تقرير هيومن رايتس ووتش حول حقوق الانسان في مخيمات تندوف: غايات سياسية بقناع وشكل حقوقي أصدرت المنظمة الحقوقية الأمريكية، هيومن رايتس ووتش، تقريرا حول واقع حقوق الإنسان في مخيمات اللاجئين بتندوف ، جنوبالجزائر، عنونتها "اللاجئون يواجهون قيودا على بعض حقوقهم". ويقع التقرير في 94 صفحة، وهو خلاصة زيارة عمل امتدت لأسبوعين. انتهت فيها المنظمة، إلى تأكيد مصداقية ادعاءات بوجود مضايقات داخل المخيمات بسبب التعبير عن الرأي، بالإضافة إلى انتهاك حقوق مدنيين بسبب محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية علاوة على ممارسة الحجز القسري وخرق حرية التنقل وتقييد الجزائر لقدرة اللاجئين على الاستقرار خارج المخيمات. يزيد منه تشديد إجراءات التفتيش وكثرتها وتعددها وازدواجيتها. و في إطار تحليلها للمضايقات، فان "هيومن رايتس ووتش" كيّفت الأصوات المعارضة المسموعة في المخيمات بميلها إلى انتقاد إدارة البوليساريو ولا يمتد إلى هدفها السياسي في تقرير المصير. ووصفت وسائل الإعلام، التي تعمل في المخيمات، بأنها أجهزة دعائية تابعة للبوليساريو ومحتكرة من قبلها. وهو ما جعل وجهات النظر، المخالفة لوجهة نظر الجبهة لا تحظى بتغطيتها. ووقف التقرير عند اعتقال البوليساريو 2010 لأحد سكان المخيمات لمدة شهرين، بسبب حديثه عن دعم الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، ومن بعدها أبعدته إلى موريتانيا ومنعته من العودة إلى المخيمات بعيدا عن عائلته، في إشارة إلى مصطفى سلمى ولد مولود. ولتقديرنا أهمية التقرير كشكل من أشكال توثيق وتوفير الحجة لواقع ووضع حقوق وحريات اللاجئين في المخيمات، التي ناذرا ما يسمح بزيارتها خارج دائرة وقطر الجمعيات المؤيدة والموالية ذات القربى والقريبة. فقد ارتأينا فحص وتحقيق وتقدير درجة ومدى مصداقية تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ليس لامتلاكنا حقائق نريد مطابقتها مع تقرير المنظمة. بل لأن القانون الدولي لحقوق الإنسان الخاص باللجوء، يوفر لنا قواعد مسلمة وبديهية، لها علاقة مباشرة بمدى بمسؤوليات الجزائر، وهي دولة اللجوء لالتزامها القانوني تجاه اللاجئين، يفترض في التقرير تولي البحث والإجابة عنها، لأنها لا تحتاج إلى تأويل من أحد كان. ولسابق اتهام المغرب لعمل هذه المنظمات، ووصفها أنها غير مستقلة وتتأثر بميولات موظفيها. أولا: مضمون التقرير وتناقضاته - يشير تقرير منظمة هيومن رايس ووتش إلى أن اللاجئين الفارين من النزاع حول الصحراء يعيشون في الصحراء الجزائرية في مخيمات تديرها جبهة البوليساريو، التي تسعى إلى تقرير المصير. وأكد التقرير أن إدارة البوليساريو للمخيمات تتم بموافقة ودعم من الجزائر. دون أن يخوض التقرير في عدم انسجام تفويض الجزائر إدارة المخيمات إلى الغير، وهي جبهة البوليساريو مع القانون الدولي، ، يعتبر خرقا سافرا لاتفاقيات اللجوء. الذي يفرض على بلد اللجوء، وهي الجزائر عن طريق سلطاته ومؤسساته وموظفيه إدارة مخيمات اللجوء في تعاون مع جهات مؤهلة قانونا لذلك، وهي منظمة الأممالمتحدة والمفوضية السامية لغوث اللاجئين والأمين العام للأمم المتحدة دون غيرها ولا سواها. - يؤكد التقرير على وجود انتهاكات ومضايقات لحرية التعبير عن الرأي، ثم يصف الأصوات المعارضة المسموعة في المخيمات بجنوحها إلى انتقاد جبهة البوليساريو في طريقة الإدارة وليس انتقادا ينصب حول هدفها السياسي في تقرير المصير. وكأن التقرير يريد القول إن الغاية الأخيرة مشتركة وأضحت إجماعا بين سكان المخيمات، متناسيا أنه وصف هذه الأصوات بالمسموعة فقط، وهو ما يعني أن هنالك رأي آخر مقموع، ولكون التقرير نفسه أكد على وجود وجهات نظر سياسية تختلف عن وجهات نظر البوليساريو، منها حالة مصطفى سلمى ولد مولود، الذي أشار التقرير إلى اعتقاله سنة 2010 بسبب تعبيره عن تأييده لمقترح المغرب بالحكم الذاتي. دون أن يقف التقرير عند تيار شباب التغيير ولا عند الأصوات التي اعتصمت واحتجت أمام مكتب مفوضة غوث اللاجئين لمساعدتها على العودة إلى المغرب. - استهل التقرير بمقدمة اعتبر فيها اللاجئين قادرين