بوريطة: نعمل على جعل معبر الكركرات ممرًا استراتيجيًا للنقل البري    الجزائر في مواجهة عزلة دبلوماسية متصاعدة جراء تداعيات ملف الصحراء المغربية    الرباط: بلجيكا تشيد بالمبادرة الملكية لتسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي    بورصة البيضاء : تداولات الإفتتاح على وقع الإرتفاع    انتشال 18 جثّة بعد حادث اصطدام طائرة بمروحية في واشنطن    قرعة دوري أبطال أوروبا غدا الجمعة.. وصراع ناري محتمل بين الريال والسيتي    الملك محمد السادس يبعث ببرقية تهنئة للعاهل الإسباني بمناسبة عيد ميلاده    الوداد البيضاوي يعزز صفوفه بمهاجم صانداونز الجنوب إفريقي على سبيل الإعارة    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    الاحتياطي الفدرالي الأمريكي يبقي سعر الفائدة دون تغيير    حاجيات الأبناك من السيولة تبلغ 123,9 مليار درهم في 2024    استقرار أسعار الذهب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    المغرب يحقّق أرقامًا قياسية في صادرات عصير البرتقال إلى الاتحاد الأوروبي    ""تويوتا" تتربع على عرش صناعة السيارات العالمية للعام الخامس على التوالي    معنى إبراز الشراكة الاستراتيجية بين الرباط وواشنطن في أول اتصال بين وزيري خارجية البلدين    توقيف 5 أشخاص في قتل مدنّس القرآن    تسليم أسرى أمام منزل يحيى السنوار    الشرع يستقبل أمير قطر في دمشق    عيد الربيع: الصين تحتفل بحلول سنة الثعبان    ترامب يوقع أمرا تنفيذيا يتيح ترحيل الطلاب الداعمين لفلسطين    إنشاء مكتب إقليمي للإنتربول في السعودية    افتتاح السنة القضائية بطنجة: معالجة 328 ألف قضية واستقبال أكثر من 42 ألف شكاية خلال 2024    "ماميلودي" يعير لورش إلى الوداد    50 ‬مليار ‬درهم ‬لتنمية ‬العالم ‬القروي ‬و ‬11 ‬مليار ‬درهم ‬لتطوير ‬النقل ‬الحضري ‬    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    على ‬بعد ‬30 ‬يوما ‬من ‬حلول ‬رمضان.. ‬شبح ‬تواصل ‬ارتفاع ‬الأسعار ‬يثير ‬مخاوف ‬المغاربة    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    نيمار يتنازل عن نصف مستحقاته للرحيل عن صفوف الهلال    أمطار رعدية غزيرة تجتاح مدينة طنجة وتغرق شوارعها    وزارة الأوقاف تُعلن عن موعد مراقبة هلال شهر شعبان لعام 1446 ه    رسمياً…حكيم زيّاش يغادر غلطة سراي التركي    الجيش الإسرائيلي يعلن تسلّم الرهينة الإسرائيلية في قطاع غزة آغام بيرغر    أمير قطر يصل لدمشق في أول زيارة لزعيم دولة منذ سقوط بشار الأسد    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    كيوسك الخميس | الداخلية تتجه لتقنين تطبيقات النقل    وزارة التربية الوطنية تواصل تسوية الوضعيات الإدارية والمالية لبعض الموظفات والموظفين    رينجرز الاسكتلندي يعلن تعيين عصام الشرعي كمساعد مدرب    مجلة الشرطة تسلط الضوء في عددها الجديد على الشرطة السينوتقنية (فيديو)    جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام 2025 تكرّم جهود بارزة في نشر المعرفة الإسلامية    وزارة التجهيز تحذر مستعملي الطرق من سوء الأحوال الجوية على خلفية نزول أمطار رعدية قوية    المغرب التطواني يتعاقد مع مدير رياضي تداركا لشبح السقوط    معهد التاريخ يبرز عالمية المغرب    جائزة عبد الله كنون تكرّم الإبداع الفكري في دورتها الثانية عشرة حول "اللغة العربية وتحديات العولمة"    مركز الإصلاح يواجه الحصبة بالتلقيح    6 أفلام مغربية ضمن 47 مشروعا فازت بمنح مؤسسة الدوحة للأفلام    الفنان المغربي علي أبو علي في ذمة الله    الريان يعلن إنهاء التعاقد مع المغربي أشرف بن شرقي    الطيب حمضي ل"رسالة 24″: تفشي الحصبة لن يؤدي إلى حجر صحي أو إغلاق المدارس    أمراض معدية تستنفر التعليم والصحة    المؤسسة الوطنية للمتاحف وصندوق الإيداع والتدبير يوقعان اتفاقيتين استراتيجيتين لتعزيز المشهد الثقافي بالدار البيضاء    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حاجتنا إلى الكواكبي
نشر في هسبريس يوم 08 - 10 - 2010

نون الجماعة في العنوان، رغم اتساعها لتشمل الجميع، فإن المقصود بها، على وجه التخصيص، هم جمهور الصحافيين. فبعضهم، والبعض في هذه الحالة كثير، لا يعرف الكواكبي مطلقا، أو لا يعرفه، في أحسن الأحوال، إلا كاسم ضمن رواد الإصلاح العربي الحديث، دون أن يكون قد قرأ له إطلاقا أو تعرف حتى على صورته، رغم أن هنالك من الأسباب التي تجعل مثقفا كعبد الرحمان الكواكبي أهلا للتداول بين الأوساط الإعلامية ومادة دسمة للأقلام ومرجعا للاستئناس واستلهام التجربة كثيرا جدا، مما يصير معه الانفتاح عليه وعلى إنتاجه الثقافي حتمية لا محيد عنها ومحطة أساسية لا يستقيم المسار دونها.
