أن يعين الملك محمد السادس شخصية سياسية من حزب الاستقلال كوزير أول للحكومة المقبلة أمر ينسجم تماما مع التعهدات التي التزم بها في خطاباته بل الانتخابات التشريعية لسابع شتنبر 2007 ويكرس المنهجية الديمقراطية في اختيار الوزير الأول من الحزب الفائز في الانتخابات، والذي طالما طالبت به أحزاب الأغلبية والمعارضة على حد سواء. لكن هذا الأمر لا يعني بالبتة أن يتم اختيار شخصية لها سوابق وتجارب مأسوف عليها في الاستوزار الحكومي مثل شخص عباس الفاسي. وليس هذا من قبيل التحامل على الشخص أو النيل من كرامته وسمعته كما يردد دائما عندما يسمع تصريحات أو يتلو مقالات تنتقد تجاربه السابقة لا على مستوى البرلمان أو الوزارة أو الدبلوماسية المغربية. ولكن المتابع للشارع المغربي سيطلع حقا على صدق ما طرحت وسيقف على حالة السخط والتذمر التي بلغها المواطن المغربي من جراء هذا التعيين. وحتى نكون منصفين ونتجرد أكثر من الذاتية سنسرد أهم مميزات الوزير الأول المقبل والتي دفعت ملك البلاد إلى التفكير في اختياره رئيسا للحكومة المقبلة. "" - عباس الفاسي أمين عام حزب الاستقلال منذ سنة 1998 وعضو اللجنة التنفيذية منذ سنة 1974. - برلماني لمدتين انتدابيتين والولاية التشريعية المقبلة ممثلا لمدينة العرائش. - شغل مناصب وزارية مهمة كوزارة السكنى وإعداد التراب ووزارة الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية ثم وزارة التشغيل في حكومة اليوسفي ووزير دولة بدون حقيبة في حكومة جطو. - سفير سابق بدولتي تونس وفرنسا. ولا داعي بأن نذكر أن الأمين العام الذي تجاوز سن السابعة والستين مثل المغرب لدى الجامعة العربية واتحاد المغرب العربي وفي العديد من الملتقيات والمنتديات الدولية والعالمية.... لكن كل هذا في نظري لا يكفي بأن يكون وزير أول للحكومة المقبلة ولا أن يحوز ثقة الملك في تعيينه لولا عاملين اثنين هما: 1- عباس الفاسي كان يعتبر دائما خادم الأعتاب الشريفة ورجل الملك في جميع التوازنات السياسية سواء داخل الكتلة الديمقراطية أو في صف الأحزاب اليمينية المحافظة، والرجل لا يخفي ذلك، ففي العديد من خطاباته أكد بأنه حاز رضا الملك وأن برنامجه السياسي والانتخابي هو برنامج الملك، ومباشرة بعد تعيينه طلع علينا في شاشة التلفاز ليؤكد بأنه سينفذ توجيهات الملك حرفيا !!!. 2- أغلب المناضلين القدامى في حزب الاستقلال يعلمون بأن عباس الفاسي فرض فرضا كأمين عام للحزب سنة 1998. رغم وجود قيادات وازنة وشخصيات سياسية لامعة بالحزب آنذاك، وذلك لكونه رجل القصر بامتياز ومن الجناح المدافع دائما لكي يبقى حزب الاستقلال خارج دائرة المعارضة وأنه خلق ليحكم أو يشارك في الحكم، كما يعتبر اختصاصيا في استقطاب الأعيان والإقطاعيين وكبار الملاكين إلى الحزب ووضعهم على رأس اللوائح الانتخابية. فالملك في نهاية الأمر لم يعين وزيرا أولا من حزب سياسي حاز المرتبة الأولى في الانتخابات المنصرمة كما يبدو من ظاهر الأمر، وإنما عين ظله المتواجد بحزب الاستقلال وأحد رجالات العرش الأوفياء الذين لا يفترون عن التسبيح به وذكر المنجزات الملكية ليل نهار، والذي تم إعداد سيناريو اختياره بطريقة محبوكة تذكرنا بصناعة الخريطة الانتخابية أيام وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري. فالرجل تم اختياره ليكون مرشحا بدائرة العرائش والتي تعتبر من الدوائر الانتخابية السهلة بالنسبة لأمين حزب سياسي الترشح فيها لكونها تتوفر على أربعة مقاعد وكتلة انتخابية مهمة كما أن حزب الاستقلال كان له حضور سياسي وازن بها إلى حدود السنوات الأخيرة. والعرائشيون يدركون جيدا حقيقة التزوير الذي حصل بمحاضر جماعات بني عروس وعياشة ضدا على مرشحين يتمتعان بنفوذ قوي في المناطق الجبلية لفائدة عباس الفاسي وأمنت له بضع مئات من الأصوات كانت كفيلة بإبطال فتيل قنبلة مدوية كانت ستنفجر وتحبط مخططا تم إعداده بكل دقة، ورغم ذلك فإن أمين عام حزب الاستقلال عوقب من طرف الناخبين باحتلاله المرتبة الأخيرة في نتائج الانتخابات ب5642 صوتا فقط مقابل 22315 صوتا لحزب العدالة والتنمية و7550 لحزب التجمع الوطني للأحرار. وهكذا يبدو الرجل المعني بحديثنا في نهاية المطاف منتخبا نزيها بطريقة ديمقراطية ليتم اختياره كوزير أول باعتباره ممثلا لحزب أعيان المغرب الحائز على الرتبة الأولى في الانتخابات. والمثير للاستغراب في نتائج هذه الانتخابات هو كيف عوقب حزب الاتحاد الاشتراكي لوحده دون غيره رغم كونه أحد الأطياف المشكلة للأغلبية الحكومية إلى جانب حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، وهذا ما يظهر بشكل واضح التخطيط الذي يعمل به حزب الاستقلال الذي لم يتحمل مسؤولية فشل أي سياسة حكومية ولا يدافع إلا عن كل ماهو مبادرة ملكية ملقيا باللائمة على حلفائه التقليديين في أي حصيلة سلبية للأداء الحكومي. وهكذا تتبخر آمال المغاربة في تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي تنفسنا صعدائه أيام تعيين حكومة اليوسفي وكبحت سرعته نتائجها المخيبة للآمال، وعاودنا الأمل في بلوغه إثر الانتخابات الأخيرة، غير أن مرارة الاختيار الملكي لم تستسغها أفواه غالبية المغاربة المكتوين بنار غلاء الأسعار وارتفاع المعيشة والمتعطشين إلى تجاوز حالة الفقر والتخلف التي يعيشها المغرب وسننتظر ما ستحمله نتائج اقتراع 2010 إن كانت للمغاربة ثقة في صناديقها تدفعهم إلى التصويت !!!...