القضاء يقول كلمته: الحكم في قضية "مجموعة الخير"، أكبر عملية نصب في تاريخ طنجة    إمزورن..لقاء تشاركي مع جمعيات المجتمع المدني نحو إعداد برنامج عمل جماعة    "ما قدهم الفيل زيدهوم الفيلة".. هارون الرشيد والسلطان الحسن الأول    ‬برادة يدافع عن نتائج "مدارس الريادة"    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون الإضراب    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة ...المغرب يشارك في فعاليات حدث رفيع المستوى حول الأسر المنتجة وريادة الأعمال    المخرج شعيب مسعودي يؤطر ورشة إعداد الممثل بالناظور    الجيش الملكي يعتمد ملعب مكناس لاستضافة مباريات دوري الأبطال    تبون يهدد الجزائريين بالقمع.. سياسة التصعيد في مواجهة الغضب الشعبي    بركة: أغلب مدن المملكة ستستفيد من المونديال... والطريق السيار القاري الرباط-البيضاء سيفتتح في 2029    حصيلة الأمن الوطني لسنة 2024.. تفكيك 947 عصابة إجرامية واعتقال 1561 شخصاً في جرائم مختلفة    أكرم الروماني مدرب مؤقت ل"الماص"    وزير العدل يقدم الخطوط العريضة لما تحقق في موضوع مراجعة قانون الأسرة    الحصيلة السنوية للمديرية العامة للأمن الوطني: أرقام حول المباريات الوظيفية للالتحاق بسلك الشرطة        الاعلان عن الدورة الثانية لمهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية والموسيقى    أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية .. رأي المجلس العلمي جاء مطابقا لأغلب المسائل 17 المحالة على النظر الشرعي        البيضاء: توقيف أربعيني متورط في ترويج المخدرات    آخرها احتياطيات تقدر بمليار طن في عرض البحر قبالة سواحل أكادير .. كثافة التنقيب عن الغاز والنفط بالمغرب مازالت «ضعيفة» والاكتشافات «محدودة نسبيا» لكنها مشجعة    هولندا: إدانة خمسة أشخاص في قضية ضرب مشجعين إسرائيليين في امستردام    المغرب يستورد 900 ألف طن من القمح الروسي في ظل تراجع صادرات فرنسا    جمهور الرجاء ممنوع من التنقل لبركان    وزارة الدفاع تدمج الفصائل السورية    مراجعة مدونة الأسرة.. المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على 3 مقترحات لهذا السبب    الصناعة التقليدية تجسد بمختلف تعبيراتها تعددية المملكة (أزولاي)    الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    العلوم الاجتماعية والفن المعاصر في ندوة بمعهد الفنون الجميلة بتطوان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية : البحاثة محمد الفاسي : مؤرخ الأدب والفنون ومحقق التراث    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي    إلغاء التعصيب ونسب الولد خارج الزواج.. التوفيق يكشف عن بدائل العلماء في مسائل تخالف الشرع ضمن تعديلات مدونة الأسرة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة        عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب        "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي ‬المنجرة ‬.. عالم المستقبليات الذي ‬أُريدَ ‬له ‬أن ‬يكون ‬ماضيا

بعد ‬مسار ‬مليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة وخوفا ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، توفي يوم الجمعة الماضي، المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة عن سن يناهز 81 عاما، إثر معاناة مع المرض.
‬عاش الرجل إلى حدود يوم الجمعة ‬طريح ‬الفراش، ‬أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه، ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
هسبريس تعيد نشر بورتريه الراحل الذي أعده الزميل إسماعيل التزارني في أبريل 2013.
في ‬سنة ‬1924 ‬كان ‬الطيار ‬امحمد ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬المؤسسين ‬لأول ‬نادي ‬للطيران ‬في ‬المغرب، ‬بل ‬في ‬العالم ‬العربي، بعدها ‬بتسع ‬سنوات ‬قرر ‬المغرب ‬إجراء ‬أول ‬رحلة ‬جوية ‬في ‬اتجاه ‬الجارة ‬الجزائر، ‬لكن ‬الطيار ‬امحمد ‬اعتذر ‬عن ‬المشاركة ‬في ‬هذه ‬الرحلة ‬لأن ‬زوجته ‬حامل ‬على ‬وشك ‬الوضع. ‬هكذا ‬تخلف ‬عن ‬هذه ‬الرحلة ‬التي ‬شارك ‬فيها ‬صديقه ‬الطيار ‬المهدي ‬الصقلي ‬الذي ‬كان ‬من ‬أبرز ‬الوطنيين ‬آنذاك.
