في الوقت الذي تكثر فيه المحن وتشتد فيه الأزمات على عالمنا العربي,وفي الوقت الذي صارت فيه هذه الأمة المسلمة الممتدة من طنجة الى جاكرتا تقبع في بحار التخلف والظلمات إلا من استثناءات قليلة,وفي الوقت الذي صار فيه العرب أجمعين من المغرب إلى العراق يحاولون البحث عن صيغ بديلة لاحتواء أزمة العقل والجسد العربي,تظهر لنا اللغة العربية كطوق نجاة ما زال بقادر على جمعنا,يسهل مأموريتها في ذلك الدين الإسلامي-غالبية العرب يدينون بالإسلام- الذي نجح في بناء حضارة عالمية كتبت اسمها بأحرف من ذهب في التاريخ الإنساني المشترك.. هذه اللغة التي تجمع اليوم الملايين من الأشخاص والتي تعطي أملا كبيرا في اتحاد شعوبها بعدما فرقتنا الحدود الجغرافية والحواجز الفكرية,صارت وللأسف تشكل اليوم كابوسا مزعجا لعدد من المغاربة,ممن يتشدقون بالهوية الامازيغية ويحاولون قطع جذور هذا البلد مع سياقه الحضاري والتاريخي,تحت ذريعة ان المغرب لم يكن يوما بلدا عربيا وان الامازيغية هي الأصل والحاضر والمستقبل,فهؤلاء ينظرون للعربية كأنها رجس من عمل الشيطان وجب التخلص منه,فيعلقون عليها أخطاء الأمة ويجعلون منها كبش فداء لكل انهزاماتنا وخيباتنا,معتقدين في ذلك ان التخلص من هذه اللغة سيشكل بداية الانعتاق من التخلف وسيمثل انتصارا على استعمار وهمي يقولون انه بدأ منذ قرون عدة.. ما لا يفهمه هؤلاء هو ان اللغة العربية بريئة من تهمة الاستعمار,فتطورها أملته مجموعة من الظروف والحيثيات التاريخية,اللغة العربية كانت موجودة فقط في شبه الجزيرة العربية لكنها تطورت وانتشرت بشكل سريع,ومردها في ذلك أنها من اللغات السامية القديمة التي أبدعت في رسم معالم حضارة لم يستطع الزمن ان يمحوها,فلحد الساعة,لا يزال أدباؤنا يقفون مشدوهين أمام روعة الشعر الجاهلي وما احتواه من عبقرية فذة في التصوير الشعري,فجزالة لفظ العربية وجمالية أصواتها كانت سببا رئيسيا في اختيارها لتكون لغة اشرف الكتب وأطهرها,فالقران لم يكن ليكون بهذه القدسية وهذا الإبداع اللا متناهي لو كان بلغة أخرى غير العربية,فكأنما هذه اللغة اختارها الله سبحانه لتكون واحدة من اشرف اللغات,واختار متحدثيها كأكثر الشعوب استعدادا لتقبل الرسالة المحمدية التي أرسلت لعموم البشرية وليس فقط للعرب وحدهم,وذلك لما كان يتميزون به من مكارم الأخلاق وهذا الأمر يتجلي من خلال قوله تعالى:"كنتم خير امة أخرجت للناس,تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر". الامازيغية بالمغرب ليست مجرد لغة أصلية لهذا البلد,فهي تشكل أهم مكون لحضارة قديمة قدم التاريخ في الشمال الإفريقي,وهي تمثل اليوم الاستمرار التاريخي للخصوصية المغربية عن الشرق,لكن هذه الخصوصية لا ينبغي ان يفهم منها على ان المغرب منعزل تماما عن سياقه العربي,فمنذ وصول العربية إلى المنطقة المغاربية والامازيغ يبدون رغبة جامحة في تعلمها لكونها لغة القران الذي اعترفت به اغلب الجماعات الامازيغية القديمة,وعليه فالحديث عن مغرب