لا تعد المقاومة المسلحة في غزة شأنا خاصاً بكتائب عز الدين القسام التابعة للحركة الإسلامية حماس، بل هي شأن يساري كذلك، ممثلاً في فصائل فلسطينية أخرى تؤمن أن العمل العسكري من الوسائل التي تردع العدوان الإسرائيلي. من هذه الفصائل توجد كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إحدى أقدم الفصائل الفلسطينية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي. وَصل حصاد عمليات هذا الجناح العسكري اليساري ضد قوات الجيش الإسرائيلي خلال العدوان الأخير على غزة، حسب بلاغ عسكري من قيادتها، إلى 358 صاروخاً وعشرات قذائف الهاون، حيثُ أعلنت كتائب الشهيد أبو علي مصطفى مسؤوليتها عن قصف مجموعة من المستوطنات والمراكز الإسرائيلية، وتدمير مجموعة من الآليات العسكرية، فضلاً عن قنص وإصابة مجموعة من الجنود الإسرائيليين. لم تعمل هذه الكتائب بمفردها خلال كل هذه العمليات، بل تعاونت بشكل وثيق مع فصيل فلسطيني آخر، هو كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، أحد الأذرع العسكرية لحركة فتح، التي تتبنى العمل العسكري للرّد على العدوان الإسرائيلي، والتي شكلت مؤخراً مع فصائل فتحاوية أخرى ما يسمى بقوات العاصفة للإعلان عن عملية ضد الجيش الإسرائيلس اسمها سيف الله المسلول. منذ أزيد من 47 سنة، والجبهة الشعبية لتحرير فلطسين تقاوم بمختلف الطرق لردع جرائم الاحتلال الإسرائيلي، عرفت بنهجها أسلوب اختطاف الطائرات للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى، وبتفجير الأحزمة الناسفة داخل الأراضي الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، كما اشتهرت بعملياتها الدقيقة ضد مسؤولين إسرائيليين، فهي التي اغتالت وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي سنة 2001 رداً على اغتيال القيادي أبو علي مصطفى، الذي سميت الكتائب المقاتلة باسمه بعدما كانت تسمى قوات المقاومة الشعبية. تتبنى الاختيار الماركسي-اللينيني، تأسست سنة 1967 في أعقاب نكسة يونيو الشهيرة، وتكوّنت في الغالب من حركة شباب الثأر التابعة لحركة القوميين العرب، بقيت على النهج نفسه منذ ذلك الوقت، ولم تعبأ بقرارات السلطة الفلسطينية عندما طلبت منها التوقف عن العمليات العسكرية ضد إسرائيل، ورغم الانشقاقات المتتالية التي عانت منها، كخروج القيادة العامة بزعامة أحمد جبريل والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمه، إلّا أن الجبهة الأم بقيت صامدة بمؤسسها جورج حبش، وبقيادييها الآخرين، حتى إن وكان أمينها العام الحالي، أحمد سعادات، معتقلاً في السجون الإسرائيلية منذ سنوات. كانت الجبهة الشعبية من أكثر الفصائل الفلسطينية رفضاً لاتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري أنور السادات مع إسرائيل خلال سنوات السبعينيات، وكذلك لاتفاقية أوسلو التي وقعها ياسر عرفات مع إسحاق رابين، ورغم أن موقفها صار أكثر مرونة بعد ذلك، إلّا أن الجبهة ترى أن لا تفاوض مع إسرائيل ما لم يتم انتزاع حق العودة، وتقرير المصير، وانتزاع حق إقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس. تعتبر هذه الحركة العضو في منظمة التحرير الفلسطيينية رغم خلافاتها مع فتح، واحدة من أشهر روافد الفكر اليساري العربي الرافض للتطبيع مع إسرائيل، ولها علاقات قوية مع أحزاب يسارية عربية وغير عربية، كما استطاعت في السابق التنسيق مع تنظميات عسكرية عالمية لمواجهة إسرائيل، منها الجيش الأحمر الياباني والجيش الجمهوري الإيرلندي ووحدات من الجيش السوفياتي وجيوش أنظمة عربية. من الشخصيات التي قدمتها الجبهة، خاطفة الطائرات، ليلى خالد، التي أجبرت طائرة أمريكية على الهبوط في مطار دمشق، والروائي الشهير غسان كنفاني الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في لبنان عبر تفجير سيارته، ووديع حداد، مهندس عمليات اختطاف الرهائن من أجل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وهو كذلك اغتيل على يد الموساد عبر شوكولاتة مسممة في ألمانيا. تُقدم الجبهة الشعبية لتحرير فلطسين وحركة حماس مثالاً على التلاحم الفلسطيني من أجل مواجهة العدوان الإسرائيلي رغم اختلاف المرجعيات إلى حد التناقض، تلاحمٌ ظهر من خلال استبسال أعضائهما في الدفاع عن غزة رغم ضعف العتاد، فالفصيلان، ومعهما بقية الفصائل المقاتلة، يعتبران أن غزة رمز للعزة، وأن جرائم الجيش الإسرائيلي لن يكون ثمنها سوى حرية الشعب الفلسطييني.