بْعدَ أقلَّ من أسبوعين على توجيه منظمة العفو الدولية "أمنيستي" مراسلة إلى السلطات المغربّية، تطالبها بوقف أحكام "التبليغ الكاذب عن التعرّض للتعذيب"، إثر تصريحاتٍ لوزير العدل والحريات مصطفى الرميد بخصوص تحرك النيابة العامّة ضدّ "الادّعاءات الكاذبة بالتعرض للتعذيب"، عادت المنظّمة الدولية إلى مراسلة السلطات المغربية بخصوص هذا الموضوع. تدخُّل منظمّة العفو الدولية الجديد في ملف "التبليغ الكاذب عن الاختطاف والتعذيب"، جاء إثر الحُكمين الصادرين في حق كل من الناشط الحقوقي أسامة حسني والناشطة الحقوقية والسياسية وفاء شرف؛ الأخيرة حُكم عليها، يوم الثلاثاء الماضي بسنة سجنا وغرامة 1000 درهم، بعْد زعْمها تعرّضَها للاختطاف والتعذيب من طرف مجهولين خلال شهر أبريل الماضي، كما غرّمتها المحكمة مبلغَ 50000 درهم، كتعويض للشرطة المغربية. واعتبرت منظمة العفو الدولية في المراسلة الموجّهة إلى السلطات المغربية، والتي توصّلت هسبريس بنسخة منها، أنّ تغريم الناشطة الحقوقية، وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وفاء شرف ب50 ألف درهم تعويضا للشرطة، حُكْم غير صائب، "لكونها لم تتّهم الشرطة بهذا الخصوص"؛ وطالبتِ المُنظمة الدولية السلطات المغربية بالإفراج الفوريّ عنها، بدون شروط. وقال سعيد بوميدوحة، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، تعليقا على الحُكم الصادر في حقّ الناشطة الحقوقية والسياسية وفاء شرف، إنه "لا يجوز سَجْنُ أي شخص لقيامه بالإبلاغ عن تعرضه للتعذيب، كما لا ينبغي أن يُصنّف التشهير كأحد الأفعال الجُرمية"، وأضاف أنّ الحُكم الصادر في حق وفاء شرف "يرسل تحذيرا مخيفاً لكل من تعرض للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة كي يجبرهم على التزام الصمت أو المخاطرة بأن يُزج به في السجن". الحُكم الثاني، الذي جعل منظمة العفو الدوليّة تراسل السلطات المغربية كان قد صَدر في حقّ الناشط أسامة حسني، البالغ من العمر 22 عاما، وعضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وحركة 20 فبراير، بتهمة التشهير وتقديم بلاغ كاذب بشأن التعرّض للتعذيب، والذي حُكم عليه، يوم 23 يوليوز الماضي، بثلاث سنوات سجنا، وغرامة قوامها 100000 درهم، كتعويض للشرطة المغربية، والذي يوجد حاليا في سجن عكاشة المحلي بمدينة الدارالبيضاء. وفي الوقت الذي طالبتْ منظمة العفو الدولية السلطات المغربية بإطلاق سراح الناشطين الحقوقيين "فوْرا ومن دون شروط"، ووقف "أحكام التبليغ الكاذب عن التعذيب"، قال نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة سعيد بوميدوحة "إن أحكام الإدانة هذه سوف تعزز من ثقافة الإفلات من العقاب في المغرب، ولن يتم القضاء على التعذيب إلا بعد أن يتمكن الضحايا من كسر حاجز الصمت بأمان وجلب الجناة للمثول أمام العدالة". من جهة أخرى؛ طالبت منظمة آفاز الدولية، التي يوجد مقرها بنيويورك الأمريكية، ب"حماية ضحايا التعذيب في المغرب تجريمهم"، حيث أطلقت عريضة احتجاج الكتروني تدعو إلى إطلاق سراح وفاء شراف، الناشطة الحقوقية بطنجة، التي سبق وأن اعتقلت أخيرا بتهمة "الوشاية الكاذبة والتبليغ عن جريمة تعلم بعدم حدوثها" وأدينت بسنة من حرمان الحريّة زيادة على عقوبة ماليّة. "آفاز"، التي تقول إنها منظمة حملات عالمية "قوامها 38 مليون عضو موزعين على 18 دولة"، تورد ضمن بلاغ حملتها الالكترونية أن قضية شراف ترسل تحذيرا مرعبا لكل من عانى من التعذيب أو سوء المعاملة.. إما أن تلتزم الصمت أو أن يتنهي بك المطاف خلف القضبان. وترى المنظمة، وفق ذات تعبيرها، أن إدانة وفاء شراف بالسجن سنة كاملة وغرامة مالية قدرها 50 ألف درهم "خطوة كبيرة إلى الوراء في وضع حقوق الإنسان بالمغرب"، مشيرة في مقابل ذلك إلى وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، الذي "طالما أكد عزم البلاد على الرقي به ومحاربة التعذيب". ونقل المصدر ذاته أن قضية الناشطة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، اتخذت "منحى آخر"، بعد اتهامها "باصطناع وقائع غير حقيقية"، مضيفة أن هذه الاتهامات "لا يجب أن تكون جريمة جنائية في الأساس". من جهة أخرى، انطلقت العريضة الالكترونية، التي وسمت بعنوان "المغرب: لا لعقوبة السجن للإبلاغ عن التعذيب"، في مطالبتها بإطلاق سراح وفاء فوراً، من كونها "مواطنة مغربية في المقام الأول وناشطة حقوقية"، بغض النظر عن آراءها السياسية، فيما شددت دعوتها للسلطات المغربية من أجل حماية ضحايا التعذيب "بدلاً من سجنهم". أما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، فقالت إن محاكمة عضوتها وفاء شراف، التي قدمتها كنائبة لرئيس فرعها بطنجة، شابتها "خروقات أخلت بشروط المحاكمة العادلة"، من قبيل "عدم التجاوب مع ملتمسات الدفاع بإحضار الأقراص المدمجة التي تحتوي على تسجيلات التقاط المكالمات.."، خاصة وأن "النيابة العامة في مرافعتها اعتمدت على هذه التسجيلات". كما أدانت الجمعية الحكم الصادر في حق شراف، مطالبة بدورها بإطلاق سراحها، على أن إدانتها "جزء من مسلسل الهجوم الممنهج الذي يستهدف الجمعية وقاعدتها الشبابية.. حتى لايتم تقديم أية شكاية مستقبلا حتى ولو حصل الاختطاف والتعذيب". وكانت النيابة العامة، قد أعلنت في 11 من يوليوز الماضي، اعتقالَ وفاء شراف بطنجة، بعدَ سابق تقديمها لشكاية بواسطة محاميها حول تعرضها ل"الاختطاف" و"التعذيب"، في 27 أبريل الماضي من طرف شخصَين، بعد عودتها من وقفة احتجاجية، ليصدر على إثر ذلك الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بطنجة بلاغا يقول إن تلك الادعاءات "غير صحيحة" و"تم اختلاقها". وحكمت محكمة الابتدائية بطنجة على شرف السجن سنة كاملة مع غرامة قدرها 50 ألف درهم بجُنحتَيّ "الوشاية الكاذبة والتبليغ عن جريمة تعلم بعدم حدوثها"، وهو القرار الذي خلق ردود أفعال حقوقية مستنكرة ومطالبة بإطلاق سراحها.