داخل صالون فندق فخم، حيث الأضواء خافتة وفرقة "البلوز" تدندن "ذ ثريل إز چون" للمغني "بي بي كينچ"، يقعد سي العمراني ببذلته الثمينة وحذائه اللامع وسيچاره المشتعل وساعته البراقة في استرخاء فوق الأريكة الجلدية، يحتسي كأس "بلودي ماري" الذي جهزته النادلة أمامه، يضحك بوجهه السمين وأسنانه البراقة الصغيرة في وجوه أصدقائه رجال الأعمال ورؤساء التحرير المحزبين منهم والشبه مستقلين، يمررون بينهم فيديو من النوع... ال... ا... الثقافي، المخل بال... بعثته خليلته على هاتفه، فيغرزون أعينهم في شاشة الهاتف ثم يتفرقعون من الضحك. حتى تنتهي السهرة، فيحمل كل سيارته ويعود سي العمراني إلى بيته بين الصحوة والسكر، يلقي التحية على وجه زوجته المجعد في أسف بابتسامة صفراء، ويصعد إلى غرفة نومه، وينام. من فوق كرسي مكتبه المريح يشعل تلفاز الپلازما 60 بوصة على قناة الجزيرة، ثم بي بي سي، ثم سي إن إن، ثم القناتين الأولى والثانية وهو يحتسي قهوته، ويقوم باتصالاته الاعتيادية حتى يحدد خط تحرير الخبر، ثم يعطي أوامره لشغيليه من الصحافيين والمحررين ليركزوا على خبر "مصطفى سلمى ولد سيدي مولود" الذي اعتقل بإجراءات تعسفية من طرف جبهة "البوليزاريو" لما صرحه من تأييد لقرار الحكم الذاتي، مركزا على بيان وزير الاتصال الذي شكك في المحاكمة التي ستقام ضد "مصطفى سلمى" من طرف البوليزاريو، كون تندوف منطقة "تابعة" للحكم الجزائري والمحاكمة ستقع بتندوف وبالتالي فالجزائر لها يد في كل ما يقع. ثم تحرر المقالات، وتعبأ المواضيع بكلام من هنا وهناك، وتملأ الصفحات بأخبار وكالة الأنباء، وتبعث الجريدة للطبع. يحمل سي العمراني هواتفه النقالة ومفاتيحة وعلبة السيچار وسترة البذلة ويخرج على صحافييه في هالة المدير ويكلف في عجالة كل واحد منهم بملف الغد ويهم مسرعا في سيارته إلى ميعاد مهم مع أحد المدراء لغذاء عمل يسحب منه الإشهارات لجريدته تحت الطاولة بمبالغ طائلة، ثم إلى الأمسية الاعتيادية مع الأصدقاء ثم إلى موعد سريع مع خليلته من ثم إلى وجه زوجته المجعد. في بيت واسع تقليدي البنيان والديكور، ينتهي سي الميلودي من صلاة المغرب متبوعة بركعتين من الرواتب متبوعات بأربع ركعات عساه يكون من أولي الألباب. يسبح ويصلي على النبي وهو قائم من على سجاده مسحوب برائحة "البرقوق مع الغنمي" القادمة من فوق طاولة "البيت الصغير"، يهرول إلى المائدة فيجد ابنه "إلياس"، 34 سنة المهندس "الصلاة على النبي" الذي أوجد له شغلا في وزارة السياحة مباشرة بعد توليه رئاسة المجلس العلمي بمدينته، قد هم بالأكل، فتقول له زوجته وهي تجهز العصائر مع زوجة ابنها "بداو بداو". يشغل سي الميلودي جهاز التلفاز أو كما يسميه "المسيح الدجال" فتظهر مباشرة مذيعة متبرجة في القناة الأولى تتحدث عن "مصطفى سلمى" واعتقاله من طرف السلطات الجزايرية على يد أعضاء البوليزاريو بسبب تأيده لقرار الحكم الذاتي، فيبدأ سي الميلودي هو وابنه في نقاش طويل عريض حول أميناتو حيضر وفعلتها وحكم عصيانها لولي الأمر ونشوزها قياسا على الخوارج، وأفواههم مليئة بالبرقوق ولحية سي الميلودي تلمع من دسم الغنمي. ثم يحمد الله ويتبع الأكل بكأس عصير ويمدد رجليه ويغط في