على مغادرة المخيمات إن شاؤوا، ثم ما لبث متراجعا ليضمن حقيقة مفادها أن البوليساريو لا تلجأ إلى تقييد سفر السكان إلى جهتين موريتانيا والصحراء "الغربية" في استنتاج آلي بتقييدها إلى ما دون ذلك. وإلا كيف يفسر التخصيص إلى جهتين اثنتين فقط. ناهيكم عن إشارة التقرير إلى عدم تمكين الجزائر للاجئين من وثيقة السفر، جواز السفر الجزائري. والتشديد المشترك الجزائري والبوليساريو للإجراءات الأمنية ونقاط التفتيش على طول الطرق. وهو ما يعد خرقا من الجزائر لحرية وحق أساسي في التنقل. - الاحتجاز القسري: أشار واضعو التقرير على منع الجزائر لقدرة اللاجئين المتوفرة على الاستقرار خارج المخيمات بتندوف، ووصف التقرير للمكان الجغرافي، بأنها صحراء يصعب العيش فيها، وهو ما يجعله تجمعا قسريا لأناس في مكان معين بالرغم من توفرهم للإرادة والقدرة على اختيار مكان آخر غيره داخل التراب الجزائري وأرغموا عليه. ويعتبر ذلك في نظر القانون أركانا لفعل الاحتجاز محكم الطوق والحراسة بأحزمة متعددة لقوات الجيش الجزائري وعناصر مسلحة من البوليساريو. و لا يقتصر الاحتجاز على اللاجئين بل نال زائرين من جنسيات أخري، بحيث تناول التقرير احتجاز البوليساريو قسرا لامرأة إسبانية من أبوين بيولوجين يعيشان في المخيمات وعدم السماح لها بالعودة إلى اسبانيا، وكذا وجود واستمرار للرق والعبودية، وهو ما يشكل بتعبير التقرير جريمة جنائية خطيرة. - محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية: وقف التقرير عند حقيقة مفادها أن البوليساريو تحاكم المدنيين أمام المحاكم العسكرية ووصفت ذلك بأنه يتعارض مع القانون الدولي الذي يمنع ذلك، كما وقف عند غياب الدرجة الاستئنافية للتقاضي. لكن ما تغافله التقرير هو عدم توضيح ماهية التنظيم القضائي الذي يتم التقاضي أمامه، وكذا نوع القانون الذي بموجبه يُحاكمون؟ هل هو نظام قضائى جزائري وقانون جزائري. لأنه المفترض أن يكون هكذا عليه الأمر؟ لكن الواقع يقول عكس ذلك. فهي محاكم من إنشاء البوليساريو وبقانون من سن وتشريع جبهة البوليساريو. وهو غير الجائز في القانون الدولي!! ثانيا: السياسة هاجس يرافق توصيات التقرير وبالرغم من وقوف التقرير عند وجوب الجزائر أن تعترف علنا بمسؤوليتها القانونية لضمان احترام حقوق كل شخص على أراضيها، بما في ذلك سكان مخيمات اللاجئين. فان تقرير "هيومن رايس ووتش" ربط ذلك فقط بسبب الإقليم، دون أن يشير إلى الإطار القانوني الذي يفرضه وضع واتفاق اللجوء على الجزائر. وهو قصور متعمد لأن غاية التقرير ليس رصد الخروقات لحقوق وحريات اللاجئين من طرف الجزائر، وهي المسؤولة عن ذلك بمقتَضى القانون الدولي، ولا يشفع لها ما أشار إليه التقرير منذ بدايته من كون إدارة المخيمات تم من طرف البوليساريو بموافقة ودعم من الجزائر، ولعدم جواز تفويض إدارة مخيمات اللجوء في القانون الدولي لفائدة الغير وخارج إطار قوانين ومؤسسات دولة الإقليم واللجوء. بل غاية التقرير التبريري، هو ما أشار إليه في التوصية الأخيرة: "…وينبغي على مجلس الأمن توسيع ولاية بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان ورفع التقارير عنها في كل من الصحراء"الغربية" والمخيمات التي تديرها البوليساريو في الجزائر، أو إنشاء آلية بديلة تمكن الأممالمتحدة من توفير مراقبة منتظمة، ومستقلة، وميدانية لحقوق الإنسان والإبلاغ عنها". وهو في ذلك يضع كيان غير موجود ماديا وقانونيا مع دولة ذات سيادة في ميزان واحد. ويتغاضى عن المسؤولية القانونية والأخلاقية للجزائر تجاه اللاجئين وتفادى الخوض في عدم اضطلاع الأممالمتحدة والمفوضية السامية لغوث اللاجئين بمسؤولياتهم. فهل التوصية الأخيرة الواردة في تقرير "هيومن رايس ووتش" بتوسيع ولاية واختصاص المينورسو، الذي يرفضه المغرب، وجعله سببا يحول دون استئناف المفاوضات تحت إشراف كريستوفر روس، هو سبب هذا التقرير، الذي هو وثيقة أعدت للاستهلاك السياسي قبل موعد السابع والعشرين من أكتوبر الحالي، تاريخ مناقشة مجلس الأمن لموضوع الصحراء برئاسة الأرجنتين ؟. *محامي بمكناس وخبير في القانون الدولي لحقوق الإنسان