بين "الشعب يريد إسقاط الفساد" و"صوتك فرصتك لإسقاط الفساد والاستبداد"، خرج شباب حركة "20 فبراير" عام 2011 بالشعار الأول للشارع مطالبين بإصلاحات شاملة تعقب تعديل في الدستور وإسقاط الحكومة وإقرار ملكية برلمانية تفاعلا مع "ربيع عربي" زلزل أنظمة الجيران كتونس ومصر وليبيا؛ في حين امتنع حزب العدالة والتنمية عن ذلك، وتسلح بالشعار الثاني وهو يخوض انتخابات سابقة لأوانها يوم 25 نونبر من العام ذاته، مكنته من قيادة سفينة الحكومة ﻷول مرة في تاريخه. ورغم أن حزب عبد الإله بنكيران ظل غير معترف بغضب الشارع المغربي، إبان حراك 20 فبراير، كمؤشر حقيقي في فوزه الساحق في معركة الصناديق الاستثنائية قبل 3 سنوات، إلا أن البعض يرى الأمر واقعا، واتهمه ب"سرقة" شعار الشارع وإسقاطه على شعار حملة الحزب الانتخابية، التي تمركزت حول "إسقاط الفساد". تناقضات بنكيران بين تاريخ 20 فبراير 2011 وانتخابات 25 نونبر من العام ذاته، ظل بنكيران يهاجم الحركة معلنا رفضه الخروج معها، لسبب أنه يجهله قادتها، ولأن الفضاء الذي أعلنوا خلاله تحركاتهم، جاء خارج مقرات الأحزاب والجمعيات، أي "الفيسبوك" الذي لا يعرف التبحر فيه، وفق تعبيره في إحدى لقاءاته بمراكش، فيما أشار وقتها إلى أنه غير مستعد للخروج مع مجموعة من "الطبالة والغياطة". بعد الإعلان عن فوز حزب العدالة والتنمية التاريخي في الانتخابات التشريعية وقتها، تنفس بنكيران الصعداء، وتغيرت لهجته مع "20 فبراير"، التي وصفها بالحركة الاجتماعية التي تعبر عن عدم رضا المغاربة، قبل أن يصفهم أنهم "خوتنا وولادنا"، وهو ما رآى فيه البعض تناقضا واضحا في مواقف عبد الاله بنكيران، بعد أن ظل يحذر من الحراك "لأني لا أريد أن أغامر باستقرار البلاد وبالنظام الملكي"، كما قال في إحدى حواراته التلفزية. تناقض رئيس الحكومة، الذي يراه من جهته "وضوحا"، تجاه حركة 20 فبراير، دفع نشطاء هذه الأخيرة إلى مهاجمته بشدة في الشوارع، برفع شعارات تطالب برحيله وبإحراق صوره أحيانا في وقفاتها الاحتجاحية التي قلت حدتها إلى أن اختفت تدريجيا، فيما يرى البعض الآخر عدم أحقية بنكيران في ذكر اسم "20 فبراير" على لسانه، متهما إياه بالتنكر لمطالبها الكبرى في الإصلاح ومحاربة الفساد، وعدم الاعتراف بصنيعها في فوزه بانتخابات 25 نونبر 2011. عوامل فوز "المصباح" المحلل السياسي عبد الرحيم العلام، توقف عند مرحلة الانتخابات التشريعية وقتها، من حيث نسبة المشاركة المتدنية أو المتوسطة، وفق تعبيرات مختلفة، مشيرا إلى أن حزب العدالة والتنمية، الذي يتوفر على قاعدة انتخابية صلبة "لا تتأثر كثيرا بالأحداث والمتغيرات"، ارتفع فعلا معدل الأصوات التي حصل عليها، مقارنة مع الاستحقاقات السابقة. ورغم ذلك، لم يخف العلام، ضمن تصريح خص به هسبريس، استفاد الحزب من موجة الربيع الديمقراطي التي اجتاحت المنطقة، "لم نلاحظ عداء يذكر للسلطة له ولم نشهد كذلك أي مضايقات سياسية له من طرف الإدارة الترابية، بل بلعكس تم منحه، كما باقي الأحزاب، جميع الإمكانات المادية والإعلامية"، مع أن الدولة "حاولت أن تنجو من موجة إسقاط الأنظمة عبر فتح المجال للمعارضة السياسية وكسب التعاطف الشعبي الذي راكمته هذه المعارضة طيلة سنوات". ورغم أن المناخ السياسي كان استثنائيا وقتها، إلا أن الشعب المغربي، في جزء منه، وفق منظور الباحث في الشأن السياسي والدستوري، رآى في حزب "المصباح" آخر