النوم. يستفيق سي الميلودي على صوت زوجته لصلاة الفجر، ثم لمائدة إفطار طول بعرض، فلا يدع رغيفا ولا بيضا ولا زبدة ولا عسلا ولا "حرشة" ولا بغرير إلا وبلعه بكأس شاي بنعناع، ثم يرتدي جلبابه ويتعطر بالعود الذي جلبه من المدينة أثناء حجة السنة الماضية ويركب سيارته ويطلب من السائق أن يفتح المذياع ليستمع إلى مستجدات "مصطفى سلمى". وفور وصوله يأمر بإعلام فقهاء المساجد أن خطبة الجمعة القادمة يجب أن تكون حول الإخلاص لله والوطن وطاعة أولياء الأمور. يصلي الضحى في مكتبه، ويبدأ الجوع يأخذ مأخذه منه فيجد نفسه غير قادر على العمل في يومه هذا، فينصرف مبكرا إلى البيت طامعا في مائدة غذاء شهية. وبعد الغذاء قهوة وحلوى، وبعد صلاة العصر شاي ومكسرات، وبعد المغرب مائدة عشاء، وبعد العشاء أخبار الصحراء ثم إلى سبات طويل. يدخل سي محمد من السوق منهكا يحمل الحليب والخبز وكيس طماطم، فينزلها في المطبخ جانب زوجه التي تغسل الصحون، و التي لشدة سرحانها لم تستفق لدخوله المطبخ. نظف جسده قليلا بالماء وارتدى پيجامة وجلس أمام التلفاز يقفز بين المحطات، وجد على قناة الجزيرة خبر "مصطفى سلمى" ونزاع الصحراء المغربية والبوليزاريو، فوضع جهاز التحكم جانبا. سي محمد منذ صغره وهو يفهم الأشياء على نفس النحو ويحلل ويناقش بنفس الطريقة، وهو لا يدري إن كان نابغة في صغره فأصبح الآن ذكاؤه يتمشى مع سنه، أي أنه شخص بمستوى فهم عادي، أم أنه كان عاديا في الصغر والآن أصبح ذكاؤه متخلفا عن عمره، أي أنه شخص غبي. سي محمد منذ صغره وهو يسمع "صوت الحسن ينادي بلسانك يا صحرا، فرحي يا أرض بلادي أرضك صبحت حرة، مرادنا لازم يكمل بالمسيرة الخضرا"، وفهم وقر بل وآمن إيمانا لا يفوقه إلا التوحيد بالصحراء المغربية. وتطورت الأحداث وكبر جسده لكن إيمانه لم يتزعزع. "جات أميناتو، ومشات أميناتو"، وإيمانه هو هو حتى فرقة ما غلباتو يسمع عن جبهة البوليزاريو لكنه لا يعرف منهم البوليزاريو، ولم يلتقي في حياته أحدا من البوليزاريو، ولا يعرف أين يتواجد البوليزاريو! يسمع عن معتقلات ومخيمات تندوف، لكنه لا يعرف شخصيا أحدا قدم من تندوف، ولا يعرف أين تقع مخيمات تندوف؛ يقولون متواجدة بغرب الجزائر، هو الذي فور سماعه كلمة جزائر يتخيل "الشاب خالد"! ثقافته تلفزيونية محضة، لا يعلم عن تندوف غير مواطنين مغاربة صحراويين فروا هاربين إلى المغرب بعد سنوات وعقود من التعذيب فالتقطتهم عدسات قناتي الأولى والثانية مع عائلاتهم في صالونات صحراوية "كَيْتِييِّوْ"، أي "كيشربو أتاي بالصحراوية"، في فرح ومرح وسرور وحبور. وفي كل مرة يسمع الخبر يتخيلهم يحملون "ملحفاتهم" ويركضون في الرمال هاربين من "رباعة" مسلحة تلاحقهم حتى يصلوا إلى بيوتهم في قبائلهم أو مدنهم يلهثون ويتصببون عرقا، ثم تأتي الكامرات محملة من الرباط والدار البيضاء لتلتقط صورهم مع العائلة والأحباب بعد أن يعلمهم أحد بوصولهم، يظن سي محمد أن هذا الأحد الذي يدري بوصول الهاربين من تندوف هو "المخابرات المغربية" كما يردد صديقه في العمل، رغم أنه حين يصل لكلمة مخابرات يعجز عن تخيل شيء، فكل ما في ذهنه لقطات من رسوم متحركة أو أفلام فرنسية كوميدية. وهو لا يفهم حتى معنى يهربون، ولا