‬على ‬الساعة ‬السادسة ‬صباحا ‬طرق ‬ساعي ‬البريد ‬بالرباط ‬بيت ‬المنجرة ‬ليسلمه ‬برقية ‬وجد ‬فيها: "‬لقد ‬وصلنا ‬بخير ‬والرحلة ‬مرت ‬على ‬أحسن ‬وجه.. ‬تحيات ‬المهدي ‬الصقلي‮"‬، ‬وفي ‬الصباح ‬ذاته ‬من ‬سنة ‬1933 ‬وضعت ‬زوجة ‬الطيار ‬المنجرة ‬مولودا ‬ذكرا ‬قرر ‬والده ‬أن ‬يسميه ‬المهدي ‬تيمنا ‬بصديقه ‬المهدي ‬الصقلي.‬
ابن ‬الطيار
إنه ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬الذي ‬درس ‬بمدرسة ديكارت ‬بالعاصمة ‬الإدارية ‬الرباط، ‬وهي ‬من ‬أعرق ‬المدارس ‬الفرنسية ‬بالمغرب. ‬كما ‬تلقى ‬دراسته ‬الجامعية ‬بالولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬بجامعة ‬كورنيل، ‬حصل ‬على ‬الإجازة ‬في ‬البيولوجيا ‬والعلوم ‬السياسية ‬ثم ‬تابع ‬دراسته ‬بإنجلترا ‬وحصل ‬هناك ‬على ‬الدكتوراه ‬في ‬الاقتصاد.
كل ‬هذا ‬المسار ‬العلمي ‬للمنجرة ‬ساعده ‬في ‬أن ‬يتقن ‬علم ‬المستقبليات، ‬المجال ‬الذي ‬ألف ‬فيه ‬عددا ‬كبيرا ‬من ‬الكتب، ‬بل ‬وحاضر ‬فيه ‬في ‬العديد ‬من ‬الدول، ‬لكنه ‬بالمقابل ‬منع ‬أزيد ‬من ‬عشر ‬مرات ‬من ‬المحاضرة ‬بمدن ‬مغربية ‬من ‬طرف ‬السلطات.‬
سنة ‬1958 ‬كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬من ‬بين ‬الأساتذة ‬الأوائل ‬الذين ‬قاموا ‬بالتدريس ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس. ‬وقبلها ‬بأربع ‬سنوات ‬فقط ‬كان ‬قد ‬شد ‬الرحال ‬إلى ‬لندن ‬لتحضير ‬الدكتوراه ‬في ‬موضوع ‬حول ‬الجامعة ‬العربية، ‬وفي ‬السنة ‬الموالية ‬أي ‬1955 ‬حصل ‬على ‬منحة ‬من ‬مؤسسة ‬روكفلر ‬مكنته ‬من ‬السفر ‬إلى ‬مصر ‬للالتقاء ‬ببعض ‬المسؤولين ‬في ‬الجامعة ‬العربية. ‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬الفراعنة ‬التقى ‬بأسد ‬الريف ‬المجاهد ‬امحمد ‬بن ‬عبد ‬الكريم ‬الخطابي، ‬كما ‬حظي ‬باستقبال ‬من ‬الراحل ‬محمد ‬الخامس ‬بباريس ‬وهو ‬في ‬طريق ‬عودته ‬من ‬المنفى ‬إلى ‬أرض ‬الوطن ‬قبيل ‬الاستقلال.
‬ليلتقيه ‬للمرة ‬الثانية ‬سنة ‬1959 ‬إذ ‬استقبله ‬الراحل ‬كأول ‬أستاذ ‬مغربي ‬بكلية ‬الحقوق، ‬وأصغر ‬الأساتذة ‬سنا ‬بها ‬وعينه ‬مديرا ‬للإذاعة ‬والتلفزة ‬المغربية ‬خلفا ‬لقاسم ‬الزهيري.‬
الكلب ‬والسفر ‬إلى ‬أمريكا
كان ‬المهدي ‬المنجرة ‬سنة ‬1948 ‬بأحد ‬المسابح ‬بمدينة ‬إفران، ‬حيث ‬كان ‬في ‬المسبح ‬عدد ‬من ‬المغاربة ‬والفرنسيين. ‬بينما ‬هو ‬هناك، ‬اقترب ‬كلب ‬من ‬المسبح ‬وبدأ ‬يشرب ‬من ‬مياهه، ‬الأمر ‬الذي ‬أثار ‬حفيظة ‬إحدى ‬النساء ‬التي ‬طالبت ‬بإبعاده.
