كشفت الحلقة الأخيرة من برنامج "مباشرة معكم" على القناة الثانية دوزيم، عن أزمة العمل السياسي الحزبي في المغرب، عند الاعلان صراحة من طرف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن الحكومة حكومة صاحب الجلالة، وهو الموقف الدي لم يتأخر في الرد عليه سريعا، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، كاشفا أن المعارضة بدورها معارضة صاحب الجلالة. إن الاعلان عن مثل هاته المواقف، من طرف قادة أحزاب سياسية، يكشف بأن الأغلبية والمعارضة البرلمانية في المغرب، إنا أنها تشتغل بأوامر ملكية، أو أنها تتوهم بأن الملك يتوخى هدا الأسلوب، علما أن الملك له مركزه السياسي والديني والتاريخي والدستوري، يجعله في منأى عن أي تأويل أو توظيف سياسي أو حزبي. وفي كلتا الحالتين معا، يتكشف للعموم، أن الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة أو تلك المعارضة، لا تقوم بالأدوار المسندة إليها بمقتضى الدستور والقوانين، وتبعا لذلك فهي مجرد كائنات سياسية تفتقد إلى الاستقلالية، وهو ما يؤثر سلبا على عملية تإطير المواطنات والمواطنين، وبالتالي عزوفهم عن الانخراط في الاحزاب السياسية. وهذا ما يعني في نظري أن الأحزاب السياسية، لا تتولى القيام بخدمة سياسية ملتزمة، وطبقا لما هو منصوص عليه في الفصل السابع من الدستور، و كما هو مأمول ومتعارف عليه في الأنظمة السياسية الديموقراطية، بل أن ما يؤطر عملها هو الاتفاق والتوافق القبليين، على ضمان توزيع متوازن للثروة السياسية، ومن أهم صورها الانتخابات. ويفهم من ذلك أن الأحزاب السياسية تشارك السلطة، إما ضمنا او صراحة في توجيه العملية السياسية، والتحكم في نتائج الانتخابات، بما يخدم الاستراتيجية المرسومة سلفا، من طرف الطبقة الحاكمة، كما حصل في سائر الانتخابات، ومن أبرزها انتخابات 25 نونبر 2011، التي ظفر فيها حزب العدالة والتنمية ب 107 مقعدا، مما مكنه من رئاسة الحكومة، عملا بمقتضيات الفصل 47 من الدستور، مع العلم أن نمط الاقتراع المطبق في المغرب، لا يسمح لأي حزب سياسي، مهما كانت درجة قوته وشعبيته، من حصاد ما بين 70 أو 80 مقعدا. إن الخطاب السياسي لزعماء الأحزاب السياسية، يجب أن يتسم بالعقلنة والموضوعية، وألا يكون موسوما بالشعبوية أو الديماغوجية، بالنظر الى أهمية المراكز السياسية التي يشغلها هؤلاء الزعماء في المشهد السياسي، والتأثير الذي قد يخلقه خطابهم لدى المواطنين، فقد يكون ايجابيا عند الالتزام بأصول العمل السياسي الهادف، أو سلبيا عندما يتراءى لهم أن قادة الأحزاب أو على الأقل بعضهم، لا يشرفون العملية السياسية، وبأنهم يستثمرون في السياسة لحسابهم الخاص ولعائلاتهم لا غير. وهنا تكمن الخطورة، بحيث تعدو الثقة منعدمة في الأحزاب السياسية، أمام غياب خطاب سياسي رزين لقادتها، قادر على التأثير فيهم وتكوينهم تكوينا سياسيا منتجا، وبناء عليه، فالأحزاب السياسية واجب عليها، ومدعوة الى التقيد بأخلاق سياسية وتنظيمية عالية تستحظر فيها المصلحة العامة، ودرجة المواطنة، ومصلحة الوطن، لأن النزوع والغلو في تسويق خطاب سياسي مبتذل غارق في السب والشتم، وتبادل الاتهامات، لا يخدم العملية الديموقراطية، بل على العكس من ذلك، يشكل عامل نفور المواطنين من العمل الحزبي، ويعمق العزوف السياسي، الأمر الذي يقوي صف خصوم الديموقراطية، ويخدم مصلحة فصائل الاسلام السياسي، التي لا تؤمن بالديموقراطية كاستراتيجية، بل تبتغيها تكتيكا، ومرحلة انتقالية. إن أزمة الأغلبية والمعارضة في المغرب، تكمن في عدم استقلاليتها من جهة، وفي طبيعة قياداتها من جهة أخرى، مما يؤشر بأنها أزمة أحزاب تفتقد إلى قادة وازنين، قادرين على ضمان حماية الأمن السياسي لتلك الأحزاب واستقلاليتها، وهو الشرط الدي تتوخاه الديموقراطية لمعالجة أزمة الأحزاب السياسية في المغرب.