أثار تراجع الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية بمجلس النواب عن مقترح الملاحظة الدولية للانتخابات، ضمن قانون شروط وكيفيات الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات، موجة من التساؤلات حول دوافع هذا القرار وأسبابه، وقد اتخذ قرار التراجع عن المقترح مباشرة بعد الخطاب الملكي في البرلمان، وتكليف الملك رئيس الحكومة بالإشراف على الانتخابات المقبلة، وفسر النائب البرلماني عن فريق العدالة والتنمية "عزيز كرماط" هذه الخطوة في تصريح لهسبريس، بقوله "أن الهدف هو قطع الطريق على بعض القراءات المغرضة التي اتهمت الحزب والفريق البرلماني بالتشكيك في العملية الانتخابية". فهل الملاحظة الدولية للانتخابات تعتبر في حد ذاتها تشكيكا في نزاهتها؟ وهل التشكيك في نزاهة الانتخابات أصبح من "المحرمات"؟ فأما اعتبار الملاحظة الدولية للعملية الانتخابية بكونها تشكيكا في العملية الانتخابية، فهذا أمر في غير محله، بل العكس هو الصحيح، فإذا كان هناك جزم بنزاهة الانتخابات فما الدافع لمنع الملاحظة الدولية، وقد يتحول هذا الرفض المستميت للملاحظة الدولية مبررا كافيا لدى البعض للتشكيك ابتداء في نزاهة تلك الانتخابات. كما لا تشكل الملاحظة الدولية أي انتهاك للسيادة الوطنية كما يزعم البعض، والدليل أن غالبية الدول الديمقراطية وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي يمكن وصفا بأنها أكثر دولة تطرفا في مسألة السيادة الوطنية، والتي رفضت الانضمام لعدد كبير من الاتفاقيات الدولية بمبرر السيادة؛ تقبل بالملاحظة الدولية على انتخاباتها، ونفس الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي، وباقي دول العالم. فهل انتخاباتنا المغربية أكثر نزاهة من نظيراتها الأمريكية والأوروبية والدولية؟ وهل الانتخابات التونسية التي ستجرى نهاية هذا الأسبوع أقل نزاهة من نظيرتها المغربية، حين سيحظرها العديد من المراقبين الدوليين؟ وهل انتخابات نظام الانقلاب في مصر الذي رحب بل وتسابق على استقطاب الملاحظين الدوليين –بحثا عن شرعية دولية- أكثر نزاهة من المغرب؟ وهل الجزائر التي استقدمت ملاحظين من الإتحاد الإفريقي والإتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة للانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي قاطعها تيار كبير من الشعب الجزائري بسبب نتائجها المعروفة مسبقا؛ هل انتخاباتها أكثر نزاهة من مثيلاتها المغربية؟ وأما التشكيك في نزاهة الانتخابات فليس المقصود به التركيز على حصول عمليات تزوير واضحة في نتائجها، فهذا الأسلوب أصبح "كلاسيكيا" وتكلفته السياسية باهظة على صورة المغرب ونموذجه السياسي، وإن كان هذا لا ينفي إمكانية حدوثه؛ ولكن المقصود بالتشكيك كل المراحل التي تقطعها العملية الانتخابية بدءا من عملية التسجيل في اللوائح انتهاء بإعلان النتائج. فكيف لا يحق لنا الشك في نزاهة الانتخابات ونحن لا زلنا في بداية الطريق الطويل والشاق نحو الديمقراطية؟ و كيف لنا أن لا نشك وهناك إصرار متعمد على رفض التسجيل في اللوائح الانتخابية اعتمادا على البطاقة الوطنية؟ وكيف لا نشك ومعالم تقطيع الدوائر الانتخابية يتجه نحو الحفاظ على الوضع القائم، الذي يساهم في خلق مجالس معاقة معرقلة للتنمية، في الوقت الذي يطالبها الكل بأن تكون رافعة للتنمية؟ وكيف لا نشك وهناك رفض لتعميم نظام اللائحة على كل الجماعات الترابية؟ ورفض مقترح تولي وكيل لائحة الحزب المتصدر مباشرة رئاسة المجلس؟ وكيف لا نشك وعدد مكاتب التصويت يفوق 30 ألف مكتب، وهو رقم يقارب مجموع عدد أعضاء أكبر حزب سياسي في المغرب، في الوقت الذي لا تتجاوز فيه مثلا عدد مكاتب التصويت في مصر ذات 90 مليون نسمة 14 ألف مكتب، وبإشراف قضائي كامل، في حين أن غالبية من يشرف على رئاسة مكاتبنا هم موظفو الجماعات المحلية؟؟؟ وكيف لا نشك وما وقع في الانتخابات الجزئية الأخيرة بعد دستور 2011 ماثل أمامنا؟ ويبقى سؤال محوري للفاعلين السياسيين: إذا كان تراجع فريق العدالة والتنمية عن مقترحه "مفهوما" سياسيا، باعتبار أمينه العام هو رئيس الحكومة وبالتالي المشرف على الانتخابات المقبلة –وإن كان مطلوبا من برلمانيي الحزب عدم التماهي مع القرارات الحكومية كما تنص أوراق الحزب-؛ فإنه من غير المفهوم كيف لا تتسابق أحزاب المعارضة التي"تهدد" بمقاطعة الانتخابات بسبب تشكيكها في نزاهتها؛ كي تتبني هذا المقترح، وهي المتحللة من أعباء تدبير الشأن العام، وبالتالي تسجيل نقط سياسية في صالحها ضد الحكومة، عوض اشتغالها بالأمور الجزئية والسطحية لرئيس الحكومة ووزرائه. - طالب باحث بسلك الدكتوراه/ القانون العام والعلوم السياسية الكاتب الإقليمي لشبيبة العدالة والتنمية /سطات