‬لكن ‬أحد ‬الفرنسيين ‬خاطبها ‬قائلا:‬‮"‬إذا ‬كان ‬العرب ‬يسبحون ‬في ‬المسبح ‬فلماذا ‬نمنع ‬الكلاب ‬من ‬ذلك‮"‬ ‬وهي ‬العبارة ‬العنصرية ‬التي ‬أغضبت ‬الشاب ‬المهدي ‬المنجرة ‬لينخرط ‬في ‬مشادات ‬كلامية ‬مع ‬هذا ‬الفرنسي.
ولسوء ‬حظ ‬المنجرة ‬كان ‬هذا ‬الفرنسي ‬رئيس ‬فرقة ‬الأمن ‬الإقليمي ‬بإفران، ‬لذلك ‬لم ‬يتردد ‬في ‬اعتقاله ‬مدة ‬عشرة ‬أيام. ‬بعد ‬خروجه ‬من ‬الاحتجاز ‬أرسله ‬والده ‬إلى ‬الولايات ‬المتحدة ‬الأمريكية ‬لمتابعة ‬دراسته ‬هناك.‬
وهناك ‬في ‬بلاد ‬العم ‬سام ‬أسس ‬النادي ‬العربي، ‬وعمل ‬مديرا ‬للمجلس ‬الدولي ‬للطلبة. ‬كما ‬كان ‬أحد ‬مؤسسي ‬النادي ‬الشرقي ‬وعضوا ‬في ‬جمعية ‬من ‬أجل ‬عالم ‬جديد، كل ‬هذه ‬الدينامية ‬والحيوية ‬كانت ‬توحي ‬بأن ‬المهدي ‬المنجرة ‬سيكون ‬له ‬شأن ‬عظيم ‬في ‬المستقبل.‬
في ‬سنة ‬1954 ‬حيث ‬كان ‬المنجرة ‬مازال ‬يتابع ‬دراسته ‬في ‬أمريكا، ‬نشبت ‬حرب ‬مع ‬كوريا ‬فطلب ‬من ‬الطالب ‬المهدي ‬التجنيد ‬لأنه ‬يتوفر ‬على ‬البطاقة ‬الخضراء ‬لكنه ‬رفض، ‬أما ‬هجرته ‬إلى ‬اليابان ‬فجاءت ‬بعد ‬منعه ‬من ‬إلقاء ‬محاضرة ‬بمدينة ‬فاس.‬
السؤال ‬المؤرق
إن ‬السؤال ‬الذي ‬يؤرق ‬عالم ‬المستقبليات ‬هو: ‬إلى ‬أين ‬نسير؟ ‬خصوصا ‬وهو ‬يلاحظ ‬غياب ‬رؤية ‬مستقبلية ‬لدى ‬القائمين ‬على ‬الأمور ‬في ‬البلاد. ‬
لذلك ‬لا ‬يتردد ‬في ‬القول ‬كلما ‬سمحت ‬له ‬الفرصة ‬لذلك: ‬‮"‬أتحدى ‬أي ‬شخص ‬أن ‬يعطي ‬رؤية ‬شاملة ‬حول ‬مستقبل ‬المغرب، ‬للأسف ‬الكل ‬مشغول ‬بالآنية ‬وما ‬يسمى ‬بالانتقال، ‬وأنا ‬أتساءل ‬الانتقال ‬إلى ‬أين؟‮"‬ ‬.
هكذا ‬ظلت ‬هذه ‬الأسئلة ‬تؤرق ‬بال ‬المنجرة ‬الذي ‬يؤكد ‬أن: ‬‮"‬علم ‬المستقبليات ‬ليس ‬تنبؤا ‬لأنه ‬موجود ‬عند ‬البشر، ‬والتنبؤ ‬كان ‬لخاتم ‬الرسل ‬محمد ‬صلى ‬الله ‬عليه ‬وسلم‮"‬ ‬وما ‬يزيد ‬من ‬قلق ‬المهدي ‬المنجرة ‬على ‬الوضع، ‬ليس ‬فقط ‬انشغال ‬السياسيين ‬بالآني، ‬بل ‬حتى ‬صمت ‬المؤرخين ‬وانكبابهم ‬فقط ‬على ‬تاريخ ‬القرون ‬الوسطى ‬متناسين ‬الحاضر ‬وغافلين ‬كليا ‬عن ‬المستقبل. ‬
تفتقت ‬عبقرية ‬المنجرة ‬منذ ‬ريعان ‬شبابه ‬فقد ‬طرد ‬من ‬ثانوية ‬ليوطي ‬سنة ‬1948 ‬لأسباب ‬سياسية ‬محضة، ‬لقد ‬كان ‬يواجه ‬الأساتذة ‬الفرنسيين ‬ويناقشهم ‬بحدة ‬فيما ‬يخص ‬موضوع ‬الاستعمار ‬الفرنسي ‬للمغرب. ‬في ‬سنة ‬1954 ‬حصل ‬على ‬جائزة ‬الإمبراطور ‬الياباني ‬عن ‬بحث ‬بخصوص ‬أهمية ‬النموذج ‬الياباني ‬بالنسبة ‬للعالم ‬الثالث.‬
سابق ‬لعصره
‮"‬التغيير ‬آت ‬أحب ‬من ‬أحب ‬وكره ‬من ‬كره"..