كيف يهربون، ولا من أين يهربون إلى أين! عندما كان "سيمو" في الجامعة، لم تكن لديه أية صلة بأحد من الصحراويين أو الصحراويات اللذين كانوا يقطنون بالحي الجامعي، ما كان يسمع آنذاك أنهم متلاحمون إن تشاجرت مع واحد لن تنفذ بجلدك منهم أجمعين. وكان يسمعهم ينطقون "غين" المغرب ب "القاف"، فيقولون عوض المغرب: "المقرب"! فيتفادى الضحك حتى لا يقع فيما لا يحمد عقباه! يعلم سي محمد أن من اشتغل في الصحراء "كيقبط دوبل صولض"، أي الراتب مضاعفا، وأن من ازداد في الصحراء وقدم إلى "الداخل" للدراسة يأخذ المنحة مضاعفة، يقرأ في مقالات "المساء أن جينيرالات الجزائر "معديين علينا"، ويقرأ من تعليقات القراء حول مقالات المساء أن "قضية الصحراء" واكلا فلوس البلاد. سمع عن قرار الحكم الذاتي، وفهم أن الصحراويين لهم الحق في تولي أمور أنفسهم فوق أرض مغربية. وسمع عن أميناتو، وتأجج فيه الغضب لخيانتها العظمى، فخرج صباح أحد مع زملائه بالعمل يهتز ويصرخ بأعلى صوته في شوارع المدينة "الصحرا مغربية." وعاد مسرعا إلى البيت وأشعل التلفاز على القناة الأولى ونادى على زوجته عله يرى نفسه في أخبار الظهيرة، فقد التقطته كاميرا القناة حين كان يصرخ، لكنه لم يرى غير بعض الوزراء السابقين ورؤساء بعض الجمعيات تتدافع وجوههم نحو الكاميرا ليعبروا عن الشجب والاستنكار. يعلم أيضا سي محمد عن مرزوچة، ويأمل أن يقضي إجازة ما في تلك المناطق المغربية التي لا يصلها إلا السياح الأجانب، "ليكمد" هو أيضا "عضيماتو" وسط رمال أرضه الحبيبة. ويسمع عن استديوهات التصوير بوارزازات، وعن قدوم أكبر ممثلي هوليود لتصوير أفلامهم بها، ويسمع قيلا وقالا عن وجود بترول بأرض الصحراء، ويسمع أيضا عن انحياز قناة الجزيرة المتواجدة بقطر للقيادات الجزائرية بوصفها الصحراء المغربية بالصحراء الغربية... ويسمع ويسمع ويسمع؛ والآن يسمع عن اختطاف "مصطفى سلمى" من قبل الجزائر وأداتها المطيعة البوليزاريو ، شخص ما، مغربي كان يشتغل مع الپوليزاريو عند الجزائر وعاد إلى المغرب مؤيدا الحكم الذاتي ثم عاد إلى مخيمات تندوف ل.. شيء ما، وتم اختطافه. عبر سي محمد عن غضبه الشديد لما تفعله هذه الفرقة الناشز عن سيادة المغرب على مسامع زوجته، والتهم "مقلى" بيض وطماطم، ثم ذهب إلى غرفته وخلد للنوم. انتهى ********* نادي "سلامة" للقراءة سنطلق أنا وأصدقاء صفحتي على الفايسبوك نادي قراءة قريبا، لمن يرغب الانضمام زوروا الموقع http://darsalama.weebly.com/index.html http://www.facebook.com/mayssasalama عريضة إصلاح النقل العمومي وصلنا إلى 1600 توقيع على عريضة إصلاح النقل العمومي، وكلما زادت التوقيعات ألفا أعدت إرسال العريضة إلى الديوان الملكي والوزراء المعنيين. لا يضيع حق وراءه مطالب من يرغب بالتوقيع، من هنا يبدأ التغيير http://www.ipetitions.com/petition/maroctransport مبادرة جسر من يرغب بمشاركتي في إرسال العريضة إلى النواب فليراسلني على بريدي الإلكتروني [email protected] فيديو ملتقى "مسك الليل"، ومعلومات حول ديوان الزجل المغربي "مسك الليل"، ومستجدات كلها ستجدونها على صفحة الفايس بوك وقريبا على موقع: دار سلامة/ فكرة مؤسسة إصلاح وتوجيه