أول هذه الأسباب، أن الكواكبي كان بالأساس رجل إعلام: صحافيا مستقلا من طينة نادرة، اشتغل في سن مبكرة بالعمل الصحافي، وانشغل بقضاياه وإشكالاته. فأسس الجرائد، وتعرض للمنع وناضل من أجل توفير هامش معقول من حرية التعبير بمقالاته التي، كلما منعت له جريدة، نشرها في جرائد زملائه. نقرأ في الصفحات الأولى من كتابه الرائع "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" حيث التقديم لسيرته:"فلقد أصدر جريدته الأولى "الشهباء"، وكان العدد الأول يوم الخميس في 27 ربيع الثاني سنة 1294ه، وكان لها صدى واسع، خاصة لأنها صدرت في مدينة حلب التي لم تعرف صحيفة قبلها. ولما أوقفها الوالي العثماني، عمد الكواكبي إلى إصدار جريدة أخرى هي "اعتدال"، وكان نصيبها المنع من الصدور كسابقتها، وعندها، عمد الكواكبي إلى تسطير مقالاته لتنشرها صحف عصره كالنحلة وثمرات الفنون، والجنان، والجوائب، والقاهرة، والمؤيد والمنار."
تفيدنا هذه المعطيات التي قد لا يعرفها كثير من صحافيينا، أن قضايا حرية التعبير والصراع مع السلطة أيا كانت وأينما كانت، والتي حولها أساسا، بالمناسبة، يدور الكلام في كتاب الكواكبي "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" ليست حالة جديدة أو متأخرة أو استثنائية، بل هي على العكس من ذلك، هي الثابت والأصل ولذلك وجب بناء آليات للتعامل معها انطلاقا من هذا المعطى وليس من عكسه. ولذلك ربما وضع الكواكبي في آخر أبواب كتابه نصائح لمن يلتمس السير على سبيل التصدي للاستبداد.
ثاني هذه الأسباب، أن الكواكبي أسس لتجربة صحافية رائدة في المشرق العربي لا تختلف كثيرا، من حيث ظروف نشأتها، عن تجربة المغرب الحالية الباحثة عن إعلام مستقل ومواطن، وبالتالي فهي أحرى بالاستلهام من غيرها من التجارب الإعلامية الغربية الأخرى، أو على الأقل، فهي نظيرة لها وأهل لنديتها. فتجربة الكواكبي ربطت وظيفة الإعلام بصناعة الرأي العام وبتحرير الناس من كل الأوهام التي تنسج حول عقولهم، إنها وظيفة تخاطب العقول، لا تداعب الفروج ولا تدغدغ الكبرياء المريض للمتمجدين والمستبدين. لقد انبرى الكواكبي في مشروعه لموضوع عظيم هو موضوع الاستبداد وطبائعه ومظاهره في الرؤساء والمرؤوسين، ولم يتجه إلى مواضيع الإثارة السهلة والمائعة أو إلى مواضيع التشهير والابتزاز، أو إلى تملق ذوي الحظوة وتزكية أفعالهم وأقوالهم. حلل أوضاع المجتمع حتى وقف على الداء فبادر إلى تطويقه ومحاربته.
ثالث هذه الأسباب، أن الكواكبي لم يفصل قط العمل الإعلامي عن النضال، النضال الحقيقي والعام، النضال من أجل المبدإ، النضال كفطرة إنسانية، وليس نضال القضية الواحدة أو النضال "الترومبلان"، الذي يتخذ مرقاة إلى المصلحة الشخصية أو وسيلة لابتزاز صغار المستبدين، أي لتكريس نمط آخر من الاستبداد.
