"مدرستي الحلوة"..نشيد جميل تعتز به وتحفظه أجيال عبر الزمن. ولم تكن هذه مجرد كلمات بل كانت تجسد الحلاوة – مجازا – على مستوى جودة المدرسين المربين الباحثين المحبين لمهنة التعليم، وليسوا باحثين عن شغل فقط..الذين يرسخون القيم ومبادئ حقوق الإنسان قبل مصادقة المغرب على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبل المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل، حتى وإن لم يكونوا خبراء في القوانين ولا قادمين من مكاتب الدراسات؛ ولكن لهم ممارسات بيداغوجية ويثيرون اهتمام الأطفال، ويساعدونهم بكل حب على تطوير حب الاستطلاع؛ لا يميزون في القسم بين ابن القاضي..وابن الجزار..وابنة البقال، في جو تسوده المساواة والتنافس المعرفي وتكافؤ الفرص، ما أدى إلى مخرجات إيجابية منها الأطر والكفاءات الوطنية التي أسهمت في التغيير الإيجابي للمجتمع وتقدمه. وقد ركزت على المدرسين لأنهم أساس العملية التربوية، فهم من يصنع بناة الوطن أو مدمري الوطن؛ كما قال *بياجي*..حتى وإن أعددت أفضل البرامج في العالم لا يمكن أن تنجح إذا لم يكن العنصر البشري راغبا ومؤهلا لتنفيذ ذلك البرنامج...*. الأوراش الإصلاحية ومسايرة للعصر الذي نعيشه بملامحه العولمية، حاولت المدرسة المغربية أن تتكيف مع المستجدات الحضارية والتربوية عبر محطات إصلاحية متعددة...تستوجب التذكير بها: - الإصلاح الذي تبنى المبادئ الأربعة: المغربة –التعريب –التوحيد – التعميم سنة 1957 - اللجنة الملكية لإصلاح التعليم اشتغلت على توحيد المناهج سنة 1958 - الإصلاح الذي عمل على تفعيل آليات المبادئ الأربعة، وذلك في مناظرة المعمورة سنة 1964 - إصلاح خصص للعمل على التعريب من خلال المخطط الثلاثي سنة 1965 - إصلاح استهدف التكوين المهني وذلك في مناظرة إفران سنة 1970 - إصلاح عمل على إلزامية التعليم، وإدماج المدرسة في محيطها سنة 1999 - الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والهدف منه تغيير المناهج، وإعطاء الأهمية لتدريس اللغة الأمازيغية سنة 2000 - المخطط الاستعجالي: اعتمد بيداغوجيا الكفايات تحت شعار: جميعا من أجل مدرسة النجاح سنة 2009/2012 - الرؤية الإستراتيجية للتربية والتكوين سنة 2015/2030.. لإصلاح التعليم من أجل مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء. بالإضافة إلى برامج الدعم التربوي والاجتماعي – برنامج التربية غير النظامية –فرصة ثانية –برنامج تيسير – مبادرة مليون محفظة... كل هذه الإصلاحات وأخرى، وكل هذه التدابير لتطوير المدرسة المغربية أو إنقاذها؛ والأموال والموارد المالية والبشرية، والمذكرات، ومازال تعليمنا في الرتب المتدنية في مؤشرات التنمية التي تعتمد على نسبة الأمية، البطالة، مستوى التشغيل. وصنفت اليونيسكو المغرب في مؤخرة الترتيب (108 من أصل 128 دولة). كما فقدت المدرسة ثقة الأسر المغربية لأنها مازالت بعيدة عن انتظاراتها، فالنجاح الحقيقي لم يدخل عند التلميذ والتلميذة بل ظل واقفا بباب القسم.. ويمكننا الوقوف على مظاهر ضعف وتراجع قوة المدرسة المغربية وإشعاعها الجميل من خلال المؤشرات التالية: -الإصلاحات التربوية التي تم تبنيها أفرزت تضخما للجهاز الإداري ممثلا في القرارات والقوانين التنظيمية، ولم تركز