هذا الفراغ المحيط بنا، هل هو بالفعل فراغ؟ هل الفراغ فراغ؟ مراكز علمية متعددة، في مختلف القارات، منشغلة أيما انشغال بماهية الفراغ في حياتنا الأرضية والكونية.. وتجمع على أن هذا الذي نسميه فراغا، ليس في واقعه فراغا.. هو مادة.. وطاقة.. إنه مشحون بطاقات وجزيئات وأمواج تجوب الكون طولا وعرضا.. ويفيد الخبراء ان الطاقة موجودة بشكل لانهائي في الفضاء الكوني، وأن الإنسان يستطيع أن يضئ كل مكان على الأرض، وفوق الأرض، ويشغل المصانع وكل الآليات، بطاقات مجانية موجودة فوق رأسه.. وأكثر من ذلك، يستطيع أن يستغل الطاقة الموجودة في جسمه، وهي التحت حمراء، لإضاءة منزله وآليات منزله، مجانا.. مجانا.. الفراغ إذن كله مفيد لنا جميعا، وبدون تلوث.. والفراغ الكوني مفيد أيضا في نقل الخطابات البشرية إلى أقصى نقطة في الكون.. وأقصى نقطة اكتشفتها العلوم حتى الآن، تقارب 14 مليار سنة ضوئية.. وإذا اعتبرنا – في هذا السياق - أن الأمواج التي بثتها الإذاعة لدى ميلادها منذ حوالي قرن، قد وصلت حاليا إلى مسافة 100 سنة ضوئية، فإذا التقطت كائنات متحضرة خطابات هذه الإذاعة، وقامت بالرد الموجي عليها، فإن الرد سوف يصل إذاعيا إلى كوكب الأرض بعد قرن من الآن.. إن الفراغ الكوني ليس فراغا، بل هو ملآن بالأصوات والصور والأمواج الإذاعية وكل ما هو طاقة، لأن الضوء هو ناقلها الفعلي عبر الفضاء الكوني.. وما زال الفيزيائيون منشغلين بطبيعة كل الجزيئات الراحلة في الكون، بينما زملاؤهم في علم الاجتماع يتحدثون عن وقت الفراغ المتداول اجتماعيا، حيث أن تضييع الوقت من السلبيات، واستغلاله إيجابي مفيد.. ويربطون الفراغ بالأخلاق، ومدى النجاح في الحياة المهنية والعامة.. كما يربطه النقاد السياسيون بالفراغ الفكري الملاحظ عندنا في البرلمان والأحزاب والنقابات وغيرها.. ها هو الفراغ يتحول في شموليته إلى أبعاد في المكان والزمان، دون أن يتجاوز الأربعة أبعاد المعروفة، وهي الثلاثة المكانية، والبعد الرابع الزماني.. ولكن أبعادا أخرى ما زالت مجهولة، وهي جاثمة في الجهة الخلفية للفراغ.. وهنا تتحدث (نظرية الحبل) عن أبعاد أخرى قد تكون لامتناهية.. وهذا يعني أن الفراغ – في كل الأحوال - ليس بالفعل فراغا، بل هو مشحون بمادة سوداء، أي مجهولة، وطاقة سوداء، هي أيضا مجهولة.. ويعني أن ما يتراءى لنا في الكون لا يمثل سوى أقل من 10 بالمائة من الفضاء الكوني، بينما أكثر من 90 بالمائة مادة غير مرئية، وطاقة تؤثر فينا، ولا نراها.. وإذا شبهنا الفضاء الدقيق الموجود في دماغ كل منا، نجد نفس الأرقام، حيث أن أكثر من 90 بالمائة عبارة عن جزيئات مائية تقوم بالتواصل بين خلايا الدماغ.. وفي هذا السياق، لا نستخدم في حياتنا العقلية سوى أقل من 10 بالمائة من مؤهلاتنا.. وعلى الأرض، ليست البحار فراغا، بل هي ملآى بالحياة.. ومن هذا الفراغ الحي، في الجسم والأرض والكون، نتعلم أن الفراغ ليس معزولا عما نراه بالمراصد والمجاهر من نجوم وكواكب وجزيئات.. الفراغ كالقلب نابض بمكونات الحياة.. قلب يعني أن الكون حياة.. وأننا لكي نستمر في الحياة، يتوجب أن نحسن التعامل مع الطبيعة.. ونحمي كوكبنا الثمين.. كوكب الأرض: كوكب الحياة.. [email protected]