السؤال ‬الوحيد ‬الذي ‬يجب ‬أن ‬نفكر ‬فيه ‬هو ‬ثمن ‬هذا ‬التغيير، ‬فكل ‬تأخير ‬سيدفع ‬عنه ‬الثمن‮"‬ ‬هذه ‬العبارة ‬قالها ‬عالم ‬المستقبليات ‬المهدي ‬المنجرة ‬قبل ‬الربيع ‬العربي ‬بكثير، ‬وهي ‬العبارة ‬التي ‬تلقتها ‬العديد ‬من ‬الآذان ‬باعتبارها ‬ترفا ‬فكريا ‬لا ‬غير. ‬لكن ‬أحداث ‬الربيع ‬العربي ‬التي ‬افتتحتها ‬ولاعة ‬البوعزيزي ‬أكدت ‬أن ‬كلام ‬الرجل ‬علم ‬مدروس ‬بدقة. ‬
كما ‬تأكد ‬كلامه ‬الذي ‬قسم ‬فيه ‬الزمن ‬إلى ‬ما ‬قبل ‬التغيير ‬وما ‬بعد ‬التغيير‮"‬ ‬في ‬عهد ‬ما ‬قبل ‬العهد ‬الجديد، ‬فالتغيير ‬هو ‬مفهوم ‬منظومي ‬يأتي ‬بصورة ‬شمولية، ‬إذ ‬عندما ‬يحدث ‬يطال ‬جميع ‬الميادين‮…‬ ‬والتغيير ‬الوحيد ‬الذي ‬لاحظناه ‬هو ‬تغيير ‬الذين ‬أتوا ‬بقصد ‬التغيير ‬دون ‬أن ‬نلمس ‬أي ‬تغيير‮".
أما ‬ثمن ‬التغيير ‬الذي ‬طالما ‬حذر ‬منه ‬فإنه ‬جاء ‬غاليا.‬
‮"‬يكتب ‬لفترة ‬لا ‬يعتقد ‬أنه ‬سيعيشها، ‬أي ‬أنه ‬لا ‬يكتب ‬من ‬أجل ‬مصالحه ‬اللحظية ‬والقصيرة ‬المدى‮"‬ ‬هذا ‬هو ‬علم ‬المستقبليات ‬بتعبير ‬المهدي ‬المنجرة. ‬
يقول ‬في ‬كتابه ‬‮"‬الإهانة ‬في ‬عهد ‬الميغا ‬إمبريالية‮"‬: ‬الرفض ‬أن ‬تقول: ‬‮"‬لا…لا ‬للاستبداد ‬لا ‬للظلم ‬لا ‬للقمع‮…‬ ‬هذا ‬الرفض ‬كله ‬بلا ‬عنف، ‬وبلا ‬انتفاضة ‬حجر، ‬وبلا ‬رصاص، ‬فقط ‬بقوة ‬لا‮"‬ ‬وهو ‬ما ‬حدث ‬تماما ‬في ‬ثورات ‬الربيع ‬العربي، ‬إذ ‬خرج ‬المتظاهرون ‬بصدور ‬عارية ‬وتمكنوا ‬من ‬الإطاحة ‬بالأنظمة.‬
رجل ‬الكرامة
رغم ‬أنه ‬أهين ‬في ‬العديد ‬من ‬المرات ‬في ‬بلده ‬المغرب، ‬حيث ‬منعت ‬محاضراته ‬في ‬مدن ‬مغربية ‬دون ‬أن ‬تخبره ‬السلطات ‬عن ‬سبب ‬المنع، ‬إلا ‬أنه ‬ما ‬فتئ ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة ‬الإنسانية ‬كلما ‬سنحت ‬له ‬الفرصة ‬بذلك. ‬لم ‬يتوقف ‬أثناء ‬نضاله ‬من ‬أجل ‬الكرامة ‬عند ‬حد ‬الكلام ‬والكتابة ‬والمحاضرات. ‬بل ‬إنه ‬خصص ‬من ‬ريع ‬كتبه ‬جائزة ‬لذلك.‬