على مكونات العملية التعليمية الأساسية، ولم تشرك رجال ونساء التعليم، ولم تراع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية للجهات. وظل المدرسون بمواقف سلبية لعدم إشراكهم في اتخاذ القرار. - التسيير العام للوزارة يطغى عليه الجانب الإداري، في وقت يحدد النظام الأساسي للوزارة مهمتها في العمل التربوي. - المديريات الإقليمية تقتصر وظيفتها على تنفيذ الخطط والسياسات على المستوى المركزي دون مجال للتصرف أو الاجتهاد. - المؤسسة الدينية لها حضور قوي في مجتمعنا، وعندها مواقف سلبية من كثير من مشاريع الإصلاح. المناهج وطرق التدريس والتقويم تقليدية تكرس الخضوع والخوف والاتكال والماضوية...ولا تمنح العقل ولا مبادرة التلميذ ولا كرامته أو حقوقه أي اعتبار ولا قيمة، رغم أن اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب تقول في المادة 29: "توافق الدول الأطراف على أن يكون تعليم الطفل موجها نحو تنمية شخصيته ومواهبه، وقدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها، وتنمية احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، والمبادئ المكرسة في ميثاق الأممالمتحدة". فئات أسندت لها مهام التدبير التربوي المركزي عن طريق الريع النقابوي والحزبي، وعن طريق المحسوبية وليس عن طريق المباريات والاستحقاق وتكافؤ الفرص. الهدر المدرسي الذي تعاني منه المدرسة المغربية؛ فهناك 350 ألفا من الأطفال يغادرون المدرسة سنويا قبل سن 15 سنة، دون أي تكوين أو شهادة؛ ما يعرضهم للأمية والتشرد أو التطرف والإجرام... عدم وضوح السياسة اللغوية وملمح التلميذ المغربي. ضعف الفضاءات المدرسية: مرافق صحية ؟..حدائق...ملاعب.. أنشطة إبداعية ضمن الزمن التربوي... ضعف التكوين الأساس والمستمر لجميع الفاعلين التربويين. عدم الاستفادة من التجارب، والانتقال من إصلاح لإصلاح وإستراتيجية لأخرى دون تقييم. وزارة التربية الوطنية لا قدرة لها على الحراك، ولا طاقة لها على المبادرات والابتكار والتجديد والتطوير، فهي دائما تنتظر الضوء الأخضر من أصحاب الحل والعقد. الضمير المهني الذي أصبح "مرفوعا" و"مستترا" لدى الجيل الجديد (مع احترامي لأصحاب الحس المهني العالي). اقتراحات حتى لا تنهك المخططات الفارغة منظومتنا التربوية وتنخرها الحلول الترقيعية، وتعود مدرستنا الحلوة إلينا. إجراء روائز للراغبين في الالتحاق بالتعليم بعد حصولهم على إجازة بيداغوجية، ثم التكوين سنتين. التركيز في المرحلة الابتدائية على تعلم المهارات الأساسية: اللغة- الرياضيات –العلوم اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة ثانية لأنها لغة العلوم والاقتصاد والأبحاث، والتواصل العالمي تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة التكوين وتجديد التكوين كل سنة، ومن لم ينتج ويبدع ويحسن المردودية يفصل تفعيل المنهاج الجهوي. إعداد مناهج نشيطة تعتمد على المهارات والنقد والإنتاج الشخصي للتلميذ وليس الاستظهار وإعادة الإنتاج. إن الارتقاء بالمدرسة العمومية هو المدخل الأساسي للوصول إلى التنمية الشاملة والتقدم ومسايرة العصر، نتيجة عمل جماعي- يساهم فيه المجتمع المدني والإعلام والفاعلون التربويون- وفق مبادئ الحق والواجب. والمعرفة دائما هي الحل....