أنا وابن عمي لا نتوقف عند الإشارة الحمراء يحكى، والعهدة من حكى، أن سائحة أجنبية كانت تركب سيارة أجرة في العاصمة، وعندما قطع السائق الإشارة الضوئية وهي حمراء، صرخت به السائحة وقالت: ألم تر أن الاشارة حمراء ياعزيزي؟ فنظر اليها السائق مزهوا وواثقا وقال: انا وابن عمي لا نتوقف عند الاشارة الحمراء. وبعد ذلك بقليل قطع السائق الإشارة الحمراء مرة أخرى فسألته السائحة وهي مرعوبة: بحق السماء ماذا تفعل؟ فالتفت اليها السائق وقال: ألم أقل لك سيدتي انني وابن عمي لا نتوقف عند الاشارة الحمراء؟ كظمت السائحة غيظها والتصقت في كرسيها وهي تتمنى أن تنتهي هذه الرحلة على خير. وفجأة يفرمل السائق ويتوقف عند الإشارة الضوئية التي كانت خضراء في تلك الساعة، اندهشت السائحة ونظرت الى السائق وقالت: ماذا دهاك؟ كيف تتوقف فجأة عند الاشارة الضوئية الخضراء؟ ألا تخاف أن «يخبطنا» السائق الذي يسير خلفنا؟ وهنا قال السائق: بالعكس ياعزيزتي، أن «يخبطنا» سائق من الخلف أسهل من الصدام مع السائق القادم من الجهة الأخرى. فما يدريك ان كان ابن عمي قادم من الاشارة الاخرى الحمراء!! تذكرت هذه الحكاية بعد أن قرأت عن تغليظ العقوبة على المخالفين الذيم يقطعون الاشارة الحمراء والتي تصل إلى اربعمائة درهم عدا ونقدا وما يصاحبها من اجراءات زجرية أخرى وهو الأمر الذي يجعل رفع أسعار المواد الغذائية ضعيف لجانب مخالفة إشارات المرور. أنا شخصيا لا أبرئ وزارة النقل وفريقها العبقري في هذه القضية، فعملية تغليظ العقوبة وراءها جباية جديدة من جيب المواطن الذي سيكون مخيرا بين الدفع فورا أو التجرجر في المحاكم الذي قد يفضي به إلى وراء القضبان. مطلوب من الجميع ان يتذكروا ان الحكومة لن تسامح المواطن في مخالفاته لكونه لا يسامحها في مخالفاتها، فهي تعلم أن هذا المواطن ينكد عليها ليلا ونهارا ولا يتركها تهنأ او ترتاح في مكاتبها المكيفة. فإلى أي الأشطر تولي حكومة عباس وجهها؟ هل تولي وجهها شطر الصحة أم التعليم أم التشغيل أم السياحة وهلم جرا؟ فهذا المواطن مشاكس مشاغب، يحب النكد أكثر من حب قيس لليلى، لا يريد هذا «المزغوب» أن «يدخل سوق راسو»، إذ لا يدع صغيرة ولا كبيرة إلا وحشر فيها أنفه المهترئ. هاهي مدرنة السير الجديدة تجتاز أولى مراحل الصراط المستقيم، وقلب حكومتنا «مقبوط» في انتظار ساعة الفرج. لقد تزينت شوارع مدننا بعلامات تشوير جديدة تخبر السائق أن كامرات الرادار بالمرصاد، فلا تتعجل، وتذكر ذات درس في التحضيري أنه في التأني السلامة وفي العجلة الندامة، وإن كنت أكثر إيمانا فالعجلة من الشيطان. الحكومة تحذر المواطن فقط عندما تريد ذلك، تحذرنا دائما من مغبة كذا وكذا، لكنها لم تحذرنا قط أن ثمن خيزو أصبح بعشرة دراهم دون سابق إشعار، وأن أرانبنا ستموت جوعا، وأعيننا سيصيبها العمش والعمى لأننا لسنا قادرين على أن نبتاع مكيال جزر. حكومتنا ستنتقم منا عند كل اشارة مرور، وفي كل شارع ومحور، ستنتقم منا عند كل شجرة «زغبها» الله أن تواجدت في مكان تسهل فيه اختباء الشرطي، ليخبرك بين الدفع والدفع، ادفع لصندوق الدولة، أو ادفع بالتي هي أحسن، والمرء لا يخير، إلا واختار أخف الضررين. حكومتنا ستنتقم من كل صوت نادى بحقه في الشغل، لتجعل شغلنا الشاغل التفاوض مع شرطة المرور صباح مساء، حكومتنا ستنتقم من كل حقوقي أو مناضل أو فاعل جمعوي قال كفى، فعهد السيبة قد ولى، لتعرفه بالحق الحقيقي، والنضال الحقيقي، وتجمعه «نص نص» عند أول اشارة مرور. من حق حكومتنا أن تنتقم منا جميعا، فنحن لم ندع مجالا ولا جانبا إلا ومرمطنا فيه وزراءنا الأفاضل. لقد نغصنا عليهم حياتهم، ويعيشون معنا عيشة ضنكا. ماذا فعل وزراؤنا بحق السماء؟ ماهذا الحسد الذي أعمى بصيرتنا؟ انظروا اليهم جميعا، بربكم أليسوا ملائكة ونحن من شياطين الجن والإنس؟ أليست حكومتنا مزركشة ملونة، ونحن أغبياء عديمي الذوق والإحساس، ولا نريد أن نرى قوس قزح ساطعا في كل وقت وحين؟ أليس حكيم حكومتنا، وكبير «القعدة» قد بلغ من الكبر عتيا، لكنه يأبى أن يستكين وآثر خدمة المواطن المسكين؟ حكومتنا رشيدة، فريدة، زبيدة، إذن من حقها أن «تكعكع» حكومتنا خفيفة، ظريفة، لطيفة، إذن من حقها أن ترفع ضدنا دعوى قضائية لأننا التقطنا صور خصوصياتها دون إذن مسبق. حكومتنا لم يصبها الجمود، ولاا الركود، بل نحن فقط من نعاني من الكبت الأخلاقي والجنسي، وإن شاهدنا أرداف وأثداء عكرود.