صف طويل ذلك الممتد أمام الباب الرئيسي لمعهد العالم العربي بمنطقة "جيسيو" بباريس، مساء الخميس. المنظمون في حالة حرج شديد يشرحون لمئات الواقفين خارج البناية أن القاعة التي ستحتضن ندوة "لأجل المسلمين" سعتها 430 مقعد، وأن الفضاء ممتلئ عن آخره. حاول بعض القادمين إقناع موظفي معهد العالم العربي بكل وسائل الإقناع التي باءت بالفشل، حيث يبدو أن "الإسلام" مازال كلمة سحرية تجذب عددا كبيرا من المهتمين بأسئلة التنوع والتعايش داخل فرنسا. داخل قاعة رفيق الحريري، بالطابق الأرضي الثاني، يقف المعطي قبال، منسق "خميس المعهد العربي" على المنصة عارضا أرضية الندوة ومقدما ضيفه الرئيس "إدوي بلينيل" Edwy Plenel صاحب كتاب "لأجل المسلمين" ومؤسس صحيفة التحقيق الشهيرة "ميديا بارت". وإلى جانب الكاتب ذي الشارب الأسود الكث، يجلس إلياس صنبر، المؤرخ والشاعر وسفير فلسطين في منظمة اليونسكو، بينما توسط الرجلين "دوني سييفير"، مدير نشر أسبوعية "بوليتيس" الذي تكلف بالتسيير. بلغة سلسة تستدعي الشعر أحيانا كما تستدعي التاريخ أحايين أخرى، تحدث بلينيل عن زمن الأزمة التي شبهها المفكر الايطالي كرامتشي، صاحب نظرية المثقف العضوي، "بصعوبة موت العجوز وعسر الولادة الجديد". بينيل قال إن الأزمة هي علامة انتقال من عهد إلى عهد، وأن الانتقال هو فترة ظهور وحوش من بينها العنصرية والحروب. عنصرية يعاني منها المسلمون وحروب ضد ثقافاتهم، يقول المحاضر، الذي تحول إلى أحد أكبر المدافعين عن المسلمين في أوروبا. استدعى إدوي بلينيل تصريحا للأكاديمي الفرنسي، ألان فينكيالكروت، عندما قال "هناك مشكل إسلام في فرنسا، ويجب أن لا نترك هذا الإشكال الحضاري في يد حزب الجبهة الوطنية اليميني". كان هذا التصريح مستفزا بالنسبة لصاحب كتاب "لأجل المسلمين" واعتبره عاكسا ل"تفاهة ثقافية" تنم عن عقلية تستبطن تراتبية حضارية. المحاضر نبه إلى أن هذا النوع من التصريحات الأكاديمية المنمقة يُذكر بما قبل الحروب في أوروبا وحملة العنصرية ضد اليهود عندما قيل "أن هناك مشكل اسمه اليهود"، منذ ما يزيد عن قرن من الزمان. وبالتالي وجب على المثقفين التصدي لهذا الخطاب المحرض ضد المواطنين الفرنسيين من ديانة إسلامية، تماما كما فعل "إيميل زولا" في مقاله الشهير "لأجل اليهود" المنشور على صدر صفحة "لوفيغارو" يوم 16 ماي 1896. بلينيل قال إن واحدا من أعمدة الجمهورية هو المساواة، وأن الفرنسيين من ديانة إسلامية يجب أن يتعاملوا وأن يتم التعامل معهم على هذا الأساس في إطار دولة علمانية تعمل على الإدماج، وليس التماهي الذي يدفع الآخر إلى الانسلاخ من خصوصيته التي تعد غنى للتنوع والوحدة الإنسانية. المحاضر انتقد بشدة ما سماه العلمانية الفئوية أو الانتقائية التي تضرب روح مبدأ "المساواة"، معتبرا أن كتابه عبارة عن جرس إنذار ضد القراءات الجاهزة والتصورات الجاهلة للإسلام. "هو كتاب لأجل المسلمين كما كان لأجل اليهود و السود و الغجر.. إنه كتاب لأجل فرنسا بكل بساطة" يختم المحاضر الذي كان يتحدث أمام جمهور كان من في مقدمته إدكار موران وطارق رمضان.