امازيغي فقط وإقصاء العربية مجرد كلام سخيف ينطوي على مغالطات تاريخية وعلى أساطير سحيقة لا علاقة لها لا بالحاضر ولا بالسياق التاريخي لشعب المغرب الأقصى.. لا اعتقد ان هناك مغربيا أصيلا سينكر الأصل الامازيغي للشعب المغربي,ولا اعتقد ان المغاربة أغبياء لدرجة التفريط في مورثوهم الثقافي الامازيغي,لكنني لا اعتقد أيضا ان هذا اللوبي الامازيغي المتطرف الذي صار يبتدع في القول بقادر على صياغة مفاهيم صادقة لحل إشكالية الامازيغية بالمغرب,فمحدودية خطاب هذا اللوبي تظهر جليا من عدد من النقاط,سأحاول حصرها في 3 نقاط اساسية: النقطة الأولى هي محاولته طمس الهوية المزدوجة للمغاربة وجعلها قائمة فقط على الامازيغية في استبعاد تام للدور الكبير الذي قامت به العربية في المغرب,فهؤلاء لا ينظرون إلا إلى الجانب الفارغ من الكأس,فيروجون لشعارات جوفاء من قبيل ان المغاربة ليسوا عربا,وبالتالي ليس عليهم العيش في نفس الواقع العربي الحالي المليء بالأمراض والمشاكل,وأكاد اجزم ان هؤلاء لا يقرؤون التاريخ جيدا ولا يدركون ان العرب وان كانوا اليوم في موطن ضعف,فقد كانوا في يوم من الأيام في موطن قوة,والأكيد أنهم سيعودون لموقعهم الأصلي ان توافرت لديهم شروط التنمية بأبعادها المتكاملة,ولهذا فانا اسأل ومن منطلق الفضول ماذا لو كان العرب اليوم يمثلون اكبر قوة اقتصادية وعسكرية وتجارية في العالم,هل كان هذا اللوبي المتطرف بقادر على ترويج مفاهيمه المغلوطة؟؟ النقطة الثانية التي تبين ازدواجية التعبير لذا هذا اللوبي,هو تطبيعه اللا مشروط مع إسرائيل ومع الكيان الصهيوني,تحت ذريعة ان اليهود والامازيغ إخوة فرقهم الاستعمار العربي,فقد غاب عن فكر هؤلاء ان العربية والعبرية هما من اللغات السامية وتقاربهم واضح في كثير من الأمور,وحتى القران الكريم قدم دلائل واضحة على وجوب احترام اليهود,فلا وجود لأية حرب بين العرب واليهود كما يدعي هؤلاء,بل هي موجودة بيننا وبين الصهاينة الذين دنسوا ارض فلسطين,ولو كانت هذه الحفنة المتطرفة من الامازيغ على ذرة واحدة من الوعي لاختارت ان تكون صديقة لليهود المعتدلين الذين رفضوا الاستقرار في فلسطين,فعلى الأقل قد تلتمس لهم هنا بعد العذر وتقول بأنهم يريدون إحياء قرابة قديمة قائمة على الحب والسلام. النقطة الثالثة هي لغة تيفيناغ التي زادت من تعقيد الأمر ولم تحله,فعوض ان يتم ابتداع لغة مكتوبة قريبة من العربية-كما الفارسية أو الاردو في الهند-,تسهل عملية التلقين والفهم لدى المغاربة الذين تشبعوا باللغة العربية وبقواعدها,تمت العودة الى لغة قديمة جدا بإشارات غير مفهومة وبعيدة كل البعد عن السياق التاريخي للمغرب,فالتلميذ المغربي اليوم مطالب بفهم 3 لغات من طينة مختلفة: لغة بأحرف لاتينية متمثلة في الفرنسية والانجليزية والاسبانية بكل القواعد الصعبة و المعقدة للغات اللاتينية,ولغة عربية صار فهمها واستيعابها يحتاج لسنوات من الدراسة على اعتبار فشل المنهاج التلقيني لهذه اللغة في المغرب وارتكازه على كثير من المقومات التي أكل عليها الدهر وشرب,ولغة امازيغية مكتوبة بأحرف صعبة للغاية وتعيش في حالة من القطيعة بينها وبين المنطوق من اللهجات المتفرعة عنها كالشلحة والريفية,لذلك اطرح سؤال أما كان من الأجدى كتابة الامازيغية بالأحرف العربية على الأقل في المرحلة الأولى وبعد ان يتعود عليها المغاربة من الممكن استبدال الحروف العربية بحرف تيفيناغ؟ مشكلة بعض الامازيغ في المغرب,هي أنهم يعتقدون ان المغاربة(العرب) يحتقرونهم,فيتخذون من بعض النكات الشعبية السخيفة عذرا للحديث عن هذه (الحكرة) الوهمية,كما يصرون على انتقاد عدد كبير من المهرجانات الفنية المغربية سواء الوطنية أو الدولية خاصة تلك التي تقوم بمدينة اكادير,فيدعون أنها لا تحترم الفن الامازيغي,رغم ان كثيرا من هذه المهرجانات تحمل بين دفتيها إشارات واضحة للفنان الامازيغي,وتحاول الإشارة إلى الفن المحلي دون إفراط ولا تفريط,ولكن للأسف,ما يريده هؤلاء المتطرفون هو القطيعة النهائية مع العربية أو الدارجة في المغرب,فيختلقون مهرجانات خاصة بالامازيغية دون غيرها من اللغات,والأكثر مرارة في الأمر ان هذه المهرجانات الخاصة موجهة بالأساس للناشئة الامازيغية كنهم يريدون تربية هذه الناشئة على الانغلاق وليس على الانفتاح.. الامازيغية عليها ان تكون لغة وطنية لجميع المغاربة,فهذا حقها التاريخي الذي لا ينكره إلا جاحد,ومن حقها كذلك ان تدرس وان يكون لها موطئ قدم في المقررات الدراسية في المغرب,ومن حقها كذلك ان تتطور لتصير لغة مواكبة لتحولات العصر,لكن ليس من حق هذا اللوبي المتطرف ان يدعي ان المغاربة ليسوا عربا,كما ليس من حق أي شخص آخر ان يدعي ان المغاربة ليسوا امازيغا,وليس من حق أي عنصري ان يسميني قومجيا أو عروبيا ان أنا تضامنت مع فلسطين باسم العروبة والإسلام,فواقع الحضارة والسياق الراهن يعطي الدليل القاطع على التركيبة المختلطة للهوية في المغرب,والتي تتمازج بين ما هو عربي وما هو امازيغي,وما هو إسلامي مع احترام الأقليات الدينية الأخرى في المغرب,وبالتالي فهذه المكونات تتداخل فيها بينهما لصياغة مغرب قائم على التسامح وعلى التعايش بدل الدعوة لإثارة الفتن الطائفية والعرقية والتي نحن بغنى عنها في الوقت الراهن.. فالمغربي هو إنسان امازيغي بالأساس عربه الإسلام,ولنا ان نفخر بهذا الغنى الكبير وهذا التنوع الجميل في حضارتنا المغربية,وذلك بدل الإصرار على زرع بذور الفتنة والعنصرية في بلد له الكثير من التحديات التي تنتظر من الشعب المغربي المزيد من التلاحم وليس التناطح كما يريد البعض.. وفي نهاية مقالي المتواضع هذا,اشكر مسبقا كل قارئ اتفق معي وقال لماذا,وكل قارئ اختلف معي وقال لماذا,واشكر كذلك كل قارئ سيستعمل قاموسه المفضل من السب والشتم,فقد اعتدنا عليهم في هسبريس,وصارت تعليقاتهم كتلك الوصلات الاشهارية السخيفة التي نراها بين الفينة والأخرى في قنواتنا التلفزية.. [email protected] http ://www.facebook.com/profile.php ?id=568799586