يشيد الدكتور محمد سالم الشرقاوي، الباحث المتخصص في سوسيولوجيا الاتصال، بحرص المغرب على ضمان استقلال قراره السياسي، وتعزيز مناعته عبر تنويع مصادره الطاقية، وتشجيع الاستثمار في موارد الطاقة البديلة والمتجددة، من دون الارتهان للنفط". ولفت الشرقاوي، في مقال ورد إلى هسبريس، إلى أن صراع المصالح أصبح بين الدول المقتدرة في محيط بلدان محور النفط، يتصاعد بوتيرة مجنونة تغذي التطرف، وتعزز التحكم في الشعوب، وتأذن بعودة الاستبداد في البلدان المنكوبة". وهذا نص مقال محمد سالم الشرقاوي كما توصلت به الجريدة: حين نقرأ تصريحات السيدة أمينة بن خضرا، مسؤولة المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، عن "الآفاق الواعدة للاستكشافات النفطية" في المغرب، الذي بات يحتوي، وفق تعبير نُقل عنها، على "أنظمة نفطية وأهداف بترولية"، فإننا، في واقع الأمر، نحاول نقل الإحساس بالتوجس والقلق، الذي ينتاب بعضنا، جراء "لعنة النفط"، التي أصابت بُلدانا بالتفكك وعدم الاستقرار. ومع تنامي احتمالات تدفق البترول في المغرب، تجد منا من يكتم الشعور بعدم الرغبة في تحقق ذلك، في ضوء ما نشهده من مظاهر الفوضى والتخريب والتدمير والقتل على الهوية، التي تعصف بالأبرياء في منطقة حباها الله بموارد طبيعية جعلتها هدفا مفضلا للغزاة وقوى الاستعمار. ولذلك فإنك تجد من يتملكه الإحساس بأن ما يُحفز الجحافل على قطع آلاف الأميال لقتال المجاميع المتطرفة في العراق وسوريا، ليس فقط الحاجة إلى تجفيف منابع الإرهاب، بل لحماية مصادر النفط وجعل (الأهداف البترولية) بعيدة عن مرمى أسلحة متطرفي "داعش" و"النصرة" وغيرهما من التنظيمات المُسخرة لخدمة الأهداف المرسومة. أصبح صراع المصالح بين الدول المقتدرة في محيط بلدان محور النفط يتصاعد بوتيرة مجنونة تغذي التطرف وتعزز التحكم في الشعوب وتأذن بعودة الاستبداد في البلدان المنكوبة، مما يدفعنا إلى تقاسم الانشغال الذي يكتمه الذين لا يتمنون أن يكون المغرب يحتوي على مقومات نفطية بالقدر الذي يثير شهية الطامعين!! لقد فضل المغرب أن ينأى بنفسه، طيلة قرون، عن الصراعات الدينية والمذهبية واختار، بحكمة قياداته، موقعا يجعله اليوم مصدر إلهام، على الرغم مما يصدر، بين الفينة والأخرى، من انتقادات مشروعة، تطال النموذج المجتمعي الذي يجري بناؤه، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، بعد التصديق الواسع على مقتضبات الوثيقة الدستورية الجديدة في فاتح يوليو 2011. ومن دون شك فإن حرص المغرب على ضمان استقلال قراره السياسي، ينسجم تماما مع الجهود التي يبذلها لتطوير اقتصاده بإطلاق عدد من المشاريع المؤسِّسة، ومنها المشروع الملكي الرامي إلى تعزيز مناعة المملكة وتنويع مصادرها الطاقية وتشجيع الاستثمار في موارد الطاقة البديلة والمتجددة، من دون الارتهان للنفط. لقد مر زمن على استقلال الدول العربية، إلا أن غالبيتها لم تتمكن، للأسف، من تحصين بلدانها وبناء نموذجها السياسي والاقتصادي، بسبب مظاهر الاستلاب والتبعية، التي تجعلها في حاجة دائمة للغرب ولخدماته في تأمين الحماية المؤدى عنها مُسبقا من تدفق الأموال الكافية لبعث الروح في الاقتصاديات الغربية المنهارة. لذلك فإنه من واجب المملكة المغربية أن تعيد ترتيب تحالفاتها الإستراتيجية وبناء اقتصادها على أساس يؤمن التوازن المطلوب في علاقاتها بين محوري الشرق والغرب وفق مقاربة تقوم على تحصين المكتسبات وتعزيز الإصلاحات وترسيخ دعائم النموذج التنموي المغربي، الذي تأسس على "القيم الحضارية للشعب المغربي وخصوصياته الوطنية". إن دعوة جلالة الملك ل "إنصاف الدول النامية والتعامل الموضوعي مع إشكالية التنمية بها" في خطاب جلالته الموجه للمنتظم الدولي بمناسبة انعقاد الدورة 69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، يكرس شجاعة مُقدرة لترسيخ السيادة الكاملة وتعزيز الاستقلالية في القرار عن قوى الاستعمار التي كانت سببا في ما تعيشه عدد من البلدان من إشكالات مرتبطة بعدم الاستقرار. من الواضح أن التخطيط للحرب التي تدور رحاها هذه الأيام على الإرهاب، تحمل بذور استعمار جديد يختزن في طياته أهدافا جيو- إستراتيجية تكرس الفوضى القائمة على حماية الأقليات وتذكية النعرات الدينية والطائفية والمذهبية، وتجعل الأغلبية المسلمة (تأكل) بعضها، حتى يسهُل ترتيب الأوضاع، والمحافظة على المصالح الغربية في مأمن عن العبث. ألا يشتم الواحد منا رائحة النفط في هذه الأجواء الموبوءة؟ فقوانين التجارة التي تنظم العلاقة بين البائع والمشتري بحسابات الربح والخسارة، لا تضمن تدبير الاختلاف بالطريقة التي تفضي إلى استرداد الضعفاء لحقوقهم، في ظل غياب القوة المؤثرة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن، التي لا تكاد تُطبع قراراتها حتى يجف حبرها، فتُحفظ في الربائد من دون عنوان.. إن اهتزاز صورة المجتمعات الإسلامية نتيجة ما يروجه الإعلام من صور نمطية عن المسلمين، يجعل الموقف العربي الضعيف يمضي إلى الانكماش، مُقابل مُضي المشروع الفارسي في التوسع إلى العراق وسوريا ولبنان وبعض بلدان الاتحاد السوفياتي سابقا، وتوسع المشروع التركي وبحثه عن الهيمنة واستمالة الأنصار في العالم العربي. وقد رأينا كيف ارتفع صوت رئيس تركيا رجب طيب أردوغان (مُقرعا) رئيس جمهورية مصر أمام رؤساء الدول والحكومات في أكبر منتظم عالمي، بنفس القدر الذي تابعنا فيه تواضع رئيسا بريطانيا العظمى وفرنسا العلمانية أمام (رئيس) إيران يطلبان وده للانخراط في الحرب على الإرهاب. ومن يدرينا أن لا تكون خطوط الاتصال الغربية قد رُبطت بمصالح (خليفة) داعش القرشي لحثه على مواصلة جهاده المقدس ضد "الكفار والمرتدين" من أبناء عمومته والصابئين، وحمله على الاستمرار في تنفيذ خطة ضرب الأمة وتدمير قيمها الدينية والحضارية وإذلال شعوبها، إمعانا في الإهانة!! *باحث متخصص في سوسيولوجيا الاتصال