مع انطلاقة وررش مراجعة منظومة التربية والتكوين، ودور المجتمع المدني في ترسيخ الحكامة والديمقراطية التشاركية في الرقي بالمدرسة العمومية أو الخصوصية، تأتي الحاجة ملحة لإطلالة على دور الجمعيات المدنية المشتغلة في الفضاء التعليمي. فالأموال، التي تتصرف فيها الجمعيات العاملة في الفضاء التعليمي(جمعيات أمهات وأباء وأولياء التلاميذ، الجمعيات الرياضية، التعاونيات المدرسية،جمعيات مدرسة النجاح، جمعيات التنشيط والترفيه التربوي..)، تحتاج إلى وقفة تترصد الإيجابيات وتنبه للسلبيات أو المستفيدين من ريعها. هذا دون الالتفاتة إلى ريع بعض النقابات المستفيدة من تناقضات الوضع التربوي بالمغرب، والمصالح التابعة للمندوبيات التعليمية أو الهيئات المرتبطة بالوزارة الأم، والأموال التي تديرها، خاصة وأن المؤسسات التعليمية أو المدرسة عمومية كانت أو خصوصية بلغة المغاربة تمثل عينة مناسبة لكشف اختلاف التوجهات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، مما يفرض المساهمة في ترسيخ الحكامة في هذا الجانب من جوانب الرقي بأدائها على أن تتولى دراسات أخرى الوقوف على الجوانب الأخرى. مسلمات مبدئية وحتى لا يظن أي طرف مدني أن اشتغلاله في الرقي بهذه الجمعيات يمثل اتهاما صريحا لمهمته التطوعية، أو محاولة لثنيه عن مهمته الوطنية النبيلة، فإن من الضرورة الإشادة ب: الأطر التربوية التي تبذل مهجها وريعان صحتها لتخريج الأجيال المقبلة دون كلل أو ملل، صباح مساء، شتاء وصيفا، إلا القلة القليلة من الأطر التي تفتقد للضمير المهني، فأمرها موكول إلى بارئها في مدى رعايتها للأمانة التي أسندت إليها. بعض المديرين الشرفاء، الذي يعتبرون التلاميذ فلذات أكبادهم، والمدارس التي يديرون شؤونها، جزء من أداء حق الوطن عليهم، ويبقى الاستثناء واردا في شأن فئة قليلة ممن اغتنموا فكرة"المال السايب كيعلم السريقة"، فحولوا هذا الريع لأنفسهم ومصالح عائلاتهم. بعض النقابيين الشرفاء، الذين يعتبرون نضالاتهم جزء من حياتهم، سواء بوقفاتهم وبياناتهم الصريحة والصادقة، دون الحديث عن أولئك من استثمروا تفرغهم النقابي لترقيع الحالة وتوظيفها تفرغهم لممارسة مهن أخرى. بعض رؤساء المصالح بالمندوبيات والوزارة الوصية، الذين يتحسرون عن الريع المالي الذي يذوب أمام أعينهم صباح مساء من لدن انتهازيين خصصوا راتبهم الشهري لتبديل السيارات والاستثمار في العقارات وعائدات الصفقات المرتبطة بترميم البنايات التعليمية. وبغض النظر عن حافز الإشادة بهؤلاء والتشنيع على سلوك أؤلئك، فإن الخوض لما يتحرك فيه هؤلاء داخل الفضاء التعليمي من أموال وتجهيزات ومكتبيات وصفقات وغيرها يدعونا إلى أخذها بعين الاعتبار في كل مقاربة للرقي بالمدرسة العمومية، التي تعد منجما للخبرات، سواء تم الاستستفادة من التلاميذ المتخرجين أو من وظائف أوليائهم، وما يمكن أن يساهموا به للرقي بأداء المدرسة العمومية والخصوصية. وهذا الريع المالي الكبير الذي تموج فيه المؤسسة التعليمية هو ما جعل البعض يستثمر في التعليم الخصوصي للاستفادة من ريعين: مبالغ مالية من واجبات التمدرس. والثاني إعفاءات الدولة وتشجيعها السخي. دون الوقوف عند تخصص بعض المدرسين العموميين في الاشتغال في هذه الفضاءات والساعات الإضافية للحصول على أجرة أخرى، مما جعلهم يسبون قرارات "الوفا" الوزير السابق، الذي حاول تقليم بعض الأضافر المستفيدة ليتم الانتفاضة على قراراته الجريئة في الإصلاح . مجلالت الريع: محمد عبده بسلا نموذجا وحسب ما يقتضيه حساب "الخشيبات" والانتقال من العموميات إلى الخصوصيات، يجدر بنا أن نأخذ مدرسة محمد عبده ببطانة بسلا نموذجا للتقريب، خاصة وأن كاتب المقالة أسند إليه تسيير جمعية الآباء بها لولايتين، مما أتاح له الوقوف على بعض الاختلالات في تدبير أموال الجمعيات الدائرة في فلكها، والتي يجب تداركها قبل تردي الأوضاع. وحتى لا نتهم أخرين بالقذف والإساءة، وكوننا نرمي زجاج الناس بالحجر، يجدر بنا الإشارة إلى طريقة تدبير الجمعيات العاملة بالمؤسسة والحاجة لافتحاص أو فتح تحقيق حول مساهمات المنخرطين والتلاميذ ومجالات صرف هذه الأموال ومدى حضور الشفافية والحكامة في صرفها. ونتساءل سويا: كم هي مداخيل جمعية الآباء والجمعية الرياضية والتعاونية المدرسية ومنحة مدرسة النجاح، وما هي مجالات صرفها؟ ما حقيقة استفادة مكتبة معروفة بحي بطانة من تزويد المؤسسة بالكتب وبعض المستلزمات المدرسية، وما هي آليات استفادتها أيضا من صباغة المؤسسة؟ ما مداخيل فئة المنشطين التربويين، الذي يمثل لهم تصريح السيد النائب "كارط بلاونش" لغزو جيوب أولياء التلاميذ؟ وتبقى هناك مجموعة من الاختلالات رهن إشارة أية لجنة تفتيش نزيهة تفتح الزوايا المظلمة من هذا الريع المالي، ليس لإدانة المتورطين فيها، ولكن فقط لنقدمها عينة لترشيد جمع وصرف هذه الأموال من لدن الجمعيات المدرسية، وإلى أي حد يكون عائدها في مصلحة التلميذ، رجل المستقبل. وخلاصة الكلام فواجب الوقت يفرض ضرورة استثمار غيرة بعض المتدخلين واستعدلدهم للبذل للرقي بالمدرسة العمومية أو الخصوصية خدمة للصالح العام ونهضة الوطن ورعاية أجيال الغد، فكم يثلج صدر كل غيور أن تدخل مدرسة نظيفة شكلا ومضمونا. - صحافي ورئيس جمعية مدرسية سابقا