تناقلت وسائل الإعلام رأي الشيخ عبد الفتاح مورو نائب رئيس حركة النهضة التونسية في شعار " الإسلام هو الحل" في حوار له يوم الأربعاء فاتح أكتوبر 2014 مع موقع " العربي الجديد" إذ قال :" هذا شعار فارغ درج على ألسنة الشعوب وعلى ألسنة الحركات الإسلامية من دون وعي بمضامينه،وهو يشبه شخصا مريضا يأتي للعلاج فيقال له بأن الطب هو الحل" اه تنوقلت القولة كأنما هي فتح جديد، في مجال التنظير للعمل الإسلامي،والشيخ مورو منظر لا شك في ذلك،لكن عجبي لا ينقطع من قلة اطلاع أبناء بلدي على اجتهادات زعمائهم وعلمائهم ومفكريهم،على طريقة " مغنية الحي لا تطرب" فقبل ما يزيد على العشرين سنة حذر الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله من " المزايدات الشعارية" وأطال النفس في الحديث عن شعار " الإسلام هو الحل" لا سيما في كتابيه " حوار مع الفضلاء الديموقراطيين" و" العدل: الإسلاميون والحكم" فقال فجاء في الكتاب الأول ص 42: "شعار «الإسلام هو الحل» كفارغ البندق، جعجعة بلا طحن، إن لم يجلس العقلاء المسلمون، الفضلاء الديمقراطيون، لحوار مخلص حتى يتفاهموا على الكلمة السواء، ويتعاونوا على البر والتقوى. الإسلام ما هو حكر على أحد، ولا مرتع خاص لحزب وجماعة" حاصل كلامه: بدون النجاح في امتحان تدبير الاختلاف مع المخالفين يبدو الحديث عن " الإسلام هو الحل" عبثيا،ولا يناسب أخلاقيات التواضع الإسلامي التمركز حول الذات الفردية والجماعية،ولا ادعاءات الانتساب إلى "الفرقة الناجية" والحكم بالهلاك على الناس (من قال هلك الناس فهو أهلكُهم،وفي رواية فهو أهلَكَهم)،وكل هذا لا يعني بالمقابل السقوط في "لغة انهزامية" تميع الالتزام بالحق والعمل به،ولا السقوط في "نسبية متطرفة" تعتقد ألا وجود لصواب أو حق مع أي أحد،حتى إذا بحث المرء يوما عما يمكن أن يدافع عنه فلا يجد شيئا،مما ينتج عنه بنية فكرية وعقدية هشة قابلة للاختراق والاكتساح،فتتحول منظومة الأفكار والأذكار إلى ساحة مستباحة تمهد الطريق للخيانة والعمالة والتمكين للأجنبي،والجمود على حرفية الأقوال والأفعال،وركوب متون "التدعيش" والتسلف والتدين المزيف،فتتليف العقول كما تتليف الكبد. أما في الكتاب الثاني(ص 505 وما بعداه) فقال:" "على الإسلاميين أن لا ينزلقوا إلى المزايدات الشعارية فيوهموا المسلمين أن «الحل الإسلامي» مفتاح سحري وتعويذة ملكوتية وعملية غيبية يتبخر أمامها شياطين التخلف وأبالسة البؤس وفراعنة الظلم. لا يوهمونهم أنها رُقية مطهرة تُذْهِبُ أرجاس الماضي بين عشية وضحاها، وتبرئ الوضع المريض من عاهاته، وتحمل الأعباء عن الكواهل، وتطعم الجائع اليومَ قبل غد. لا يوهمونهم أن الملائكة تتنزل أفواجا بالرحمة العاجلة لمجرد أن الملتحين الصادقين أمسكوا زمام الحكم وجلسوا على مِنصة السلطة. لا يوهمونهم أن «الحل الإسلامي» دَوْرة كَفٍّ تأتي من سماء العجائب بالنعيم تُدِرّه على الخلق، وبالرخاء والأخوة والكفاية والقوة بلا تعب.بل بل يلزم أن يُعْلِموهم ويعَلِّموهم أن «الحل الإسلامي» للمشاكل المعيشية التي حولها تَحْمَى السوق السياسية هو اجْتهادٌ وجهاد مدعُوٌّ للمشاركة فيه لا للتفرج عليه واستمطار بركاته كل مسلم غيور على دينه، وكل ذي رصيد خلقي ومروءة وقدرة وعلم، ليقف مع الإسلاميين في الثغور. ليقف معنا في الثغور ابتداء من ثغر نفسه لتتوب عن «دين الانقياد» والاستسلام. وفي ثغر أسرته وعائلته ومسؤولية رعيته أينما كانت مكانته الاجتماعية. يجب أن يعلموهم أن «الحل الإسلامي» ليس وَعدا انتخابيا يتوكل عنك بمقتضاه النائب في البرلمان والعضو في المجلس المحلي والوزير والحاكم ليعفيَكَ من كل تعب ويحمل عنك كل عبء. بل «الحل الإسلامي» جواب عن السؤال الحميم الحيوي: من أجل ماذا أعيش وأية قضية هي قضيتي في الحياة؟ تَطْرَحُ هذا السؤال على نفسك، أوْلا فيطرحه عليك الإسلامي بعد أن طرحه على نفسه فوجد أن مساعدتك له على الجواب ضرورة له وبشرى عاجلة لك بما ينتظرك وينتظرهُ وينتظر الأمة من خير الدارين إن كان الجواب: حَيَّهَلاَ! كان الإسلاميون في المعارضة وسيبقون فيها زمانا يرفضون الحكم بغير ما أنزل الله وينددون بالظلم والظالمين ويبشرون بالشورى والعدل، ويحملون في قلوبهم عقيدة وحدة الأمة، والشوق إلى توحيد الأمة، والعزم على توحيد الأمة. فحِين تَزِفُ ساعة التقدم بكلمة «الحل الإسلامي» إليك لتختار وتنتخب وتقترع فإنما هي دعوة لكي تنخرط في المجهود الإسلامي لا لكي تغامر بورقة تطرحها في صندوق ثم تمضي لشغلك حتى يُخْفِقَ من يُخْفِقُ ويقف أمام الباب المسدود من يقف فتَمسَح في الإسلاميين تبِعات الشدائد، وتنفِضَ منهم يدك، وتَنفضَّ من حولهم. في سوق الانتخابات- وهي بالفعل سوق- يجب أن يتمسك الإسلاميون بمبدإ الوضوح والصدق ليستظهروا بالصدق على مناوشات الماكيافليين سماسرةِ السياسة المحترفين. أيُّ تزوير أخبثُ من الكذب على المسلمين وتغميض الأحوال عليهم بِلَفِّها في خِرَقِ الشعار الإسلامي والوعد الخيالي! الوضوح والصدق! يجب أن يُعْلِموا المسلمين ويُعَلِّموهم أن الفساد في الحكم هدَمَ أخلاق الأمة، ونخَرَ في اقتصادها، وبدَّدَ ثرواتها، وشرَّد المستضعفين، ودفع الفتيات البائسات اليائسات إلى سوق البِغاء، وخطَفَ لقمة العيش من أفواه الأطفال، وتسبب في تفشي البطالة والمخدرات والمرض والخمور والعهارة ومدن القصدير والرشوة والمحسوبية وطابور المشاكل. ويعلموهم أن صلاح هذا الفساد يتطلب علاجا طويلا، وجراحة متخصصة، وتجريع المريض الدواء المر، وحمله على الالتزام بالمواعد، وعلى قَبول التطبيب طوعا وكرها. يجب أن يُعلم الإسلاميون المسلمين ويعلِّموهم أن «الحل الإسلامي» يعني تطهير المحل لِيَنْبُتَ فيه نسيجُ حياة جديدة، تبعثها روح جديدة، وتوجهها عقلية جديدة، ويضبطها شرع الله الله الأزلي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. يجب أن يُعْلِموهم ويعَلّموهم أن عملية التطهير والاستنبات لا تتم برُقية ساعة، ولا بِخَلْقَطِيرَةِ غَمْضة عين، ولا بجهد طائفة من الناس يُعفى حضورُهم الناسَ من كل كُلْفة. يجب أن يُعلموا المسلمين ويعلموهم أن أمام الحكومة الإسلامية مَجالاً طويلا عريضا مديدا في الزمن للإصلاح، وأن دين المتدين ومروءة الشريف ومال المتقي وجُهد المستطيع وخبرة الإداري وغيرة الجميع يجب أن تتجند إلى جانب الدعوة الإسلامية والحكومة الإسلامية في جهاد طويل مرير في مذاق أبناء الدنيا، عَسَلٍ في لَهاة المؤمنين والمؤمنات. أمامَ الدعوة الإسلامية والحكومة الإسلامية أيام الصبر والمطاولة والمواصلة. ومن سائر المسلمين يطلب «الحل الإسلامي» تضحيات. من يستجيب لمرشح يعِدُ الناخبين بالتضحيات، لا يتملقهم ولا يداريهم ولا يُماريهم وسوق المزايدات الحزبية قائمة على ساق؟ يكون ذلك الصادق غريبا ولا شك بين الكذابين. لكن عندما يمَلّ المسلمون كذب الساسة الفاشلين-وقد مَلّوا وسئِموا- فستُوقظ كلمة الصدق التي تزيل الوِصاية عن ضمائر المسلمين، والغشاوةَ الديماغوجيَّةَ عن أعينهم، والتعتيم المخادِعَ عن عقولهم، لتبني علاقات جديدة عِمادُها الصدق والمسؤولية والمشاركة الفعليَّةُ.هذه العلاقات الوثيقة الصادقة المُشارِكة تُؤَسَّسُ وتُبنى خارج الحلبة السياسية وطيلة الوقت لا في المواسم الانتخابية. هذه العلاقة لا يقدر أن يؤسسها ولا أن يرفع بنيانها الانتهازيون ولا المنافقون ولا لصوص الأصوات الانتخابية. ذلك لأنها تؤَسَّسُ وتبنى في المسجد، في صف الصلاة، في مجلس الوعظ، في حلقة العلم. في المسجد يعرِض هذا على الفقيه والواعظ والأخ الناصح مشكلةً يجد لها رأيا، ويُلمِّحُ هذا لحاجة فيأتيه العَوْنُ، ويمرَض ذاك فيدلِفُ إلى بيته الإخوان، ويتَأَيَّم هذا فيجد من يُزوجه، ويُرَحَّل ذاك فيتجند من يدبر له مأْوىً، ويحمل جنازة بيت الآخر مؤمنون متطوعون. من المسجد يبدأ «الحل الإسلامي». في المسجد تُنسج الخيوط الأولى في كساء الوَلاية بين المؤمنين، لا تُعوِّض مُبْرَمَ سَداها وتماسُكَ لحمتها علائقُ الزَّبانة السياسية ولا تُقارِب، وحاشا. إن لم تكن العلاقةُ حميمة متينة بين الإسلاميين وجمهور الأمة فإن أول عثرة في الطريق -ولا بد من عثرات- تفرق الجمع وتشتت الشمل وتُجْهِضُ الحِمل. ثم إن هناك المتربصين، معهم متفجرات نائمة، وقنابل موقوتة، لن يُفلتوا الفرصة ليُصعقوها بين أقدام السائرين على درب الإسلام ليزرعوا البلبلة ويخلخلوا الثقة في «الحل الإسلامي» وحاملي شعاره. لن يُفلتوا أولَ فرصة" . على طرفي ثورات البناء والتصحيح إيجابيات يجب أن تُشَيد وتُوطد بالإعلام والتعليم عمادها الأناة، والتدرج ،والحكمة ،والصدق، والمسؤولية، والمشاركة، والاجتهاد، وقسمة التضحيات ،وتخليق السياسة، والتدبير السلمي للاختلاف،وسلبيات يجب أن تُنَحى وتُمحى عمادها التزييف، والأنانية ،و"النرجسية التنظيمية" ،والفساد الذي يهدم الأخلاق ،وبيع الأوهام ،وكيل الوعود الانتخابية، وحب الرئاسة والزعامة ،والاستسلام والخضوع ل"دين الانقياد" الذي يرسخ الاستقالة غير المشروطة أمام السلطان،كلها آفات تحاول "المزايدات الشعارية" إخفاءها،وتَحدث أخي وصديقي الأستاذ خالد العسري الذي أتقاسم معه الكثير من هموم الفكر وخلجات القلب عن "المعرفة الشعاراتية" فصاغ مضمونها في خاطرة من خواطره الجميلة قائلا:" لشد ما أندم على لحظات صبيانيتي الفكرية التي كنت فيها أهجر مفكرين ﻷن كل مكتوباتهم اختزلت في شعارات، فماركس كل ما قاله الدين أفيون الشعوب، وفرويد ليس سوى داعية للجنس، وسارتر ليس سوى دهري... وكبرت حتى علمت أن صناعة شعار مقيت لمفكر أو عالم صنعة خبيثة، تختزل كل مكتوبات المفكر في كلمة صدق أو كذب، ومقصدها أن تبعد كل صبيانيي الفكر عن معرفة ما قال المفكر مما كتب لا مما روي عنه في شعار، فياسين رحمه الله ليس سوى معتقد في الرؤى وضد النظام السياسي، والبوطي رحمه الله ليس سوى صوفي معتقد في شرعية الاستبداد، وطارق رمضان ليس سوى متفلسف في الدين ...فإن أردت أن ترتفع عن صبيانية التفكير، فلا تتعجل الأحكام، واصبر على قراءة ما كتبه أصحاب المشاريع الضخمة، وإلا فيكفيك أن تظل بوقا للشعارات. ندمي" قلت: وصبيانية السياسيين المحترفين وأصحاب التدين المغشوش جنت على الأديان والأوطان. !