كثر الحديث مؤخرا عن تامغربيت حتى أضحى بعض المغنين الشعبيين يلتحفون الراية المغربية وهم مخمورون يجرون الكمنجة كيفما اتفق ويتمايلون من شدة السكر ذات اليمين وذات الشمال. كما تغنى بصوت أجش أغنية " نداء المسيرة" بالملاهي الليلية في فضاء تقرع فيه الكؤوس حتى تدور الرؤوس وتباع وتشترى فيه الأجساد الأنثوية دون حياء. وفيما يعجز بعض المغنين عن تسويق أغانيهم أو الملحنين في إبداع ألحان ناجحة، أصبحوا يزاحمون بعض الساسة الانتهازيين في تلويك خطاب سياسي مستهلك ويحاولون التموقع في خندق الانتهازيين الجدد... هذا لا يعني أن الوطنية حكر على خريجي المعتقلات والعائدين من المنافي، لأننا نتذكر بكل افتخار مسيرة الرباط التي شارك فيها أزيد من 200.000 مغربي ومغربية للدفاع عن مكتسبات الوطن، والتي أبدعتها الفنانة العالمية المتألقة نعيمة المشرقي ذات الرصيد الفني الغني عن كل تذكير، دون التملق لأصحاب الحال أو التودد لهم بكل حقارة كما يفعل بعض أشباه الفنانين وبعض اليساريين السابقين "السمايرية" الذين احترفوا السمير والارتزاق. فكل واحد منهم احتكر ملفا حقوقيا / أصلا تجاريا أو أحد الملفات المتعلقة بإحدى القضايا الوطنية فأصبح يتاجر بها في السر والعلن دون حياء مبتغيا تحقيق مكاسب مادية بحتة لصرفها في الحانات ومواطن الفجور، وبالنهار يوزع صكوك الغفران ويحاكم نوايا المناضلين الشرفاء الذين تعف نفوسهم عن الانبطاح ولو كلفهم ذلك قوت أبنائهم. ما يدفعني لدق هذا الناقوس غير موصول بفضح هذه الشريحة الجديدة من مناضلي الوقت الميت لأن الزمن كفيل بذلك، وإنما الحدث السعيد المتمثل في ميلاد البطل مصطفى سلمى. فبعيدا عن نضاله النبيل لترسيخ أحقية المواطنين الصحراويين في التمتع بمغربيتهم على غرار باقي إخوانهم المغاربة، فقد استطاع لوحده أن يقف في وجه الطغمة المعتدية على حقوق بنو جلدتنا المحاصرين بتندوف السليبة، دون الطمع في الوصول إلى منصب عامل أو وال تولاه الله. فهو يخوض معركته النضالية من أجل وطنه الأم في ساحة الشرف مواجها خصوم الوحدة الوطنية، وليس وراء مكتب فاخر ومكيف. فنضاله الميداني عرى آخر أوراق التوت التي كان يدثر بها بعض المتياسرين المتظللين بيافطة أحد الأحزاب اليسارية المتلاشية والذين استأثروا الفوز بالغنيمة وإهدار رصيد الشهداء والمناضلين الشرفاء وبيع أحزابهم بالتقسيط لمن يدفع أكثر، وذلك عبر خنق هذه الأحزاب و قتلها تدريجيا بتجفيفهم للمنابع (نقابات، جمعيات وتنظيمات) التي كانت تضخ الحياة في شريانها، فأضحى همهم الوحيد متمثلا في المحافظة على بعض المكاسب المادية التي تم التصدق عليهم بها، كما قاموا بإقصاء خيرة أطر أحزابهم حتى لا يزعجوا أولياء نعمهم.. إن الخيط الناظم بين كل ماذكرت سالفا يتجسد في ضرورة القيام بتعرية هذا الواقع المزري لأن بلدنا، وإن جارت علينا، توجد حاليا في منعرج حاسم لتثبيت حقنا في وحدتنا الترابية. ولأننا، ولأول مرة بفضل البطل مصطفى سلمى، أصبحنا نلاحق خصومنا ونقض مضاجعهم بين جدرانهم دون مهادنة. لهذا فإنني أدعو أشباه المناضلين وأشباه الفنانين أن يتقوا الله في وطنهم وأن يكتفوا بما غنموه وطالته آياديهم القذرة، حتى لا يضطروننا لمطاردة الساحرات بالنعال والشباشيب... فشجاعة ونبل مصطفى سلمى تستوجب ممن تبقى في وجههم ذرة حياء أن يستحضروا هوياتهم النضالية و يستثمروا هذا المكسب الوطني الكبير للعمل على خلق جو تعبوي يشمل جميع مناحي الحياة العامة. وبالتالي يؤسسوا لثقافة سياسية جديدة قوامها التخليق والحكامة الجيدة، وذلك بإنتاج نخب جديدة حقيقية (وليس ابن العم وابن الخال فقط)، تكون قادرة على مواكبة المشروع الوطني الديموقرطي الذي انخرطت فيه المملكة منذ 11 سنة. وحتى نكون صرحاء مع أنفسنا ومع ذوي النفوس الضعيفة والمائعة، فإن الدولة في الفترة الراهنة قوية بشكل يجعلها غير محتاجة لمداحين جدد... فإذا كان النظام قد نجح في مصالحة المغاربة مع ماضيهم الأليم واستطاع التوجه بهم قدما إلى المستقبل، فعلى الأحزاب السياسية أن تصالح الشباب المغربي مع السياسة الوطنية عوض تنفيرهم بالتوجهات الانتهازية التي تنهجها قياداتها في السنوات الأخيرة (...) دون تذكيرهم بالمشاركة المتدنية للناخبين في الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي تعكس مدى فشل مسيري هذه الأحزاب في تأطير المواطنين كما تنص على ذلك القوانين.