فهو إذن يقطع أي علاقة بين الصحافي والتاجر، أو بالأحرى بين الصحافي وتاجر الأخبار، الذي يبيع صمته بمال المستبدين.
ويقطع أي علاقة بين الصحافي والكاتب تحت الطلب، الذي يقدم أطباق ما يشتهي القارئ، لا يهمه مما طبخت. يهمه أن يبيع وليس أن يؤثر برأيه في الناس.
النضال فرض عين في الإعلام، وليس سنة أو فرض كفاية، والباحث عن الغنى والربح المادي، حري به أن يبحث عنه في غير الصحافة. هكذا يؤمن الكواكبي الذي تقلد عدة مهام تطوعا بغير أجر.
وكما أنه ضد الصحافي التاجر، فهو ضد الصحافي التقني الذي يعرف نظريا كيف مقومات المقال الجيد دون أن يستطيع إنتاج مقال جيد، صحافي المكتب والأفكار المسبقة، الصحافي الجَلُوس صحافي البرج العاجي والصالونات والفنادق الفاخرة.
لقد قضى الكواكبي حياته راحلا مرتحلا، يسافر ويتنقل ويقترب من الناس ويسمع منهم ويأخذ عنهم ويؤطرهم. من سورية إلى إسطنبول، فالقاهرة فالسودان...
ورابع الأسباب، أن الكواكبي اختار الانتصار للحرية والاستقلالية، لم يتخندق مع هذا المذهب ضد هذا ولم ينتصر لهذه الفئة على تلك، ولم يستقو بهذا التيار على الآخر. بل كان واضحا في اختياره: يحارب الاستبداد أينما كان، سواء في الساسة أو في المسوسين. في متولي أمور الدين أو في متولي شؤون الدنيا.
اختار الانتصار للحرية ومارس اختياراته،وفي كل المناصب التي شغلها، كان أثر فكره. فهو ضد الصحافيين الذين يقولون ما لا يفعلون، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم. وضد الصحافيين الإيديولوجيين، الذين يريدون أن يفعل الناس ما يقولون هم فقط. وضد الصحافيين المتمجدين الذين يصنعون أسماءهم من التملق والنفاق لأولي الأمر، وضد الصحافيين الشعبويين الذين يمنحون الأشياء التافهة قيمة.
وخامس الأسباب، أن الكواكبي مات حتف قضيته، مسموما، غيلة من أعداء رسالته التنويرية. وهو وإن بدا للبعض مصيرا مخيفا ومروعا، فهو دليل على نجاح الكواكبي كصوت إعلامي وكرسالة حضارية في التأثير في الرأي العام وبالتالي استشعار الاستبداد خطورته عليه والإقدام على التخلص منه. "المجد مفضل على الحياة" يقول الكواكبي، كأنه يعلم ما ينتظره.
يعلم أن تغيير الاستبداد يحتاج إلى التراكم، كما ونوعا، وإلى التضحية، مالا ونفسا، وإلى المعرفة دينا ودنيا.
من كل هذا يمككنا الخروج بخلاصات:
1/ أن الأصل، كما يبدو من نموذج الكواكبي في العلاقة بين الصحافة والسلطة، أيا كانت، هي التوتر والصراع، وأن كل بناء للتصورات ينبغي أن ينبني على هذا الأساس.
2/ أن تجربة الكواكبي تصلح نموذجا، وهي على كل حال تجربة ناجحة ورائدة، يمكن الاستضاءة والاستئناس بها.
3/ أن العمل الإعلامي بدون بعد نضالي هو عمل عديم الجدوى فاقد لمصداقيته ولدواعي وجوده.
4/ أن الاستقلالية والشجاعة المجردتين عن أي شيء، هما رأس المال الحقيقي لكل مشروع إعلامي، وليس القرب من مراكز النفوذ أيا كان.
5/ أن طلب الغنى ونشدان "المجد" (وليس التمجد) في ميدان الصحافة خصوصا (وفي كل أمر عموما)غايتان متعارضتان.
6/ أن العمل الصحافي ككل فعل نضالي يحتاج استعدادا غير منقطع للبذل ونفسا طويلا، إذ لا تتأتى ثماره في الآن.
7/ أن غياب نماذج إعلامية من طينة الكواكبي، ذات رسالة ومصداقية، عن ساحة العمل الصحافي عندنا، دليل على المسافة الكبيرة التي تفصلنا عن فعل صحافي مؤثر وإيجابي.
لكل ذلك تلح الحاجة اليوم إلى الكواكبي وأمثاله، معرفة واستلهاما ومحاكاة. فبمثلهم تقاس المسافات على درب التقدم، وليس بشيء آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.