر إدخال منطق المنافسة بين المناطق على المستويات المالية والمؤسساتية على حد سواء. منافسة ضريبية وتحظى الجهات، كما هو حال الجماعات المحلية الأخرى، باستقلال مالي ضعيف. ففي عام 2009، شكلت الضرائب المحلية 22٪ فقط من جميع الإيرادات. ويمكن اعتبار هذه المصاريف مصطنعة لأن الجماعات المحلية مطالبة قانونيا بتحصيل الضرائب المستحقة على أراضيها لصالح الدولة. ضعف الاستقلال المالي يعد عائقا خطيرا أمام الجهوية الموسعة في المغرب، حيث إن تمركز إيرادات الضرائب المحلية يمنع جهات معينة من الاستفادة من الثروات التي توجد على أراضيها. وهذا الواقع غير قابل للتغيير، لأن دستور 2011 لا يمنح أية سلطة تحكم للسلطات المحلية. ولذلك من الخطأ أن نتحدث عن الاستقلالية في اتخاذ القرار في غياب الاستقلال المالي، فالمركزية المالية تعني أن الضرائب على المستوى المحلي لا تكون مخصصة مباشرة للنفقات المحلية. وفي المقابل لا يتم تشجيع السلطات المحلية على تحسين تحصيل الضرائب، ولا على استخدامها جيدا. وكل هذا يفرز إشكالية صعوبة حكم للمواطنين على مدى نجاعة عمل ممثليهم المحليين، لجهلهم بالعلاقة بين الإنفاق والضرائب. ويتضح أن الاستقلالية في اتخاذ القرار يجب أن تكون مصحوبة بالاستقلال المالي، وهو ما يعني أن للجهات الحق في تحديد الضرائب ذات الصلة بأراضيها، وجمعها، وإعطاء الأولوية لاحتياجاتها، كما يمكنها نقل الفائض للحكومة المركزية في ظل التضامن مع المناطق الفقيرة. المنافسة الضريبية التي ستتبع ستكون آلية قوية لتمكين وتشجيع الفاعلين المحليين لإدارة جيدة، وسيختار الأفراد والشركات مكان استثماراتهم وفقا للضرائب المحلية التي سيدفعونها. ونتيجة لذلك، فالجهات ستكون لديها مصلحة في التقليص من ضرائبها حتى لا تفقد المستثمرين الذين يرغبون في العمل على أراضيها، وللقيام بذلك، يجب عليها تقديم الخدمات بشكل فعال. منافسة تنظيمية وبالنظر إلى الوقت الطويل الذي يأخذه تنفيذ وتقييم آثار السياسات العامة، فمن الأسهل على المستوى الجهوي تنفيذ الإصلاحات المؤسساتية داخل نطاق إقليمي محدود، فهذا يسهل عملية التقييم، وأيضا المقارنة بين مختلف الجهات الترابية. ويعتبر منح الجهات المغربية الفرصة لاختيار القوانين الخاصة بها على المستويات المختلفة (الاجتماعية، الاقتصادية...) من خلال البرلمانات الإقليمية التي ستشجع الجهات على تحسين البيئة المؤسساتية لجعلها أكثر جاذبية. في الواقع، إن جهة تتمتع بقوانينها وأنظمة ذكية ومرنة لابد أن تجذب المزيد من الشركات والمستثمرين الذين من شأنهم خلق المزيد من الثروة والوظائف. وتحت ضغط فقدان مواطنيها، ستعمل كل جهة على أن تتلاءم مع المناطق الأكثر قدرة على المنافسة، وهكذا سيتم إتباع سلسلة من ردود الفعل المواتية لنشر المؤسسات الجيدة والقادرة على تطوير القدرة التنافسية. أخيرا، يجب أن تميل عملية الجهوية في المغرب نحو هذا النموذج من المنافسة المؤسساتية، لأن المنافسة الدولية التي تفاقمت بسبب العولمة، ستؤثر على القدرة التنافسية الإقليمية التي تعتمد على الجودة المؤسساتية بالدرجة الأولى. *محلل بمنظمة ليبر أفريك، وأستاذ جامعي في الاقتصاد