خمر ومجون وجنس هي الأوصاف التي قدّمها فيلم "الوهراني"، الذي ما يزال يثير جدلا في الجزائر، عن المجاهدين الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، ليرتموا غداة الاستقلال في أحضان حياة اللهو والترف في النوادي الليلية، وهي المشاهد التي أغضبت كثيرا المجاهدين، وحتى بعضا من الممثلين والمخرجين. فيلم الوهراني لمخرجه إلياس سالم الفرنسي من أصل جزائري، الذي موّلته وزارة الثقافة الجزائرية، وعرض مؤخرا بالعاصمة ومحافظة وهران، 450 كيلومترا غرب الجزائر، يروي على مدار أكثر من ساعتين من الزمن قصّة جعفر، الملقب ب"الوهراني"، نسبة إلى محافظة وهران، وكذا حميد، باعتبار الاثنين شاركا في ثورة تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسي، إذ يصوّر الفيلم كيف تمّ القبض على حميد من طرف راع أثناء فراره من العسكر الفرنسي، وهو متوجّه به صوب الفرنسيين، وقد تدخّل جعفر ودفع الرجل المسلّح فسقط قتيلا. وتظهر في الفيلم أيضا شخصية "بشير" طفل لزوجة "جعفر" التي تركها زمن الثورة وعاد إليها مع إعلان الاستقلال ليجدها قد توفيت بعد أن أخذها العسكري الفرنسي واغتصبها لتحمل وتلد ولدا غير شرعي، وطيلة أطوار عرض الفيلم، ركّز المخرج على السنوات الأولى للإستقلال، إذ قدّم مشاهد لمجاهدين، انغمسوا في حياة اللهو والمجون ومعاقرة الخمور ومواعدة النساء في الملاهي الليلية.. وهي مشاهد أغضبت كثيرا من المجاهدين الجزائريين الذين شاركوا في الثورة، إذ طالبوا الرئيس بوتفليقة، في رسالة وجهت له منذ أيام، بالتدخل لوقف عرض الفيلم الذي"أساء إلى أبطال الثورة" على حدّ قولهم. محمد قدور إبراهيم، وهو مخرج تلفزيوني، قال إنّ فيلم "الوهراني" لمخرجه الجزائري الفرنسي إلياس سالم "قدّم ثورة التحرير الوطني بمنظار إنسان غربي عاش في بيئة أوروبية"، وتابع إبراهيم: "الفيلم شوّه الثورة ومن شارك فيها، باسم حرية الرأي والتعبير في الأعمال الفنية".. ومضى إبراهيم: "هذا الفيلم ستصفق له فرنسا بحرارة، وكل من لديه عقدة تجاه الثورة الجزائرية، وما آلمني هو أنّه يشتم تاريخ الثورة بأموال الشّعب"، في إشارة إلى تمويل وزارة الثقافة له. وشاطر الممثل الكوميدي هواري اللوز المخرج إبراهيم الرّأي، حيث أوضح أنّ الفيلم "أهان" الثورة الجزائرية، و"مجّد" الاستعمار الفرنسي ولغته، التي تحدّث بها بعض الممثلين، حيث كانت "شاعرية ورومنسية"، في حين أن اللهجة الوهرانية، وظّفت بطريقة مسيئة لأهالي المدينة، من خلال تلك "الألفاظ السوقية والعبارات الخادشة للحياء" على حدّ قول هواري. من جهتها قالت وزير الثقافة الجزائرية نادية لعبيدي في تصريحات صحفية" أتفهم ردود فعل المجاهدين وأبناء الشهداء إزاء فيلم الوهراني الذي أثار الجدل مؤخرا بين من ساند الفيلم ومن انتقد مضمونه".. وتابعت: "أود أن أوضح أن دعم الدولة الجزائرية لإنتاج الأفلام من خلال وزارتي المجاهدين والثقافة مهم ولكن على المنتجين الالتزام بما ورد في دفتر الشروط، إذا على المنتج الذي تحصل على موافقة لجنة القراءة سنة 2012 بعد أن اطلعت على السيناريو أن يلتزم بذلك وأن يتابع النقاش الذي أثاره في المجتمع، نحن كوزارة لا نسير الثقافة، بل يسيرها المجتمع، ولكن يمكننا أن نراقب ونتابع عملية الإنتاج إلى آخر خطوة". وفي السياق ذاته، دعا الشيخ شمس الدين بوروبي، وهو داعية ومقدّم برنامج ديني عبر قناة "النهار" الجزائرية الخاصة ، أهالي وهران إلى رفع شكوى ضد مخرج الفيلم، واصفا إيّاه ب"الشيطاني" خلال برنامجه.. أمّا إلياس سالم مخرج الفيلم المثير للجدل فدافع عن فيلمه، في تصريحات لصحف محلية جزائرية، وقال أنّه سرد قصة مجموعة من الأشخاص، وهم بشر تملأهم التناقضات.. وأضاف المخرج، الذي يفيم بفرنسا، أن البعض "يعارض الفيلم بسبب تفاصيل حمقاء شيئا ما على غرار شرب الخمر"..وبشأن هذه المسألة أوضح بأنّه بعد الاستقلال كان المجاهدون "هم أوّل من حصلوا على تراخيص بيع الخمر" حسب قوله. * وكالة أنباء الاناضول