كان ‬المنجرة ‬قد ‬أحدث ‬جائزة ‬‮"‬الحوار ‬الثقافي ‬شمال-‬جنوب‮"‬ ‬عقب ‬صدور ‬كتابه ‬‮"‬ ‬الحرب ‬الحضارية ‬الأولى، وهي ‬الجائزة ‬التي ‬تمنح ‬منذ ‬1992 ‬يوم ‬17يناير ‬من ‬كل ‬سنة، ‬وهو ‬اليوم ‬الذي ‬يصادف ‬ذكرى ‬اندلاع ‬حرب ‬الخليج ‬الأولى، ‬هذه ‬الجائزة ‬حولها ‬المنجرة ‬إلى ‬جائزة ‬الكرامة، ‬ينالها ‬كل ‬من ‬يدافع ‬عن ‬الكرامة.‬
بعد ‬هذا ‬المسار ‬المليئ ‬بالعطاءات ‬والإنجازات ‬والكتب ‬والمحاضرات ‬تعكس ‬غيرة ‬المهدي ‬المنجرة ‬وخوفه ‬على ‬مستقبل ‬المغرب، ‬بل ‬مستقبل ‬البشرية ‬جمعاء، عاش المهدي ‬المنجرة ‬‬طريح ‬الفراش، أما ‬المسؤولون ‬الذين ‬طالما ‬أرقهم ‬كلامه ‬فإنهم ‬نسوه، ‬بل ‬تناسوه. ‬لأن ‬المرض ‬ناب ‬عنهم ‬في ‬منعه ‬من ‬محاضراته ‬التي ‬تزعجهم.
الزلة ‬الوحيدة ‬التي ‬ارتكبها ‬المهدي ‬المنجرة ‬هو ‬أنه ‬ولد ‬في ‬وطن ‬عاق، ‬لا ‬يعترف ‬بالجميل ‬الذي ‬يقدمه ‬له ‬بعض ‬أبنائه.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته
الحياة ‬الشخصية ‬والاجتماعية ‬للأستاذ ‬المهدي ‬المنجرة ‬تظهر ‬من ‬خلال، ‬زيارة ‬منزله. ‬فالداخل ‬إليه ‬سيجد ‬‮"‬صالونا ‬بلديا‮"‬ ‬وآخر ‬غربيا. والمنزل ‬كله ‬عبارة ‬عن ‬مكتبة، ‬وأينما ‬تجولت ‬في ‬أرجاء ‬المنزل ‬ستجد ‬كتبا ‬أو ‬مجلات، ‬ما ‬يعكس ‬تعلقه ‬بالقراءة ‬والكتابة. ‬
المنجرة ‬إنسان ‬منفتح ‬على ‬الحداثة، ‬لكنه ‬مغربي ‬أصيل ‬لا ‬يتنكر ‬لمغربيته، ‬بل ‬يعتز ‬بها ‬ولا ‬يمكن ‬أن ‬يزايد ‬عليه ‬أحد ‬في ‬ذلك، فرغم ‬أن ‬تكوينه ‬الأكاديمي ‬كان ‬بإنجلترا ‬إلا ‬أنه ‬يبقى ‬المهدي ‬المنجرة ‬المغربي ‬البسيط، ‬الذي ‬يعيش ‬الطقوس ‬والعادات ‬المغربية ‬بنوع ‬من ‬الاعتزاز.
أما ‬التهميش ‬الذي ‬يتعرض ‬له ‬المنجرة ‬فإنه ‬ليس ‬لذاته ‬كشخص، ‬وإنما ‬تهميش ‬لمنظومة ‬الحداثة ‬والتغيير ‬في ‬زمن ‬الرداءة. ‬فليس ‬المنجرة ‬وحده ‬من ‬تعرض ‬للتهميش، ‬فهناك ‬العديد ‬من ‬المفكرين ‬طالهم ‬التهميش.
لكن ‬المنجرة ‬كان ‬أكثر ‬تهميشا، ‬بل ‬إنه ‬تعرض ‬للمنع ‬من ‬المحاضرة ‬بجامعات ‬مغربية ‬رغم ‬أنه ‬كان ‬أول ‬أستاذ ‬مغربي ‬درس ‬بالجامعة ‬المغربية ‬وأصغر ‬أستاذ ‬بجامعة ‬محمد ‬الخامس.
المهدي ‬المنجرة ‬ليس ‬شخصا ‬لذاته ‬إنه ‬منظومة ‬وبنيان، ‬لقد ‬نظر ‬لقيم ‬عالمية ‬تجاوزت ‬ما ‬هو ‬ذاتي.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.