فرصة لإنقاذ البلاد من الفساد السياسي والاقتصادي، مقابل الدعوات التي تبنتها حركة 20 فبراير والأحزاب التي تدور في فلكها بخصوص مقاطعة الانتخابات "دفعت بالكثير من المواطنين إلى الخروج من اللامبالاة والذهاب لصناديق الاقتراع". ويتابع العلام، الذي واكب انطلاقة حركة 20 فبراير قبل 3 سنوات، بالقول إن جزء ممن صوت لصالح الحزب الإسلامي "كانوا لا يوافقون هذه الحركة الشبابية أفكارها ونضالاتها، أي ضدا فيها.. فيما جزء آخر صوت لأن الجو العام الذي أحدثته الحركة منذ 7 أشهر دفع بالكثير إلى الاهتمام بالشأن العام وممارسة السياسة، إما عبر الانتخاب أو عبارة المشاركة في الأحزاب". ويستحضر العلام عوامل أخرى ساهمت في فوز "العدالة والتنمية" في معركة "25 نونبر"، مثل "الفشل الذي صاحب التجربة الحكومية السابقة وتراجع المغرب على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية" و"استفاد الحزب من وسائل الاتصال الحديثة عوض المسيرات والمهرجانات الانتخابية فحسب"، وأبرزها كان "استفادته من موجة فوز الإسلاميين في البلدان المجاورة، كفوز حركة النهضة في تونس، على أساس أن هناك عناصر تشابه كثيرة بين الحزبين، وكذلك النجاحات التي حققها حزب العدالة والتنيمة التركي الذي يتشارك والحزب المغربي نفس الاسم والرمز الانتخابي". كل هذه المؤشرات وغيرها، انعكست على العلاقة بين القصر و إخوان بنكيران ومكنتهم من تقدم الاستحقاقات الانتخابية قبل ثلاث سنوات، يضيف عبد الرحيم العلام، إلا أن الأخير تلك في كون تلك المؤشرات قد تعصف بشعبية "العدالة والتنمية" في الانتخابات القادمة، "لم يعد ذاك الحزب الذي لم يشارك في التدبير الحكومي"، بمعنى أن "جل العوامل التي دفعت الحزب الذي يرأس الحكومة إلى المقدمة لم تعد موجودة، بل ربما أصبحت في غير صالحة". مساهمة 20 فبراير مؤشر حركة 20 فبراير ركز عليه العلام بالقول إن أحد من أعضاء حزب العدالة والتنمية أو قيادييه لا يستطيع إنكار استفادة الحزب من المناخ الذي أحدثته الحركة، "هذا المناخ السياسي سرعان ما تبخر وعادت حليمة النظام إلى عادتها كما يقول المثل"، مردفا أن "ما حصل عليه الحزب انتخابيا بدأ يفقده سياسيا، ومن يشكك في الأمر عليه أن يعيد قراءة تصريحات ابن كيران التي هدد فيها بالربيع العربي إذا لم يستنكف، من سماهم بالذئاب، عن معاكسة حكومته". أما السياق الدولي وقتها، الذي حفز شباب 20 فبراير في الخروج للشارع وكسر جدار الخوف، وحمل حزب بنكيران على "عمارية" الانتخابات التشريعية، فلم يعد مساعدا للحزب حاليا، وفق العلام، مبينا ذلك بقوله "حركات الإسلام السياسي إما محاربة من طرف العديد من الأنظمة السياسية سيما الخليجية باستثناء قطر، أو تم الانقلاب على حكمها كما حدث في مصر، أو تعيش حروبا داخلية كما هو حال ليبيا واليمن، أو تراجعت شعبيتها بفعل عدة عوامل داخلية وخارجية كما هو الحال مع حركة النهضة في تونس". وخلص المحلل في الشؤون السياسية إلى ضرورة تغيير حزب العدالة والتنمية لاستراتيجيته، "عليه أن يراهن على مشروعية الإنجاز بدل المراهنة على العوامل الخارجية والداخلية"، إلا أن المشاكل الكثيرة التي تعانيها الحكومة الحالية على مستوى الإنجازات، دفعت العلام أن يستبعد تدارك الحكومة لمواقفها خلال الفترة المتبقية من عمرها، "سيما في ظل وجود العديد من المعراضات منها ماهو مكشوف ومعتاد ومنها ما هو خفي وغير معلن عنه".