رغم الثنا الممزوج بالحذر، الذي حازه مشروع مدونة الصحافة والنشر، التي دخلت أشواطها النهائية قبل الخروج إلى الوجود، من قبل مهنيي الصحافة في المغرب، لاعتبارها جاءت "متقدمة" في علاقتها مع احترام حقوق الإنسان واعتماد المقاربة التشاركية في إعدادها، إلا أن ندوة الدارالبيضاء، التي نظمت أمس حول واقع الإعلام ومآل إصلاح القطاع، رفعت الراية، معلنة تسلل بعض العيوب إلى مدونة يراد لها أن تكون "حديثة وعصرية". أبرز هذه التحذيرات جاءت على لسان نور الدين مفتاح، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، الذي دعا وزير الاتصال الناطق الرسمي بإسم الحكومة، إلى عدم التسرع في إخراج مدونة تحكم على قطاع حساس هو الصحافة، موضحا أن الملك في رسالته الموجهة إلى أسرة الإعلام والصحافة في 25 نونبر 2002، وخطابه بمناسبة عيد العرش في 30 يوليوز 2004، دعا إلى "تعاقد مع المهنيين وليس إشراكهم". ونبه مفتاح، خلال الندوة مشتركة التنظيم بين مؤسستي "الأيام" و"عبد الهادي بوطالب"، إلى أن ما يلزم الجسم الصحفي في الوقت الراهن هو وجود ضمانات لحماية المهنة "ﻷن هناك سلطة تقمع الحريات"، مشددا على ضرورة تدعيم المدونة الجديدة للمحاكمة العادلة، بعد أن خلت نصوصها من سلب الحريات للصحافيين في حال ارتكابهم مخالفات أو جرائم تتعلق بالنشر. وطالب مدير نشر أسبوعية "الأيام" بتوضيح بعض البنود والأبواب التي جاء بها مشروع المدونة، بمشاريع قوانينها الثلاثة والخاصة بالصحافة والنشر والنظام الأساسي للصحفيين المهنيين وبإحداث المجلس الوطني للصحافة، معتبرا أن بعض المصطلحات جاء فضفاضة، من قبيل ما يهم المساس والإساءة إلى الدين الإسلامي والوحدة الترابية والاحترام الواجب للملك ومؤسسة الجيش، مشددا على ضرورة إقفال باب قانون الصحافة، من أجل ولوج ملفات أخرى عالقة، منها الوضعية الاجتماعية للمهنيين وحال المقاولات الصحافية. من ناحيته، حث عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، السلطة المسؤولة بالمغرب على امتلاك منسوب عال من القدرة على استعياب خلاصات النقاشات العامة حول حرية الصحافة والإعلام، والتي انطلقت منذ سنوت إلى الآن، "لا يجب النظر لتلك النقاشات كأنها فرصة لإلهاء المجتمع". وأورد المتحدث أن ذلك النقاش أخذ مسارا طويلا وشاقا من الاشتغال، منذ إصدار أول قانون للحريات العامة عام 1958، "كل مرة تنزل يد الميت على الملف ونعود من نقطة الصفر من جديد"، مشددا على ضرورة التخلص من هذه العقدة من أجل يصل مسار حرية الصحافة والتعبير إلى مداه الأخير. أبرز تنبيهات البقالي الكثيرة حول مشروع مدونة الصحافة والنشر، كانت حديثه عن القضاء المتخصص في الإعلام، مشددا بقوله "لا يمكن للقاضي أن يحكم في قضية صحافية وهو لا يفقه تقنيات الإعلام والصحافة ولا يفرق بين جنس التحقيق والروبورتاج"، مضيفا أن تخصيص قضاء لقضايا الصحافة والإعلام في المحاكم، من شأنه التخفيف عنها ورفع الالتباس والتخلف والاغراق في الملفات. ويرى مدير جريدة "العلم"، وجوب تدخل القضاء ليقول كلمة الفصل في قضايا النشر والتوزيع، بما في ذلك إيقاف أو حجز المجلات الواردة من الخارج، مشيرا إلى أن تأخر المساطر في ذلك لا يمنع من توفير قضاء استعجالي "يبقى المرجع الوحيد في القضايا الخلافية في الصحافة.. بما في ذلك ما يرد من عناوين تأتي من خارج المغرب". وخلص البقالي إلى ضرورة تفاعل المدونة، التي تعيش مرحلتها الجنينية الأخيرة قبل الخروج إلى العلن خلال أسابيع قادمة، مع اللحظة السياسية التي يعيشها المغرب ومع الإرادة الدولية في مواكبة المواثيق العالمية والتقدم الحاصل تكنولوجيا، داعيا إلى مقاربة شاملة تحيط بالإعلام من أجل إصلاحه وإتاحة الحق في الوصول إلى المعلومة، إلى جانب تحسين وضعية المهنيين الاجتماعية، "حتى تكون مهنة الصحافة مغرية للنخب والمثقفين للرفع من المنتوج الإعلامي بالبلد".